ماذا تعرف عن الإمبراطور هيلا سيلاسي
المهندس طارق بدراوي
الإمبراطور هيلا سيلاسي هو آخر إمبراطور لبلاد الحبشة أو أثيوبيا ويعني هذا الإسم باللغة الأمهرية قوة الثالوث أي الأب والأم والروح القدس وقبل أن يتسمي بهذا الإسم كان إسمه عند الولادة ﺗﺎﻓﺎﺭى ماكونن وكان دائما ما يسبقه كلمة راس بمعني الأمير وفيما بعد أضفى على إسمه لقب الأسد القاهر من سبط يهوذا المختار من الله ملك أثيوبيا وقد ولد هيلا سيلاسي في يوم 23 يوليو عام 1892م وقد تولي الحكم في عام 1928م بصفته ملكا وكان عمره حينذاك 36 عاما وفي يوم 2 أبريل عام 1930م تحول من ملك إلي إمبراطور وﻛﺎﻥ هيلا سيلاسي معروفا بتدينه وتمسكه بمسيحيته وكان ينتمي ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺍلأثيوبية ﺍﻷﺭﺛﻮﺫﻛﺴﻴﺔ ﻭهى ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺨﺼﻮﺻﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﻳﺔ وقد قيل في وصفه إنه كان معتدل القامة وعليه مهابة ووقار مع مسحة من اللطف والصلف والزهو تخالطهما رقة طيبة عندما يتحدث عن صديق أو عزيز لكنه كان يثور ثورة عارمة ولا يفكر في عواقبها إذا مس أحد عزته أو خدشت كرامته أو بلاده من قريب أو بعيد وقد إستهل هيلا سيلاسي حكمه بمحاولة تطوير الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية من نشر للتعليم وتحسين الوسائل الصحية وإلغاء للعبودية وإعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون كما عمل على وضع دستور للبلاد في عام 1931م نص على عدد من الإصلاحات وكان يعتبر أول قائد أفريقي عامله الرجال البيض بقدم المساواة ومن ثم سافر لإجتماع مع رؤساء الدول في قارة أوروبا وأثار إهتماما كبيرا من جانب وسائل الإعلام بسبب أزيائه الغريبة والملونة والثقة بالنفس في إستقلال بلاده وكانت مصر من الدول القليلة التى كان لها تمثيل دبلوماسي مع أثيوبيا في ذلك الوقت وكان الإمبراطور هيلا سيلاسي حريصا على أن يكون مطران أثيوبيا مصريا وعند تتويجه وكان ذلك في عهد الملك فؤاد الأول شارك فيه وفد مصرى مكون من ستة من المقربين من القصر الملكي كان علي رأسهم محمد توفيق نسيم باشا الذى كان رئيسا للديوان الملكي للملك فؤاد وتولي أيضا منصب رئيس الوزراء أكثر من مرة في عهده وبعد مدة قصيرة أهدى الملك فؤاد هدية إلى هيلا سيلاسي كانت مكونة من صالون كامل على الطراز العربي ونظرا للعلاقات القوية والطيبة مع مصر قام الإمبراطور هيلا سيلاسي بإرسال ولي عهده إلى القاهرة عام 1931م وكان عمره 16 عاما بمصاحبة كبار المسؤولين الأثيوبيين المقربين من الإمبراطور وتم إستقبالهم إستقبالا رسميا وتوجهوا جميعا من مصر لأداء الحج في مدينة القدس الشريف وعند عودتهم إستقلبهم الملك فؤاد بقصر عابدين ثم أقام البابا حفل إستقبال لهم على شرف ولي العهد وعلاوة علي ذلك فقد كان لوزارة المعارف المصرية حينذاك دورها في إيفاد المدرسين المصريين إلى المدارس الحكومية في أثيوبيا بناءا على طلب الإمبراطور هيلا سيلاسي كما إستقبلت مصر أبناء الأمراء والنبلاء الأثيوبيين للتعليم في المدارس والجامعات المصرية .
