ماذا تعرف عن الصحابي حاطب بن أبي بلتعه… محمد الدكرورى
ماذا تعرف عن الصحابى حاطب بن أبى بلتعه
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
حاطب بن أبي بلتعة عمرو بن عمير بن سلمة رضي الله عنه وأرضاه ، وهو صحابي جليل وُلد في السنة الخامسة والثلاثين قبل الهجرة، وقد دخل في قريش بحلفه مع بني أسد ، وأسلم حاطب وهاجر إلى يثرب مع سعد بن خولي مولى حاطب، فنزلا على المنذر بن محمد بن عقبة ، وآخى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، بينه وبين رخيلة بن خالد.
وكان حاطب بن أبي بلتعة من كبار المهاجرين وقد شهد غزوة بدر وكان من الرماة الماهرين وكذلك كان من تجار الطعام ، أرسله رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى المقوقس لدعوته إلى رسالة الإسلام وذلك بعد عودة النبيِّ من الحديبية من السنة السادسة للهجرة لكن المقوقس بقي على دينه .
وكان حاطب بن أبى بلتعه ، رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ، صاحب مصر ، وكان تاجرا في الطعام ، له عبيد ، وكان من الرماة الموصوفين ، وكان حسن الجسم ، خفيف اللحية ، أجنى إلى القصر ما هو ، شثن الأصابع ، أى “غليظ الأصابع ” وعن أنس ، سمع حاطبا يقول : إنه اطلع على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأحد ، قال : وفي يد علي الترس ، والنبي صلى الله عليه وسلم يغسل وجهه من الماء ، فقال حاطب : من فعل هذا ؟
قال : عتبة بن أبي وقاص ، هشم وجهي ، ودق رباعيتي بحجر ، فقلت : إني سمعت صائحا على الجبل : قتل محمد ، فأتيت إليك ، وكأن قد ذهبت روحي ، فأين توجه عتبة ؟ فأشار إلى حيث توجه ، فمضيت حتى ظفرت به ، فضربته بالسيف ، فطرحت رأسه ، فنزلت فأخذت رأسه وسلبه وفرسه ، وجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلم ذلك إلي ، ودعا لي ، فقال : ” رضي الله عنك ” ، مرتين .
وعن جابر : أن عبدا لحاطب شكا حاطبا فقال : يا نبي الله ، ليدخلن النار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كذبت ، لا يدخلها أبدا وقد شهد بدرا والحديبية ” وعندما نقضت قريش الصلحَ الذي أبرمته مع النبيّ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الحديبية : عزم النبي صلّى الله عليه وسلم ، على معاقبتها، وأمر أصحابه بالتجهز للغزو، وأخفى وجهته، حتى يفاجئ قريشا، فيتحقق له النصر بأقل الخسائر، ودعا الله تعالى قائلا: ” اللهمَّ عمِّ عَليهم خَبَرَنا حتى نأخُذَهم بغتةً ” .
وفي هذه الأثناء قدمت إلى المدينة امرأة مشركة من قريش اسمها سارة، وكانت مولاة لرجل من بني هاشم، تطلب المساعدة إثر حاجة شديدة ألمّت بها، فحثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقاربه على إعطائها، فأعطوها مالًا وثيابا وجملًا تركبه، فخرجت عائدة إلى مكة ، عندئذ اغتنم حاطب رضي الله عنه ، عودتها وحمّلها رسالة إلى أهل مكة مقابل مبلغ من المال دفعه لها .
وكتب في الرسالة يخبر قريشا بعزم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، على الغزو، وأن وجهته قد تكون مكّة ، والذي دفع حاطبًا رضي الله عنه ، لفعل ذلك أنه لم يكن قُرشيًا، وإنما كان حليفًا لقريش، وكان له أهلٌ وأموالٌ في مكّة، فأراد بهذا العمل أن يصنع معروفًا لقريش، فيكافؤوه عليه بحماية أقاربه وأمواله حين يغزوهم المسلمون ، ولكنّ الله تعالى أخبر نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم ، بما قام به حاطب، فأرسل عددًا من فرسان أصحابة يأتوه بالرسالة قبل أن تصل لقريش.
وعن عبد الرحمن بن حاطب : أن أباه كتب إلى كفار قريش كتابا ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير ، فقال : انطلقا حتى تدركا امرأة معها كتاب فائتياني به ، فلقياها ، وطلبا الكتاب ، وأخبراها أنهما غير منصرفين حتى ينزعا كل ثوب عليها . قالت : ألستما مسلمين ؟ قالا : بلى ، ولكن رسول الله حدثنا أن معك كتابا ، فحلته من رأسها .
وهذا الموقف لحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه ، يوم فتح مكه ، والذي أرسل رسالة إلى مشركي مكة يُخبرهم فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهَّز جيشًا لفتحها، مخالفًا بذلك أوامر القائد الأعلى للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومُعرِّضًا جيش المسلمين لخطر عظيم! كيف يكون ردُّ الفعل المناسب في أية دولة في العالم؟! إن القتل هنا عقاب مقبول جدًّا مهما كانت ملابسات الحدث .
وما رأينا بعض الصحابة يقترحه، ولكن ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنه بعد أن أمسك بالخطاب الخطير، وعلم ما فيه أرسل إلى حاطب رضي الله عنه، وسأله في هدوء: ” يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟ “، قَالَ حَاطِبُ: “يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ .
فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ”، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” لَقَدْ صَدَقَكُمْ ” فقَالَ عُمَرُ: ”يَا رَسُولَ اللهِ؛ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ”، قَالَ: ” إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؛ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شئتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ”
إن المبرر الذي ذكره حاطب قد لا يقبله الكثيرون، بل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكلنا يعلم ورعه وفطنته وعدله لم يقبله، ورأى أن يُقتَل بهذا الجُرم، فكيف يسوغ أن يحاول حماية أهله على حساب جيش كامل، ثم كيف يعصي أمرًا مباشرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ومع كل هذا إلاَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمه رحمة واسعة، وقَبِلَ منه عذره في صفح عجيب، وعفو نادر، وقدَّر موقفه، وعذره، ولم يُوَجِّه له كلمة لوم أو عتاب، بل إنه رفع من قدره، وعظَّم مكانته .
وقال لعمر وعمر يعلم ذلك: ” إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؛ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شئتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ” إن العدل شيءٌ، والرحمة شيء آخر ، وإن العدل قد يقتضي أن يُعَاقَب حاطب بن أبي بلتعة بصورة أو بأخرى، ولكنَّ الرحمة تقتضي النظر إلى الأمر بصورة أشمل، فنرى مَن الذي فعل الفعل، وما تاريخه، وما سوابقه المماثلة، وما أعماله السالفة، وهل هو من أهل الخير أم من أهل الشرِّ، وما الملابسات والخلفيات لهذا الحدث.
إن العلاج العاقل يقتضي كظم الغيظ، والتدبر في روية وهدوء ، وإن الرحمة تقتضي عدم الانسياق وراء عاطفة العقاب، وتلتزم بالبحث الحثيث عن وسيلة تُخرج صاحب الأزمة من أزمته ، والعدل درجة عظيمة ، ولكن الرحمة أعظم ، الفرق بين الأثنين تلحظه في قول الله تعالى ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ) سورة فاطر .
وتوفي حاطب في عام 30 هجري في المدينة المنورة، وكان عمره عندما توفي 65 سنة، وقد صلى عليه عثمان بن عفان رضى الله عنه، وقد ترك لبنيه عند وفاته 4000 درهماً وديناراً وداراً.
التعليقات مغلقة.