لماذا سقط المماليك؟
د.أحمد دبيان
مصر فى أوائل القرن السادس عشر وقبل عامى ١٥١٦ – ١٥١٧ كانت دولة مؤثرة وحكامها المماليك ورغم انهم مجلوبين الا انهم وبحكم النشأة و سيكولوجية الرّق اطفالاً فهموا انها وطنهم الذى يجب ان يستوطنوه ويفهموا حوار جغرافيته وتاريخه .
وبحكم الموقع الهبة والكنز واللعنة والنقمة معاً ،علموا ان وجودهم وبقاءهم محكوم بتأمين هذا الموقع للتجارة وهى مصدر الثروة والنفوذ .
كان القرن السادس عشر قرن الاكتشافات الجغرافية ،
وبعد سقوط الأندلس وارتياد البحار تم اكتشاف الأمريكتَين و
Cape of good hope
او الكاب
او طريق رأس الرجاء الصالح ،
كان هذا الاكتشاف مهدداً لمركز الثروة القائم على المقس او المكوس والتجارة ، ما أفقد المماليك موردهم الاقتصادى ومركزهم المالى .
ولأن هذا المركز المالى كان قائماً على اقتصاد خدمى ريعى ،
ورغم عدم شق قناة السويس وقتها الا ان البضائع كانت تأتى من أوروبا ، ليتم شحنها براً وحتى القلزم او السويس ومنها للهند ولآسيا .
وقد كان تجار البندقية وبحكم المنافع المتبادلة حلفاءاً للمماليك رغم القرارات البابوية بالحصار الإقتصادى وحظر التعامل فى بضائع بعينها تصل الى حد حظر المواد التى من المحتمل ان تساهم فى المجهود الحربى للمماليك .
وحين اكتشف البرتغاليون طريق الكاب وصار رطل التوابل يباع بعشرين ديناراً فى أسواق اوروبا بدلاً من مائتى دينار بحسب طريق التجارة التقليدى عبر القلزم ( السويس )
( الطريق الشمالى ، الذى يتم إحياءه اليوم هو طريق كاب جديد )
،
بل و محاولة تعطيش مصر بالإتصال الذى قام به فاسكو دو جاما مع نجاشى الحبشة لتحويل مجرى النيل .
لهذه الأسباب كلها قامت حملة مشتركة من المماليك وتجار البندقية لتحارب البرتغاليين وتمنع التجارة عن طريق الكاب او رأس الرجاء الصالح .
ورغم نجاحات جزئية فى البداية فشلت الحملة لأسباب عديدة وكانت الهزيمة فى موقعة ديو البحرية وسيطر البرتغاليون على جزيرة سوقطرى وجابوا مياة بحر القلزم ( البحر الأحمر ) مهددين مدينة جدة بحملات عسكرية .
أعاد المماليك بناء أسطول مصر البحري محاولين درء الغزو البرتغالي عن محيط الأمن القومى البحرى الخارجى لمصر حتى لا يتكرر غزوها كما حدث مع حملة لويس التاسع .
رغم فشل حملة قطع الذراع الطولى للبرتغاليين جزئيا الا انها تنبئنا بإدراك واعى من المماليك لثوابت جغرافيا مصر التاريخية والاقتصادية ما يجعلنا نطلق عليهم لقب سبق عصرهم الحديث فعلياً لإدراكهم الواعى بالتاريخ ان تقزم مصر وانحسارها داخل حدودها تحت دعاوى آخر الحروب هو المقدمة للغزو والتقويض من الداخل .
الخطأ الأكبر الفعلى الذى وقع فيه المماليك كممثلين للنظام السياسى وقتها هو وقوفهم موقف المترقب ما بين الصفويين فى فارس والهجمة الاستلابية الرعوية لدولة بنى عثمان .
الهجمة الاستلابية الرعوية كانت تدرك ان القوى المؤثرة فى المنطقة وبحكم حوار الجغرافيا والتاريخ ، هى القوة الفارسية والقوة المصرية .
ورغم علاقات التودد التى أبداها الخنكار سليم العابس والذى صعد لعرش السلطنة بالإنقلاب على ابيه وذبح أشقائه ، للسلطان قنصوة الغورى مخاطباً إياه بوالدى العزيز .
ورغم تأثر بنى عثمان بالتقويض البرتغالي الأسبانى للغرب والجنوب متحكمين فى طرق التجارة ، الا انه لم يحرك ساكناً لنجدة آخر ممالك الأندلس او لنجدة المماليك ضد البرتغاليين رغم تهديدهم لجدة ومكة المقدسة ، ذلك التهديد المتكرر من كل الحملات الصليبية لاجتياح الأماكن المقدسة وقبر الرسول .
وكان قرار سليم العابس رغم انه لم يكن قد حسم فعلياً صراعه مع الصفويين ، اجتياحاً رعوياً لمصر ، استلب فيه قواها الحضارية ، وصناعها وعلماءها ، وتفرغ بعدها لمنابذة القوة الباقية دون ان يستطيع حسم الصراع بعدها مع البرتغاليين .
كان لخلل التركيبة البنيوية للمماليك والذين كانوا يمثلون مجتمعاً اسبرطياً متمصراً ينشأ فيه المملوك و يحيا للقتال والدفاع عن مكتسباته من إقطاعيات أقطعت لهم مقابل التفرغ للقتال وعلى حساب أبناء الشعب ، الذين كانوا ينظر اليهم كسائمة وظيفتهم الحرث والزراعة والصناعة لحساب الطبقة المملوكية الحاكمة ومع التوسع فى إحضار المماليك الجلبان ، الذين تحولوا لطبقة مرتزقة حيث كان يؤتى بهم كباراً فى السن دعماً لأمراء المماليك فى صراعاتهم وعلى حساب المماليك القرانصة المهمشين لخدمتهم سلاطين سابقين رغم كفاءتهم العسكرية ، وتعدد الإنقلابات المملوكية ضد بعضهم البعض .
ومع فراغ الخزانة ما جعل المصدر الأساسى لملئها هو فرض الضرائب الفادحة وتحصيل الضرائب حتى قبل حصاد المحاصيل وارتفاع أسعار السلع ما جعل الشعب والتجار والحرفيين يئنون من وطأة الغلاء ما افقد المماليك تماسك الجبهة الداخلية والدعم الشعبى .
يبقى ان نذكر ان من ساعد الخنكار سليم العابس على الاجتياح وهزيمة آخر مناضلى المماليك ، طومان باى واستباحة القاهرة وأعمال القتل فى أهلها وسبى نسائها من قبل جنود السلطان سليم
كان المملوك خاير بك
والذى كان من أعماله بعد ان تولى ولاية مصر ممثلا للعثمانيين انه بنى جامعاً ومدرسة كسلوك توارثه بعدها كل الخونة و المتاجرين بالدين ، ولكن المصريين وبمخزونهم الحضارى أطلقوا عليه لقب
خاين بك
بعد السقوط صارت مصر ولاية تابعة للرعاة بعد أن كانت مركزاً للخلافة العباسية ،
وصار لقب العثمانلى الرسمى ،
خادم الحرمين الشريفين.
التعليقات مغلقة.