وكانت قد بدأت الأطماع الإيطالية في البحر الأحمر منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادى عندما أعلنت إيطاليا أن مفاتيح البحر المتوسط موجودة في البحر الأحمر مما أدى إلى تطلعها إلى السيطرة على أثيوبيا مع منتصف العشرينيات من القرن العشرين الماضي على الرغم من أن الدولتين كانتا عضوين في عصبة الأمم حيث كان الزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني قد فكر في عام 1925م في الإعتداء على أثيوبيا إلا أنه لم يتخذ القرار النهائي في هذا الشأن حتى شهر نوفمبر عام 1932م عندما كلف وزير المستعمرات إميليو دي بونو بإعداد خطة الحملة ضدها ومن ثم جرت تعبئة جهاز الدعاية الفاشي بهدف إعادة إهتمام البلاد بالقضايا الإستعمارية إستعدادا للتدخل العسكري في أثيوبيا وإنتهز الزعيم الإيطالي موسوليني الخلاف الفرنسي الإنجليزي حول مناطق النفوذ الذى كان محتدما بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى منذ بداية حقبة العشرينيات وتمكن من إقناع فرنسا بالموافقة على سيطرته على أثيوبيا وكذلك عدم ممانعة المانيا لمثل هذا العمل وإفتعل موسوليني في شهر أكتوبر عام 1935م حادثاً حدوديا بين الصومال الذي كانت تسيطر عليه إيطاليا وبين أثيوبيا وبدلا من الإحتكام إلى عصبة الأمم جردت إيطاليا حملة عسكرية ضد الأحباش وقاد الإمبراطور هيلا سيلاسي جيشه بنفسه للدفاع عن أثيوبيا وإستمرت هذه الحرب حتي شهر فبراير عام 1937م لكنه هزم أمام العدو المتفوق مما أدى إلى فراره إلى الصومال الفرنسي وهي جيبوتي حاليا ومنها إلى القدس التي كانت تحت الإنتداب البريطاني هو وعائلته ثم ذهب بعد ذلك إلى مستعمرة جبل طارق الإنجليزية وبعدها وصل إلى إنجلترا عن طريق عبارة بريطانية ومن منفاه في إنجلترا تولي هيلا سيلاسي مهمة تدويل القضية الأثيوبية وكان دائم الحديث عن إستقلال بلاده في المحافل الدولية ومنها إنتقاده إستخدام إيطاليا للسلاح الكيماوي ضد العسكريين والمدنيين الأحباش حيث كانت الطائرات الإيطالية تقصفهم بغاز الخردل المحرم دوليا أمام منظمة عصبة الأمم عام 1936م وطالب بتحرك دولي ضد الدوتشي الإيطالي بينيتو موسوليني وإستصرخ وناشد عصبة الأمم وطلب مساعدتها بعد أن فتكت الأسلحة الحربية لدولة أوروبية من الدرجة الأولى بجيشه وبلاده ووقتها أعلنت عصبة الأمم أن إيطاليا دولة معتدية وقررت فرض عقوبات عليها في شهر مارس عام 1936م لكن الإيطاليين ضربوا عرض الحائط بهذا القرار وأعلنوا ضم أثيوبيا في يوم 7 من شهر مايو عام 1936م وأصبح فيكتور عمانويل الثالث ملك إيطاليا إمبراطورا عليها مما دعا عصبة الأمم إلى الإقرار بعجزها وقررت رفع العقوبات التي فرضت على إيطاليا في منتصف عام 1937م وفي فترة الإحتلال الإيطالي لأثيوبيا تسلط المارشال رودلفو جراتسياني المعروف بعنفه وقسوته على الأحباش وإستبد بهم وأذلهم وخاصة بعد إخفاق محاولة إغتياله التي وقعت في يوم 19 فبراير عام 1937م ومن ثم صب جام غضبه على سكان العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وقتل الآلاف منهم وأحرق الكنائس وأعدم عددا من القساوسة حتي أطلق عليه لقب جزار أثيوبيا لكن بعد توالي الهزائم علي إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وبدعم من إنجلترا تمكن الإمبراطور هيلا سيلاسي من العودة إلى وطنه في عام 1941م وإثارة مواطنيه ضد العدو وذلك بعد دخوله العاصمة أديس أبابا وإسترجاع عرشه وكانت أثيوبيا بذلك هي الدولة الوحيدة في قارة أفريقيا التي تم إحتلالها لفترة زمنية قصيرة حيث لم تدم فترة إحتلالها أكثر من 5 سنوات وكانت هذه التجرية الأثيوبية رمزا للإستقلال الأفريقي في الحقبة الإستعمارية البغيضة .
