“مأساة رائد الصوفي” خاطرة بقلم/ ربيع دهام
ويشرح المدخِن في دفاعه عن التدخين:
ذاك رائد الصوفي. لم تلامس أصابع يده يوماً سيجارة، ولا عرفت شفتاه
بزَّ أركيلة. لكنه، وبينما كان يقود سيارته على جسر اللوزيّة، ارتبك حين رأى صخرةً وسط الطريق، ولمّا حاول بسرعةٍ تفاديها، عرج بسيارته نحو جهة اليمين، فاصطدمت بسيارةٍ أخرى.
إيههه. وماذا حصل؟!، يسأله بلهفةٍ الرجل الذي كان يشجعه على ترك التدخين.
التصقت السيارتان ببعضها بعضاً، استدارتا مرتين أو أكثر، ثم توقفتا.
وماذا حصل بعد ذلك؟ يسأله الغير مدخِّن.
فيكمل المُدخِّن:
في تلك الأثناء، سُمع زمّور شاحنة ينذرهما بالإبتعاد عن الطريق. ولمّا
لم تفلح مكابح الشاحنة بإيقافها فوراً، أكملت وجهتها، آخذة سيارة رائد الصوفي بطريقها.
يا لطيف!، صرخ الغير مدخِّن، وماذا جرى؟، يكمل استجوابه.
على أثر الصدمة، طار رائد الصوفي من شباك السيارة، إلى
ما فوق الجسر، ثم إلى ما تحته. وفيما كان هو، على ركام الإسمنت المهشّم،
يلفظ أنفاسه الأخيرة، والدم يسيل من حوله جداول، أصرّت سيارته الملهوفة على اللحاق به، فهوت عن حافة جسر اللوزيّة، وسقطت عليه هناك، تحت
ما تبقّى مِن “وراق الفي”.
يا إلهي! وماذا حصل بعدها؟، يصيح الغير مُدخِّن
وماذا سيحصل؟ مات رائد الصوفي.
يصمت الرجل الثاني لبرهةٍ. يصفن ويسأله:
وما علاقة موت رائد الصوفي هذا بالتدخين؟
ينتفض المدخِّن ويجيبه:
تقول ما العلاقة؟! لقد اتضج، أيهّا الفهيم العليم، أنّ الرجل الذي
كان في السيارة الثانية إنّما كان يدخِّن قبل وقوع الاصطدام.
وليس هذا فقط، بل اتضح أيضاً وأيضاً أنه كان من أكثر المدخّنين إدماناً.
لم يقتنع الرجل الثاني، فيكرّر جملته، لكن بطريقة أخرى:
وما علاقة طز بمرحبا؟
نعم؟!
أقصد ما علاقة موت هذا، وبقاء ذاك، بالتدخين؟
هنا، ينتصب مدمن التدخين على قدميه كالنمر، يسعل، ثم يلهث، ثم
يزرق وجهه، ثم يعود ويسعل، ثم يلهث، ثم يزداد ازقاق وجهه، ثم يجيبه
بالغضبِ الشديدِ:
رائد الصوفي لم يكن يدخّن ومات! أما الرجل الآخر، فقد كان يدخّن وعاش!
يسكت الثاني. فيكمل المدخِّن:
إذن كيف…كيف تدّعي، أيها الأحمق، أن التدخين، مضر بالصحّة؟
هنا يقف الرجل الثاني، وبكل أدبٍ وتهذيبٍ يعتذر ، ثم يستلّ من جيب
المدخِّن علبة سجائره, يسحب سيجارة منها، ويقدّمها له …
يشكره المدخِّن، ثم يسحب الولّاعة من جيب قميصه، يكبس زر الإشعال.
تِركككك…ترِكككك، ومن ثم ترِكككككك، ويشتعل وقود الولاعة،
فيشتعل طرف السيجارة، فيشتعل الثاني غضباً ويرحل.
ثم، وبنشوةِ الانتصار على خصمه اللدودِ،
يستأنف المدخِّن عمليّة حرق رئتيه وأنفاسه بدخان التبغ المحروق.
التعليقات مغلقة.