لِمَ…بقلم مريم الراشدي
على هاتفها الذكي تراسله في كل يوم أكثر من خمسين مرة منها ما هو مكتوب وحين يجن جنونها، تلتجئ للشفاهي … ولا حياة لمن تنادي … كالحال منذ ما يزيد عن شهرين.
صار اليوم آخر زيارة لها لطبيب النساء وصارت حقيبة الصغيرة التي لم تر النور بعدُ جاهزةً في تلك المدينة الصغيرة في بلاد المهجر التي حطت فيها رحالها عقب زواجها ببضع شهور.
في سيارة الأجرة نحو المصحة، أعادت شريط ذكرياتها وكل حرف في قلبها موشوم بنار الندم.
لكم نصحتها أمها أن تبعد عن ذاك القليل الذوق والاحترام، لكم نصحتها صديقتها المقربة وكم فعل مثلهما كثيرون ممن كانوا يعرفونه حق المعرفة ٍ..
- أعشقه … لا أراني إلا معه ولن أتوانى عن العيش معه ولو في سرداب
- انتهي يا فاطمة، الأمور واضحة وضوح الشمس، لن يكون ذاك الذي تحلمين به. رجل ليل هو … سكير، مقامر وزير نساء … والله لولا أنك صديقة عمري وأكثر من أختي، ما أثنيتك عمّا أنت فيه من عمى وصمم …
- أمري محسوم وشيطاني مرجوم وقدري معه محتوم.
وأما كلمات أمها فسيل مرار في أذنيها. - يا ابنتي كفاك عنادا، لن تنولي منه إلا أياما غبراء … لن تسلم أيامك معه …
- يكفي أمي، سيتزوجني، سنرحل عنكم وعن هذه المدينة بأكملها …
- لم لا تسدين لنفسك معروفا وتعيدي التفكير … ألا تميّزين أنه هارب من ركائز القوامة … ألا تدركين حجم الخسائر التي ستتكبدينها بهذه العلاقة اللامتكافئة … ألا ؟؟
- كفاك أمي، لا حاجة لي بذلك. يكفيني أنني أعشقه. هو يحبني أيضا. قد لا يظهِر ذلك لكنني متأكدة أنه يفعل …
اشتاقت لصدر أمها … لحنوها … لكم تمنت أن تسمع زغرودتها عند استلام حفيدتها … أن يؤذن أبوها في أذن حفيدته … أن ترى بسمة أخيها الأصغر وهو يهنئها ويتفاخر بلقبه خال لأول مرة …
توالت الأيام في غياب قليل الذوق والأدب كما كانت تسميه أمها وتفاقم وضعها المالي والنفسي والجسدي … طرقت أبواب العديد من الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة والطفل كما اتجهت للقضاء وكان الهدف من كل هذا وذاك، التخفيفُ من حدة أعبائها الحياتية التي وجدت نفسها في دوامتها بسبب عنادها.
بين الفينة والفينة، كان يراودها أمل في أن يعود … لكن من غلبها، “تبا له، يجب أن يعود، ولى زمن العشق” كانت تقول في نفسها كلما اشتد عليها زمهرير الغربة …
بعيْد صلاة العصر من اليوم الأول من شهر رمضان الموالي، رائحة حساء أمها تتعالى بأرجاء الحي، لازالت المفاتيح هي هي، ابنتها في حمّالتها على صدرها، حقيبة يدها على الكتف الأيسر، حقيبة عودتها بيمينها … وصمت يسود على باب شقة أبويها …
مريم الراشدي
التعليقات مغلقة.