وبعد عودة هيلا سيلاسي إلي عرشه رأى أن يستغل الظروف الدولية لجمع أسلاب إيطاليا في أفريقيا ومن ثم سعي إلي ضم أريتريا والصومال لأهميتهما بالنسبة للأحباش إلى مملكته التوسعية وساعدته على ذلك بريطانيا والولايات المتحدة ففي أريتريا إتصل ببعض رجال الكنيسة لإستمالتهم إليه وقامت المخابرات البريطانية بإثارة العدوان والنعرات الدينية والقبلية وفي النهاية حظي بموافقة هيئة الأمم المتحدة بإقامة إتحاد بين أرتيريا وأثيوبيا ولكن علي أن تكون أريتريا إقليم حكم ذاتي ولها برلمان خاص بها ووقع مرسوم الإتحاد عام 1952م لكن ما لبث هيلا سيلاسي بعد ذلك أن أعلن عن ضم أرتيريا لأثيوبيا أما الصومال فقد قامت بريطانيا تحت ضغط من حلفائها في الحرب العالمية الثانية بإعطاء منطقة الحوض، وهي أحد مناطق الرعي الصومالية الهامة وكانت محمية بموجب إتفاقيات وقعتها بريطانيا مع الجانب الصومالي خلال عام 1884م وعام 1886م بالإضافة إلي إقليم أوجادين الذي تقطنه أغلبية صومالية إلى إثيوبيا وذلك بموجب إتفاقيات أخرى وقعتها الإمبراطورية البريطانية عام 1897م تقضي بمنح المقاطعات الصومالية إلى الإمبراطور الأثيوبي مينليك الثاني وذلك نظير مساعدته للقوات البريطانية على القضاء على مقاومة العشائر الصومالية في بداية الحرب العالمية الأولى وعلي الرغم من إضافة بريطانيا لشروط تقضي بمنح القبائل الرعوية الصومالية المقيمة في المناطق الممنوحة للسلطات الأثيوبية الحكم الذاتي إلا أن أثيوبيا سرعان ما أعلنت سيطرتها على تلك القبائل وفي محاولة منها لتدارك الموقف عرضت بريطانيا على أثيوبيا في عام 1956م شراء الأراضي التي كانت قد منحتها إليها سابقا إلا أن العرض البريطاني قوبل بالرفض شكلا وموضوعا من جانب السلطات الأثيوبية وفي عام 1960م قامت ثورة أرتيرية معارضة تبعتها ثورة اثيوبية ومحاولة إنقلاب علي يد بعض القادة العسكريين والمعارضين لحكم الإمبراطور هيلا سيلاسي في يوم 13 ديسمبر عام 1960م فيما كان يقوم بزيارة إلى دولة البرازيل بأمريكا الجنوبية مما دعاه إلى العودة سريعا للسيطرة علي الموقف وإستعادة عرشه وبالفعل تمكن من ذلك في خلال عدة أيام قليلة وحرص بعد ذلك علي المشاركة في عدد من المؤتمرات الأفريقية التي أخذت تدعو إلى الوحدة والتعاون بين أقطار أفريقيا كمؤتمر مونروفيا في ليبيريا عام 1961م ومؤتمر لاجوس بنيجيريا عام 1962م وشارك فيهما الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر والذي إنبثق عنه مشروع لتأسيس منظمة للدول الأفريقية والتي بدأت إرهاصاتها الأولى في اللقاء بين أحمد سيكوتوري رئيس جمهورية غينيا وهيلا سيلاسي في عام 1962م والذى ترتب عليه عقد مؤتمر أديس أبابا في شهر مايو عام 1962م الذي حضره ممثلون من ثلاثين دولة أفريقية والذى ألقي خلاله الإمبراطور هيلا سيلاسي خطاب الإفتتاح والذى جاء فيه لا يمكن أن ينفض هذا المؤتمر دون تبني ميثاق أفريقي موحد ولا يمكن أن نغادر القاعة من دون إنشاء منظمة أفريقية واحدة فإذا ما أخفقنا فسوف نكون قد تخلينا عن مسؤولياتنا تجاه قارتنا أفريقيا وشعوبها أما إذا نجحنا فهنا وهنا فقط سوف نكون قد بررنا وجودنا وبعد مناقشات وإقتراحات من رؤساء الوفود تم التوقيع