ليلة العُرس
قصة قصيرة
بقلم علي جبل.
انتصف ليل القرية الذي تغير كثيرا عن السابق. صحيح ان الهدوء يَعُم الأرجاء
والأضواءُ الليلية ليست مُبِهرة،
والشوارع ليست مرصوفة كشوارع
المدينة، ولكن المدخل الرئيسي وشارع داير الناحية نالا حظهما من العناية والرصف فزادت بهما الحركة
والحيوية، والذهاب والإياب.
القهوة الوحيدة على مدخل القرية والتي يتردد عليها الشباب هي المتنفس الوحيد. إضافة إلي بعض اماكن اللهو الإلكترونية والإنترنت، حيث يتجاذب الشباب اطراف الحديث ، واصبحت الأخبار تصل إلي الناس كلمح البصر.
علِمَ الشباب مُبَكرا فزادت دائرة
الهمس والحوارات الجانبية، والنفي والإثبات.
أمه سيدة مصرية من طين القرية.
ارتوت ارضها الطيبة من عرقها الزكي، أينعت ثمار حقولها علي يدِها النحيلة التي لم تعرف الوهن، ازْهَرت حُقول القطن بيديها حتى صارت قناديلا تُضيئ ليل القرية البهيم، اصطبغ وجهها الطيب بلون قمحها الأصفر.
ضعفت يداها حتى قويت يداه، انحنى ظهرها حتى ارتفعت هامته في السماء، أرضعته حب الأرض ، والطين، والوطن.
مكالمة هاتفية بعد منتصف الليل :
استعدوا لاستقبال العريس!! عَطِّروا سماء القرية بالتهليل والتكبير والتسبيح والدعاء.
تراصَ الناس علي جانبي الطريق تأهُبا
لوصول الموكب، لم يبِت احد في منزله.
لا يزال في العشرين من عمره، الجميع في حالة صدمة وذهول،نزل الخبر فأذهل الجميع. فكيف لقلب أمه المسكينة ان يتحمل؟
ومن يجرؤ على إخبارها؟
ومن يتحمل النظر في وجهها،ووأد
فرحتها بانتظار عودته؟
في الصباح تم التَثَبُت من الأمر .
أَرْدَتْهُ رَصاصات الغدر شهيدا.ليروي تراب
تراب الوطن بدمائه الزكية وتحول
جسده الطاهر إلي جسر يَعبرُ به الوطن إلي بر الامان.
لحظة إنسانية مهيبة،اختلطت فيها الدموع مع الزغاريد، مع الآهات، الكل يريد ان يُلامس جسده الطاهر، ويحظى بشرف وداعه وإلقاء النظرة الاخيرة عليه. حملوه علي الاعناق
مهللين ومكبرين.
وبصوت خافت مُتهَدِجِِ حزين خرجت
آهة من قلب امه المكلومة لو وُزِعَتْ علي العالم لأهلكته ألَمَاََ، وهَمَّاََ.
ثم انهالت دموعها الغزيرة على خديها كسيل مُنْهَمِرِِ اخذ مساره
بين تجاعيد وجهها العميقة التي صنعها الزمن، ازدادت هذه التجاعيد
عمقا لحظة وصول موكبه وإشهار عُرسه.
أشارت إليه : ياابن قلبي وروحي. عاهدتني ان تعود سريعا فعُدتَ اسرع مما توقعت. اخترتُ لك عروسك،واختار الله لك حورية في الجنة.
مع السلامة يا أحمد .
التعليقات مغلقة.