ماذا تعرف عن جيرالد فورد
بقلم المهندس طارق بدراوي
جيرالد رودولف فورد والذى كان إسمه عند الولادة ليزلي لينش كينج هو سياسي أميريكي شغل منصب الرئيس الثامن والثلاثين للولايات المتحدة الأميريكية من شهر أغسطس عام 1974م حتي يوم 20 يناير عام 1977م وقد تولي منصب رئيس الولايات المتحدة عقب إستقالة الرئيس ريتشارد نيكسون ليكون أول رئيس لها يتولي منصبه دون أن يتم إنتخابه كرئيس أو كنائب للرئيس وهو الأمر الذى يحدث أحيانا عند خلو أي من المنصبين أثناء مدة رئيس منتخب كما كان هو أول من يشغل منصب الرئيس بعد خلو المنصب بسبب إستقالة الرئيس السابق وإن كان أمر تولي نائب للرئيس منصب الرئيس قد تكرر في السابق ولكن كان دائما ما يكون السبب وفاة الرئيس المنتخب أثناء مدة ولايته وقد حدث هذا لأول مرة عندما توفي الرئيس التاسع للولايات المتحدة وليم هنرى ويلسون بعد شهر واحد من إنتخابه في يوم 4 أبريل عام 1841م وتولي نائبه جون تايلر منصب الرئيس خلفا له وكانت ثاني مرة بعد أن توفي الرئيس الثاني عشر للولايات المتحدة زكارى تايلور يوم 9 يوليو عام 1850م بعد سنة وأربعة شهور من إنتخابه وتولي نائبه ميلارد فيلمور منصب الرئيس خلفا له وكانت المرة الثالثة عندما إغتيل الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة إبراهام لنكولن يوم 15 أبريل عام 1865م بعد حوالي 40 يوم من إنتخابه لفترة ثانية وتولي نائبه أندرو جونسون منصب الرئيس خلفا له وكانت المرة الرابعة عندما توفي الرئيس العشرين للولايات المتحدة جيمس جارفيلد في يوم 19 سبتمبر عام 1881م بعد إنتخابه بحوالي 6 شهور ونصف الشهر متأثرا بجراحه بعد أن أصيب في محاولة لإغتياله وقعت في يوم 2 من شهر يوليو عام 1881م وتولي نائبه تشيستر آرثر المنصب خلفا له وكانت المرة الخامسة عندما توفي الرئيس الخامس والعشرين للولايات المتحدة وليم ماكينلي متأثرا بجراحه يوم 14 سبتمبر عام 1901م بعد حوالي ستة شهور من إنتخابه للمرة الثانية بعد أن تعرض لمحاولة إغتيال وقعت في يوم 6 سبتمبر عام 1901م وتولي نائبه تيودور روزفلت المنصب خلفا له وكانت المرة السادسة عندما توفي الرئيس التاسع والعشرين للولايات المتحدة وارن جي هاردنج يوم 2 أغسطس عام 1923م بعد سنتين وخمسة شهور من إنتخابه وتولي نائبه كافين كولدج منصب الرئيس خلفا له وكانت المرة السابعة عندما توفي الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة فرانكلين روزفلت يوم 12 أبريل عام 1945م بعد 82 يوم فقط من الولاية الرابعة له وتولي نائبه هارى ترومان منصب الرئيس خلفا له وأخيرا كانت المرة الثامنة عندما إغتيل الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة جون كيندى في يوم 22 نوفمبر عام 1963م بعد مرور سنتين وعشر شهور علي ولايته الأولي وتولي نائبه ليندون جونسون منصب الرئيس خلفا له .