في يوم 28 مايو عام 1963م على ميثاق منظمة الوحدة الافريقية وأصبح الإمبراطور هيلا سيلاسي هو الأمين العام لها ما بين عام 1963م وعام 1964م وتم إختيار الحكومة الأثيوبية لتكون هي الجهة التي تودع لديها وثائق التصديق على الميثاق ومهمة تسجيل الميثاق لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة كما إختيرت العاصمة الأثيوبية أديس أبابا مركزا لمنظمة الوحدة الأفريقية التي تحولت فيما بعد إلى الإتحاد الأفريقي وقد تم الإتفاق على أن تكون عضوية هذه المنظمة مفتوحة للدول الأفريقية المستقلة ذات السيادة بما في ذلك الجزر الأفريقية شريطة أن تؤمن هذه الدول بمبادئ المنظمة المتمثلة في سياسة عدم الإنحياز وعدم ممارسة التفرقة العنصرية وفي حالة إنضمام عضو جديد يتقرر قبوله بالأغلبية المطلقة للدول الأعضاء ويسمح لكل عضو بالإنسحاب من المنظمة بطلب إنسحاب خطي ويصبح الإنسحاب نافذاً بعد مضي عام علي الطلب . وفي عام 1965م كان الإمبراطور هيلا سيلاسي من المؤسسين لمنظمة دول عدم الإنحياز مع الرئيس المصرى حينذاك جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز نيتو ورئيس مجلس وزراء الهند جواهر لال نهرو كما تم دعوته لحضور حفل وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية بالعباسية في مصر في يوم 24 يوليو عام 1965م خلال إحتفالات العيد الثالث عشر للثورة وإستقبله الرئيس عبد الناصر إستقبالا رسميا وأقيم له وقتها إستقبال شعبى أيضا وتم تكريمه من جانب الحكومة المصرية حينذاك وعلاوة علي ذلك فقد كان له دور كبير في الوساطات بين الدول الأفريقية التي كانت تقوم بينها نزاعات كان منها نجاح الوساطة التي قام بها بين المغرب والجزائر بخصوص حرب الرمال وهي الحرب التي إندلعت بين دولتي المغرب والجزائر في شهر أكتوبر من عام 1963م بسبب مشاكل حدودية نشبت بين البلدين بعد مرور حوالي عام تقريبا من إستقلال الجزائر وكان السبب الرئيسي فيها عدم وجود إتفاقية ترسيم للحدود بين البلدين بدقة بسبب الإستعمار الفرنسي لكلا البلدين فقبل أن تقوم فرنسا بإحتلال المنطقة بداية من القرن التاسع عشر الميلادى لم يكن هناك أي رسم للحدود مقنن بدقة بإتفاقية بينهما وكانت الإتفاقية الوحيدة التي تم توقيعها بمدينة مغنية الجزائرية في عام 1845م بين المغرب وفرنسا التي كانت تحتل الجزائر حينذاك التي تثبت الحدود بين الجزائر والمغرب تنص على منطقة جافة بدون منابع مائية وغير مأهولة وبالتالي فإن تحديد الحدود بين البلدين مبهم وبدأ الأمر بعدة مناوشات على الحدود بين البلدين إستمرت عدة شهور ثم إندلعت الحرب المفتوحة في ضواحي منطقة تندوف وحاسي بيضة الحدوديتين بالجزائر ثم إنتشرت إلى منطقة فكيك الحدودية المغربية وإستمرت لأيام معدودة وقد توقفت المعارك في يوم 5 نوفمبر عام 1963م حيث إنتهت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية والتي قامت بإرساء إتفاقية لوقف نهائي لإطلاق النار تم توقيعها في يوم 20 فبراير عام 1964م في مدينة باماكو عاصمة دولة مالي والتي وضعت حدا لحرب الرمال التي كانت قائمة بين البلدين ولكنها خلفت توترا مزمنا في العلاقات المغربية الجزائرية مازالت آثاره موجودة حتي الآن .
