ليلة استنبولية شرسة.بقلم.فادية حسون
كانت الساعة قد اقتربت من الواحدة والنصف ليلا ، حين دخلتُ إلى غرفتي بقصدِ النوم .. في ليلةٍ كانونيّةٍ غابت نجومُها واشتدّ صقيعُها ..
وكما في كل ليلة وبعد أن قرأت وِردي اليومي من القرٱن الكريم وسورة الملك ، تمدّدتُّ في سريري في محاولةٍ فاشلةٍ لطرد متلازمة الأرق ، التي رافقتتي مذ حللتُ استنبول .. أخذت أصابعُ يمناي تتجوّلُ بين حبّات سبحتي المئوية استغفارا وتسبيحا وصلاة على سيد الخلق . ، وباليد الثانية أمسكتُ جوّالي بهدف التصفّح السريع ، الذي أصبح مؤخرا بالنسبة لي عاداتٍ وتقاليد لا أكثر .. مرّ أمامي خبرٌ سريعٌ ، أتاني كوخزةِ دبّوس في لبّ طمأنينتي .. جلستُ سريعا وكأن الخبر اقتلع جذور الكرى من عينيّ فأقررتُ على الفور بفشلي في استجلاب النعاس ودحر الأرق ..
الخبر :
(( سماعُ أصواتٍ غريبةٍ لطيور غريبة في سماء استنبول ))
واختفى الخبر ..
والغريب أن حساب الفيس بوك قد اختفى أيضا ..
فتحت على تطبيق فيس عدة مرات لكنني كنت أُصدم بعبارة ( تسجيل الدخول ) .. نفضتُ رأسي كي أحدّ من جحوظ عينيّ.. بل كي أتيقّن أن مارأيتُه بلمح البصر كان مجرّد خدعةٍ ليس إلا …
وجًهت أذني باتجاه النافذة المطلة على الشارع .. كتمتُ أنفاسي في محاولةٍ لاستراق السمع ..
نعم .. وكأنني حقا أسمع أصواتَ غرابيبَ تنعبُ ..
اجتاحني ذعرٌ استثنائي لم أصادف مثله في حياتي .. رفعتُ الغطاء عني .. قمت بحذر باتجاه الناقذة .. أدرتُ المزلاج .. لسعتني سياط بردٍ كانونية موجِعة … حاولت صدّها بجزء من الستارة الساكنة ..حيث لاهواء يحركها .. سكونٌ مخيف أطبق على المكان .. ونوارس ملأ ضجيجُها الفضاء .. وأخذ قلبي يشاركها مذعورا في الصدح والندب .. وسبحتي كانت تستهجن سرعتي المفاجئة في تمرير حباتها ، بينما لساني يلهج ب : يارب يارب يارب يارب ..
.. كان الشارع كفؤاد أم موسى ( فارغا ) .. وأوراقُ الأشجار تبدو متعبة بعد أن توقّفت عن رقص هيستيريّ استمرّ عدة أيام …
وبدأت السيناريوهات السوداء تتوالى في مخيّلتي التي سكنتها مؤخرا قبائل من الكوارث الطبيعية والبشرية .. غادرتني كل بواعث الاطمىنان ..
وعلى الأرض ، كانت هناك مساهمةٌ حقيقيّةٌ في سيمفونية الجحيم من قِبَل القطط والكلاب وقلبي أيضا ..
ونحن نعلم مسبقا ( وكم من العلوم تدمرنا نفسيّا ، ليتنا كنا بها جهلاء ) نعلم أن الحيوانات تستشعرُ خطر الكوارث قبل حدوثها . زاد الخفقُ في صدري ،
وأصبحت معه رهافةُ سمعي صفةً مقيتةً جعلتني أتمنى فقدان حاسة السمع حينها ..
ماذا أفعل ؟ هل أوقظ ابنتي وزوجها ؟ لكنني لست ممن يحبّون مشاركة الأشياء السيئة مع أحد وخاصة مع من أحب ..
كيف علي أن أوقفَ عمل طواحين الذّعر التي تعتمل في داخلي وقد قاربت فعليا على إتلافي ..
وبعد ساعات من الهواجس و الأوهام ، لاأدري كيف غافلني النوم في زيارة عزيزة غير متوقّعة.. استيقظتُ وقد ملأ نور الصباح غرفتي ..
صنعت قهوتي ، ورحت أراقب من وراء زجاج النافذة تلك الطيور اللطيفة ، التي تجمهرت فوق أغصان شجرة السرو قي الحديقة المقابلة للبناء ..
زال الخوف بعون الله .. واستقامت ضربات القلب .. ورحت أفكر لماذا بتنا نربط حدوث الزلازل بالشتاء والرعد والأمطار ، ونعلم جيدا أن زلزال استنبول قد حدث في ٱب من العام 99 ..
ولماذا نربط الزلازل بهيجان الطيور وربما يكون لهيجانها أسبابٌ لايعلمها إلا خالق الخلق ومدبّر الكون ..
ربما تكون هذه الحادثة قد رممت جدار قوتي النفسية التي عبثت فيها الإشاعات ووسائل الإعلام التي سخّرت بعض المنجمين المجانين ليتلاعبوا بعقول الناس ..
حدث ذلك يوم الأربعاء ليلا .. وقد عاد حسابي على الفيس مساء أمس الجمعة .. وأعتقد أن العناية الالهية قد تدخلت كي تبعدني في ذاك التوقيت بالذات عن أكثر وسيلة اتصال مدمرة ..
استبشروا خيرا
فادية حسون .
التعليقات مغلقة.