لقاءٌ تحت الثرى بقلم أبوشمس سالم
لقاءٌ تحت الثرى بقلم أبوشمس سالم
بيتٌ دَافىء ؛ أسرة متحابة ؛ لا يُعكر صفوها إلا وجود أفعى تتلوى ؛ بأفكار شيطانية ! وزوجها مَسلوب الإرادة أمَامها !
يَعيش ربَّ البيت ؛ ومعه في البيّت نفسه، ثلاثة أبناء؛ ابنه الأكبر وزوجته ؛ وابنان آخران. ولهُ بنتٌ مُتزوجة خَارج المدينة . ودائمًا كَطبيعة البنات تغدق بالحنانِ لِوالديهم ؛ فَكَانت على بُعد المسافة بينها ؛ وبين بيت أبيها ؛ لا يَمُر عليها أسبوع ؛ إلا وتكون تحت قدميه،لتطمئن عليه ؛ وتنال ثواب برّه . وابن آخر يَعمل بشركة بترول في محافظةٍ أخرى ؛ ومعه زوجته وابناؤه هُناك .وكان لظروف عمله يَعيش بأسرته بعيدًا عَن أبيه؛ غير أنه كان دائم البرّ له ،ولا يَهنأ له نوم،إلا إذا سَمِع صوته واطمأن عليه كل يوم ؛ وكان دائمًا يقول لأبيه ؛ لا أريد من الدنيا ؛ غير دعواتك لي يا أبي.
كان الوالد يَمتلِك ثروة تتمثل في قطعةِ أرض؛ وعمارتين ؛فقد عَاش طيلة حياته مُسافرًا بإحدى دول الخليج؛ مِن أجل أن يحيا أبناؤه في عيشةٍ كريمة ؛ وكان دائمًا يقول لنفسه:حياتي بكل مافيها فِداء لأبنائي ؛ فنحن نحيا في الحياةِ كصفحَات مُجلّد؛ لاَبد أن يأتي عليها يومٌ وتنطوي !!
مرّ العمر على ضي الكفاح،ومَلك الشَّيب زِمامه؛ وأصبحَ طريح الفِرَاش ! كان كُل همّه توزيع ثروته بالعدل بين أبنائه؛ لأن ابنه الأكبر الذي كان يعيش معه؛ كان مصابًا بالجَشّع، ويُسيّطر عليه الطمع. كان طدائم الغيرة من باقي إخوته. ووالده أيضًا لم ينجُ من نرجسيتهِ ؛ فكان يُريد أن يأخذ من الميراثِ نَصيب الأسد؛ إرضاءً لإلحاح زوجته؛ وسقيم طِباعه !
وذات يوم اشتد المرض على الوالدِ؛ وطلب من جميعِ أولاده الحضور،لكي يَضع النقاط على الحروفِ؛ حتى يأمَن عَاقبة الأمور؛ مِمَا سيحدث بعد وفاته ؛ فحدَّث نفسه قائلاً: يَبدو أنني في الرمقِ الأخير؛ ولابد أن أتدارك الموقِف ! وسَرعان مَا حَضر أبناؤه إليه جميعهم. وحين رأتهم زوجة الابن الأكبر؛ بجوار أبيهم جالسين؛ وعيونهم مُحدقة بنظرات البر لأبيهم؛ هَمست في أُذن زوجها وقالت:عليك بسُرعة التصرف، والدك قد جمع إخوتك؛ وربما يقوم بتوزيع الميراث ويضيع حقنا؛ ويأخذوا مِثّلنا !! فقد ضَاعَت حَياتُنا بِجوَار أبيك !! هيّا تصرّف وإلا تركت البيت؛ فلا أستطيع تَحمل ضياع حَقنا أمَام عيني؛ وأنت تُشاهد في صمت. ثم وجّهت له عِبارة ضيعت صوابه ! وهزمَت قُوّاه المسلوبة أمَامها !! فقالت :(هَتفضل طول عُمرك سَلّبي ومضيّعنا معاك ) !!
دخل الابن الأكبر على والدهِ ؛ وجده في سكراتِ الموت ؛ أتاه
الشيطان مُداعبًا بفكرة شيطانية. طلب من باقي إخوته الخروج من الغرفة،متحجِجًا بأنه يريد أن يقرأ لوالده القرآن في هدوء !!
وبعد خروج الجميع ! أخّرِج من جيبه ورقة بها تنازل من والدهِ له عن جَميع ثروته ! وأخذ بإصبعه لكي يضع بصمته على الورقة !شعر أبوه بفعلته الخسيسة ؛ فقال له مؤنّبًا: ماذا تفعل ؟! أنا مازِلت على قيد الحياة !! أصابه الذهول.. كان يعتقد أن أباه في غيبوبة تامة، ولن يشعر بما سيفعله.وفجأة صوت والده يرتفع؛ فيقوم بوضع يديه على فم والده !خوفًا من أن ينكشف أمره !ومن هوّل الموقِف ظلّ ضاغِطًا على أنفاسِ والده دون أن يَشعر حتى فارق الحياة ! فأصابته حالة من الذهول ! وابتعد واقفًا ؛ في حيرة من أمره !ومَا مَرت دقيقة إلا ورأى زجاجة ماء فرفعها ليرتشف منها رشفة يلتقط معها الأنفاس ؛وما إن رشف رشفتين؛ ماء في حلقه ؛وكما يقولون “راح في شربه ميه “!! سقط على الأرضِ مغشيًا عليه….!!وقد فارق الحياة!!
أتى أجله ليكون د لِقاؤهما المُرتقب هُناك تحت الثرى !!؟
التعليقات مغلقة.