وتاريحيا فإنه مابين عام 1956م وعام 1964م في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي أجرت أثيوبيا العديد من الدراسات وتم تحديد الموقع النهائي لسد تعتزم أثيوبيا علي إقامته علي النيل الأزرق قرب الحدود الأثيوبية السودانية بواسطة مكتب الولايات المتحدة للإستصلاح وهو إحدى إدارات الخارجية الأمريكية خلال عملية مسح للنيل الأزرق أجريت في ذلك الوقت وكان الغرض من هذا المشروع في الأساس توليد طاقة كهربائية يتم إستغلالها في تشغيل وإدارة المصانع وإنارة القرى والمدن الأثيوبية المحرومة من الكهرباء وكان هذا المشروع قد توارى حينذاك لأسباب عديدة منها التمويل والظروف السياسية السائدة في القارة الأفريقية ولكن مؤخرا وما بين شهر أكتوبر عام 2009م وشهر أغسطس عام 2010م قامت الحكومة الأثيوبية بعملية مسح للموقع المقترح لإنشاء هذا السد وفي يوم 10 مايو عام 2010م إجتمع ممثلو عدد 5 دول من دول حوض النيل العشرة وهي أثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا بمدينة عنتيبي الأوغندية وتم التوقيع علي إتفاقية سميت بإتفاقية عنتيبي أو الإتفاقية الإطارية لدول مبادرة حوض النيل والتى لاقت رفضاً من دولتي المصب مصر والسودان لأنه ينهى الحصص التاريخية للدولتين وقدرها 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان وذلك دون الرجوع إلى مصر كما تنص إتفاقية أديس أبابا بين بريطانيا وأثيوبيا الموقعة في يوم 15 مايو عام 1902م والتي وقعنها بريطانيا بالنيابة عن السودان والتي من أهم بنودها المادة الثالثة التي تنص على إن الإمبراطور الأثيوبي منيليك الثاني يعد بألا يبني أو يسمح ببناء أي أعمال على النيل الأزرق وبحيرة تانا أو نهر السوباط إلا أن اثيوبيا قد أعلنت مؤخرا أن هذه الإتفاقية ليست لها قوة إلزامية بالنسبة لها لأنه لم يتم قط التصديق عليها من جانب ما كان يسمى مجلس العرش الأثيوبي ولا من جانب البرلمان البريطاني كما يذهب البعض إلى أن الوضع قد إختلف كثيرا بشكل يجعل من الصعب الإلتزام بالمادة المذكورة كما أعلنت أثيوبيا مؤخرا أيضا عدم إعترافها ببنود إتفاقية عام 1929م بين مصر وبين دول حوض النيل الإستوائية وهي أوغندا وتنزانيا وكينيا والتي تنص علي عدم إنشاء أى مشاريع علي نهر النيل دون الرجوع إلي مصر وأخذ موافقتها وأنها غير ملزمة لها ولا حتي للدول التي شاركت فيها حيث أنها كانت وقت توقيعها تحت الإحتلال البريطاني وأن بريطانيا هي من وقعت هذه الإتفاقية مع مصر نيابة عنها وفي شهر نوفمبر عام 2010م تم الإنتهاء من تصميم السد وفي يوم 31 مارس عام 2011م وبعد يوم واحد من الإعلان عن المشروع تم منح عقد قيمته 4.8 مليار دولار دون تقديم عطاءات تنافسية لإحدى الشركات الإيطالية وفي يوم 2 أبريل عام 2011م وضع رئيس مجلس وزراء أثيوبيا السابق ميليس زيناوي حجر الأساس للسد في موقع علي النيل الأزرق يبعد عن الحدود الأثيوبية السودانية حوالي 20 كيلو متر وتم تسميته سد النهضة ومنذ ذلك الوقت وحتي يومنا هذا لا تزال مشكلة هذا السد والذى أوشك بناؤه علي الإنتهاء قائمة بين دولة أثيوبيا من جانب ودولتي مصر والسودان من جانب آخر حيث أنه بتشغيله سوف يتم حرمانهما من جزء كبير من حصتهما من مياه النيل وقد أعلن مؤخرا بأنه بنهاية شهر فبراير عام 2020م سوف يتم توقيع الاتفاق النهائي بين الدول الثلاث بخصوص هذه المشكلة برعاية كل من الولايات المتحدة والبنك الدولي .