وكان الرئيس فورد قبل شغله لمنصب رئيس الولايات المتحدة قد شغل منصب نائب الرئيس وكان يعد رقم 40 فيمن شغلوا هذا المنصب بعد إستقالة سبيرو أجينيو النائب السابق للرئيس نيكسون في عام 1973م وكان أول شخص يعين في منصب نائب الرئيس بموجب أحكام التعديل الدستوري الخامس والعشرين الذي تم إقراره عام 1967م والذي بمقتضاه يمكن للرئيس الأميريكي أن يعين نائب له في حال كان منصب الأخير شاغرا لأى سبب من الأسباب على أن يوافق عليه أغلبية أعضاء الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ ومن ثم قام بتطبيق هذا التعديل كل من الرئيس ريتشارد نيكسون في تعيين جيرالد فورد نائبا له عام 1973م ثم طبقه فورد نفسه عندما صار رئيسا في العام التالي 1974م بعد شغله لمنصب الرئيس بعد إستقالة نيكسون بإختياره نيلسون روكفلر نائبا له ومن ثم ومن عجائب القدر كان هو الشخص الوحيد حتى الآن الذي شغل منصب نائب الرئيس والرئيس دون أن ينتخب وقبل تعيينه في منصب نائب الرئيس خدم فورد لمدة 25 عاما كنائب عن منطقة الكونجرس الخامسة في ولاية ميتشيجان التي تقع شمال شرق الولايات المتحدة وتشتهر بالبحيرة التي تحمل نفس الإسم وكان في تسعة منها زعيم الأقلية في مجلس النواب ولما تم إختياره نائبا للرئيس ريتشارد نيكسون مكث في هذا المنصب حوالي 8 شهور تقلد بعدها منصب رئيس الولايات المتحدة وكان من أكثر قراراته إثارة للجدل بعد تقلده منصب رئيس الولايات المتحدة منح الرئيس ريتشارد نيكسون عفوا رئاسيا عن دوره في فضيحة ووترجيت الشهيرة هذا وقد إتسمت السياسة الخارجية خلال رئاسته من الناحية الإجرائية بتصاعد سلطات الكونجرس وقابله الحد من صلاحيات الرئيس وقد ترشح فورد لإنتخابات الرئاسة علي مستوى الحزب الجمهورى عام 1976م وهزم حاكم ولاية كاليفورنيا السابق والتي تقع علي الساحل الغربي للولايات المتحدة رونالد ريجان لينال ترشيح الحزب الجمهوري لخوض الإنتخابات الرئاسية والتي كانت ستجرى يوم 20 نوفمبر عام 1976م وذلك بعد إنتهاء فترة حكمه التي إستمرت 895 يوم وكانت بذلك أقصر من فترات جميع الرؤساء الذين لم يموتوا في المنصب إلا أنه خسر هذه الإنتخابات بفارق ضئيل أمام منافسه الديموقراطي وحاكم ولاية جورجيا السابق جيمي كارتر وبعد أن ترك فورد منصبه لم يعتزل العمل السياسي أو العمل العام وظل له نشاط ملموس في الحزب الجمهوري لسنوات عديدة .
وقد ولد جيرالد فورد في مدينة أوماها بولاية نبراسكا التي تقع في غرب الولايات المتحدة يوم 14 يوليو عام 1913م وبعد اسبوعين من ولادته إنتقلت والدته دوروثي مع طفلها الرضيع للعيش مع والديها في مدينة جراند رابيدز بولاية ميتشيجان بعد إساءة زوجها إليها عدة مرات هى وطفلها الرضيع خلال زواجهما القصير ومن ثم طلبت الطلاق وبالفعل حصلت عليه وتزوجت مرة أخرى من جيرالد رودولف فورد الذى أعطى إسمه لإبنها وقام بتربيته كإبن له وإلتحق جيرالد فورد الصغير بالمدرسة الإبتدائية ثم إنتقل إلي المدرسة الثانوية وكان طالبا جيدا وكان أيضا رياضي موهوب وبعد الإنتهاء من المرحلة الثانوية حصل على منحة دراسية في جامعة ميتشيجان في عام 1935م ثم إلتحق بكلية