وعن السياسة الداخلية للإمبراطور هيلا سيلاسي فبعد محاولة الإنقلاب الفاشلة عليه في عام 1960 قام بقمع الحركات الشيوعية في البلاد وأيضا المظاهرات الطلابية وإعتبره البعض ديكتاتورا وأنه كان حريصا على وضع دستور للبلاد من شأنه تركيز الحكم في يديه ويدي سلالته كما كان ضمه لأريتريا عام 1962م قد تسبب في ترسيخ حالة حقد وكراهية لهيلا سيلاسي وظل الأريتريون يصارعون من أجل الإستقلال حتى نالوه عام 1993م بعد زوال حكمه وفى مطلع السبعينيات من القرن العشرين الماضي كانت الأمور في أثيوبيا قد بلغت درجة كبيرة من السوء حيث عاشت مناطق عديدة من البلاد في حالة مجاعة أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا فيما بين عام 1972م وعام 1974م وفى هذا الوقت إتهم هيلا سيلاسي بإنفاق مبالغ مالية طائلة قدرتها بعض المصادر بنحو 35 مليون دولار للإحتفال بعيد ميلاده الثمانين ونشرت له صور وهو يقدم الأطعمة لكلابه وبدأ إقتصاد البلاد يتدهور حيث إرتفعت نسبة التضخم وتزايدت أسعار المحروقات بشكل غير مسبوق كما بلغت نسبة البطالة أرقاما قياسية وفي شهر فبراير عام 1974م بدأت في أثيوبيا موجة من الإحتجاجات خلفت عددا من القتلى والجرحي وفشل هيلا سيلاسي حينها في تخفيف حدة التوتر على الرغم من إقراره لجملة من الإصلاحات وإنطلقت من أسمرة العاصمة الأريترية الحالية حركات للجيش ورضخ على إثرها الإمبراطور الأثيوبي هيلا سيلاسي لمطالبها فوافق على زيادة أجور ضباط الجيش وعين رئيس حكومة جديد إلا أن الأمر إنتهى بقيام إنقلاب بقيادة العسكري الأثيوبي الأريتري المولد أمان عندوم وفي يوم 12 سبتمبر عام 1974م تم عزل الإمبراطور هيلا سيلاسي ووضعه تحت الإقامة الجبرية كما قام الجيش الأثيوبي بإعتقال وإعدام العديد من أقاربه ومستشاريه وطالب الإنقلابيون ولي العهد بتولي العرش وتتويجه إمبراطورا علي أثيوبيا لكنه رفض وبعدها أعلن الإنقلابيون إلغاء النظام الملكي وبدأ حكم الجنرال منجستو هيلا مريام لتبدأ البلاد بإعتماد نظام شيوعي حليف لدولة الإتحاد السوفيتي وبعد حوالي عام توفى هيلا سيلاسي في يوم 28 أغسطس عام 1975م في ظروف غامضة وأعلن التليفزيون الرسمي عن وفاته إثر إصابته بفشل في الجهاز التنفسي عقب حدوث متاعب صحية في البروستاتا تبعتها عملية جراحية وقد نفى طبيبه الشخصي حدوث مضاعفات عقب العملية ولذا فقد إعتقد بعض الموالين لنظامه أن الإمبراطور قد تم إغتياله وعلق أحد المراسلين الغربيين في أثيوبيا في ذلك الوقت قائلا على الرغم من أنه من غير المعروف ما حدث بالفعل إلا أن هناك مؤشرات قوية على عدم بذل أي جهود لإنقاذه ومن غير المرجح أن يكون قد قُتل بالفعل .