الحقوق فى جامعة يال وبعد التحرج منها في شهر يناير عام 1941م عاد فورد الى جراند رابيدز وقام بفتح شركة محاماة مع صديقه في الدراسة فيل بوكين وبعد الهجوم الياباني المباغت على الأسطول البحرى الأميريكي القابع في المحيط الهادئ في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربور بجزر هاواي في يوم 7 ديسمبر عام 1941م إنضم لقوات البحرية الأميريكية الإحتياطية وخدم بها من عام 1942م إلى عام 1946م وترك الخدمة برتبة ملازم أول وعاد مرة أخرى إلي مدينة جراند رابيدز وإنضم إلي صفوف الحزب الجمهورى وأصبح من أعضائه الذين لهم أنشطة ملموسة ومؤثرة في سياسة الحزب المحلية وحثه مؤيدوه علي منافسة بارتل جيه جونكمان عضو الكونجرس الجمهوري حينذاك عن ولاية ميتشيجان وكانت الخدمة العسكرية قد غيرت نظرة فورد إلى العالم ويقول فورد في هذا الشأن عدت متحولًا لأُمميٍ وبالتأكيد كان عضو الكونجرس خاصتنا في ذلك الوقت إنعزاليا وأعتقد أنه لابد من إستبداله ولم يظن أحد أني سأربح ولكن إنتهى بي الأمر بالفوز إثنان لواحد وخلال حملته في هذه الانتخابات عام 1948م زار فورد الناخبين أينما كانوا وعند خروجهم من المصانع التي يعملون فيها وزار أيضا المَزارع المحلية حتي أنه بسبب رهان أمضى أسبوعين يحلب الأبقار في إحدى المزارع بعد نصره الإنتخابي الذى أصبح بعده عضوا في مجلس النواب وفي هذا التوقيت تزوج فورد من إليزابيث وارن المشهورة بإسم بيتى والتي كانت تعمل منسقة ملابس ومصممة رقصات وقد أنجبا أربعة أبناء وظل فورد عضوا فيه لمدة 25 عاما من عام 1949م وحتي عام 1973م شاغلا مقعد دائرة ميتشيجان الإنتخابية الخامسة وبعد سنتين من دخوله مجلس النواب عين فورد في هيئة إعتمادات المجلس كما كان عضوًا بارزا في هيئة إعتمادات المجلس الفرعية الخاصة بوزارة الدفاع وكان فورد يصف فلسفته في نشاطه السياسي بأنها معتدلة في الشئون الداخلية أُممية في الشئون الخارجية ومحافظة في السياسة المالية وصوت فورد لصالح قوانين الحقوق المدنية في عام 1957م وعام1960م في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور وأيضا في عام 1964م وعام 1968م في عهد الرئيس ليندون جونسون وقانون حق التصويت في عام 1965م في عهد الرئيس جونسون أيضا وعرف فورد بين زملائه في المجلس برجلِ الكونجرس ومما يذكر أنه في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين الماضي رفض فورد عروضًا للترشيح إما لمجلس الشيوخ أو لمنصب حاكم ولاية ميتشيجان وكان طموحه أن يصبح المتحدث الرسمي بإسم المجلس والذي سماه الإنجاز الأكبر إذا تمكن من الجلوس هناك وأن يترأس 434 شخص آخر ومن ثم يقود المجلس التشريعي الأعظم في تاريخ البشرية وكان هذا هو ما طمح إليه خلال سنة أو سنتين من وجوده في مجلس النواب ومن أجل تحقيق هذا الهدف عملَ فورد على مساعدة الجمهوريين عبر البلاد حتي يكون للحزب الأغلبية في المجلس فتجول كثيرا وحضر العديد من الإجتماعات وألقى خطبا كثيرة ولمنه لم يفلح في تحقيق هدفه ولكنه وعدَ زوجته بأنه سيحاول مرة أخرى وأنه سيتقاعد بحلول عام 1976م وكان بالطبع لا يدرى ماذا تخبئ له الأقدار .