ومن المؤكد أن مثل هذه الشائعات تعد أمرا متوقعا وطبيعيا في ظل أجواء الشك وعدم الثقة السائدة في أديس أبابا في ذلك الوقت وتم دفن هيلا سيلاسي في حمامات القصر الإمبراطوري وبعد ذلك تم العثور على رفاته أسفل أحد مراحيض القصر في عام 1992م وحفظت بكنيسة بآتا مريم ويعتقد أنه قد حدثت مذبحة للعائلة المالكة لأن العثور على رفات إمبراطور سابق في هذا المكان يدل على أن هناك جريمة ما لم يتم التحقيق فيها وبعد مرور 25 عاما على وفاة الإمبراطور الأثيوبى أي في عام 2000م أُقيمت له جنازة على الطراز الإمبراطوري في أديس أبابا وبدأ موكب الجنازة الحزين فجرا من كنيسة بآتا مريم التي كانت رفاته محفوظة بها وسار لمسافة عشرة كيلو مترات إلى كاتدرائية الثالوث المقدس مارا بميدان ميسكال وسط العاصمة أديس أبابا وتمت مراسم الدفن في كاتدرائية الثالوث المقدس وإرتدى القساوسة ثيابهم الفارهة بينما إصطف قدامى المحاربين داخل الكاتدرائية وقد إرتدوا قبعات تزينها شعور الأسود وحضر المراسم آلاف المشيعين ورفضت الحكومة منح الجنازة الصفة الرسمية وإعتبرت أن الجنازة شأن عائلي وليس حكوميا وإتهمت الإمبراطور الذي حرر أثيوبيا من الإحتلال الإيطالى بالظلم والقسوة وأخيرا تم دفنه بجوار بقية أفراد عائلته في كاتدرائية الثالوث المقدس وقد حضر مراسم هذه الجنازة عدد من أفراد العائلة المالكة السابقة وأشاد بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية أمام القداس بهيلا سيلاسي منوها بجهوده من أجل أثيوبيا وكنيستها وأفريقيا والعالم أجمع وقال أحد القساوسة الذين حضروا القداس إن الذين قتلوه وألقوا جثته في مقبرة مجهولة لم ينجحوا في تشويه صورته وفي شهر فبراير عام 2019م تم رفع الستار عن تمثال لهيلا سيلاسي خارج مقر الإتحاد الأفريقي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا شارك فيها الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي وقادة أفريقيا بإعتباره من الشخصيات الأفريقية المؤثرة في القرن العشرين الماضي وإعترافا بدوره في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عندما تم عقد أول إجتماع لها في أديس أبابا في شهر مايو عام 1963م وقال هيلا سيلاسي والذي قضى عاما في إعداد عاصمته لأول إجتماع للمنظمة أمام الوفود المحتشدة حينئذ أرجو أن يدوم هذا الإتحاد ألف عام وكما ذكرنا في السطور السابقة فقد تحولت منظمة الوحدة الأفريقية عام 2002م لتصبح الإتحاد الأفريقي .
وفي نهاية مقالنا هذا لا يفوتنا أن نذكر أنه قد كانت هناك نبوءة قبل تولى هيلا سيلاسي العرش أثرت كثيرا فيما بعد في شعبيته وفي مسار حياته إذ أن أحد النشطاء في حقوق السود في جامايكا وهي جزيرة في البحر الكاريبي تقع جنوبي دولة كوبا يدعى ماركوس جارفي قال لأتباعه في عام 1920م إن عليهم التطلع لأفريقيا عندما يتوج بها ملك أسود حيث يصير يوم الخلاص في متناول اليد وعندما توج إمبراطورا رجل يدعى راس تافاري في أثيوبيا إعتبر الكثيرون ذلك علامة على صدق النبوءة وتسمي بعد ذلك راس تافاري بهيلا سيلاسي وعلى بعد 8 آلاف ميل وتحديدا في جامايكا صار الإله مجسدا وصارت أثيوبيا أرض الميعاد وهنا ولدت حركة الراستفاريين نسبة إلي الإسم الأصلي لهيلا سيلاسي وهو تافارى واللقب الذى كان يسبقه وهو كلمة راس والتي تعني الأمير وطوال 46 عاما لم يلتق الإمبراطور هيلا سيلاسى بأى من قيادات هذه الحركة ولكنه عندما زار جامايكا عام 1966م وقف يحيى الآلاف الذين كانوا يتحرقون شوقا لتلقي نظرة من إلههم وكان من بين المؤمنين بذلك ريتا مارلي زوجة المغني الشاب بوب مارلي الذي كان يقوم بجولة في الولايات المتحدة الأميريكية حينئذ وقالت ريتا لاحقا إنه عندما لوح لها هيلا سيلاسي شاهدت آثار المسامير في كفه مشيرة إلى أن مشاعرها الدينية تأججت في تلك اللحظة ولدى عودة زوجها دخلا في طائفة الراستفاريين وبعد ذلك بثلاث سنوات بدأ الرستفاريون في الإنتقال إلي أثيوبيا حيث منحهم إمبراطورها قطعة أرض وقد وصل عددهم لاحقا إلى 300 شخص وكان من الغريب أن جارفي صاحب النبوءة التي تسببت في ظهور هذه الطائفة لم يؤمن أبدا بهيلا سيلاسي بل كان منتقدا ومعارضا له وما يزال أتباع طائفة الراستفاريين حتي وقتنا الحاضر والتي يبلغ تعدادها حاليا نحو مليون نسمة يؤمنون بأن هيلا سيلاسي إله وأنه لم يمت ولا يزال حيا وبصحة جيدة أو أن جسده قد صعد إلى السماء هذا وترتبط جدائل الشعر إرتباطاً وثيقاً بالراستفارية وأتباعها وذلك لإبراز الفرق بين الشعر الأفريقي المجعد والشعر الأبيض الناعم وأهم الألوان عند الراستفاريين هي الأسود والأحمر والذهبي والأخضر وكل لون من هذه الألوان له معناه الخاص ودلالته حيث الألوان الأحمر والأخضر والذهبي هي ألوان العلم الأثيوبي والأسود يمثل أفريقيا لأنها الوطن الأم بالنسبة لهم والأحمر هو لون الدم والشهداء والذهبي يرمز إلى لون الثروة الأفريقية والأخضر هو لون الأرض والطبيعة كما يعبر لفظ صهيون عند الراستفاريين عن المدينة الفاضلة التي يوجد فيها مكان أثيوبي مثالي لا يوجد به شرور وهذا اللفظ منتشر على أنه نقيض للفظ بابل حيث تجسد بابل الحضارة الغربية المستبدة والمكان الفاسد الذي تعمه الشرور .
التعليقات مغلقة.