ومن الأعمال التي إضطلع بها فورد أثناء وجوده كعضو في مجلس النواب أنه في يوم 29 نوفمبر عام 1963م عينَ الرئيس ليندون جونسون فورد في مهمة تقرير وارن وهي مهمة خاصة أُنشئت للتحقيق في مقتل الرئيس جون كيندي والذى إغتيل يوم 22 نوفمبر عام 1963م أثناء زيارة كان يقوم بها لعدة مدن في ولاية تكساس حيث كلف فورد بتحضير سيرة ذاتية للقاتل المتهم في هذه القضية لي هارفي أوزوالد وأجرى هو وإيرل وارن مقابلة مع جاك روبي أيضا قاتل أوزوالد ووفقا لمذكرة مكتب التحقيقات الفيدرالي الإف بي آي لعام 1963م التي نشرت للعامة عام 2008م كان فورد على تواصل مع مسؤولي هذا المكتب خلال تكليفه بإعداد تقرير لجنة وارن وقام بنقلَ معلومات لنائب المدير المساعد للمكتب ديك ديلوش حول نشاطات لجنة تقرير وارن وفي مقدمة كتابه الإرث الرئاسي وتقرير وارن دافع فورد عن عمل اللجنة وكرر دعمه لنتائجها وفي العام التالي 1964م حقق ليندون جونسون الديموقراطي إنتصارا ساحقا لحزبه ضامنا ولاية أخرى له كرئيس وأيضا كانت الأغلبية في مجلس النواب للديموقراطيين وتطلع أعضاء من كتلة الحزب الجمهورى والذين يمثلون الأقلية لإختيار زعيم جديد لهم في المجلس بدلا من تشارلز هاليك عضو المجلس الجمهورى عن دائرة ولاية إنديانا الثانية وتواصل ثلاثة من الأعضاء الجمهوريين مع فورد فيما إذا كان يرغب في تقلد هذا المنصب والذى وافق بعد أن تشاور مع عائلته وبعد نتائج متقاربة في الإنتخابات تم إختيار فورد ليحل محله كزعيم للأقلية ومع أغلبية ديموقراطية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ إقترحت إدارة الرئيس جونسون وأقرت سلسلة من البرامج سميت من قِبل جونسون بالمجتمع العظيم وخلال الجلسة الأولى للكونجرس التاسع والثمانين طرحت إدارة جونسون 87 مشروع قانوني ووقع جونسون 84 منها بنسبة حوالي 96% ويمكن القول بأنها كانت أنجح أجندة تشريعية في تاريخ الكونجرس وفي عام 1966م بدأ الإنتقاد حول تسيير إدارة جونسون للحرب الفيتنامية والتورط فيها بشكل متزايد مع تعبير فورد وأعضاء الكونجرس الجمهوريين عن قلقهم بأن الولايات المتحدة لم تكن تفعل ما كان ضروريا لكسب الحرب وبدأ الرأي العام بالتحرك أيضًا ضد جونسون ونتج عن الإنتخابات النصفية للكونجرس لعام 1966م 47 مقعدا إضافيا لصالح الجمهوريين ولم يكن هذا كافيا لإعطاء الجمهوريين أغلبية في المجلس لكن أعطى هذا النصر فورد وباقي الأعضاء الجمهوريين الفرصة للحد من تمرير برامج أكثر من المجتمع العظيم وفي هذا التوقيت أصبح إنتقاد فورد الشخصي للحرب الفيتنامية معروفًا للعامة بعد أن تحدث من منصة المجلس وشكك في إمتلاك البيت الأبيض لخطة واضحة تؤتي بنتائج ناجحة للحرب وقد أغضب هذا الخطاب الرئيس جونسون غضبا شديدا وإتهم فورد بأنه لعب الكثير من كرة القدم الأميريكية دون خوذة وكزعيم للأقلية في المجلس ظهر فورد في سلسلة من المؤتمرات الصحفية المتلفزة مع عضو مجلس الشيوخ عن ولاية الينوي إيفيرت ديركسن والتي إقترحوا فيها بدائل جمهورية لسياسات جونسون وأطلق العديد من العاملين في مجال الصحافة علي تلك المؤتمرات عرض إيف وجيري وقال جونسون في ذلك الوقت جيري فورد غبي جدا ولا يمكنه إطلاق الريح ومضغ العلكة في نفس الوقت وكان هذا التعبير من تعابير جونسون اللاذعة والغير لائقة أحيانا ولذا فقد إعتادت الصحافة على تشذيب تصريحاته وتعبيراته الجارحة الخارجة عن اللياقة وتم تغيير ألفاظ هذه العبارة لتكون لا يمكن لجيرالد فورد المشي ومضغ العلكة في نفس الوقت .
وقرب نهاية السيتينيات من القرن العشرين الماضي كان الشعب الأميريكي غير راضي عن رئيسه جونسون وحكومته بسبب قضايا الحقوق المدنية وحرب فيتنام التى تورطت فيها الولايات المتحدة وكرهها الأميريكيون ولذا فبعد ثماني سنوات من القيادة الديموقراطية كان لدى الأميريكيون أمل فى التغيير عن طريق إنتخاب رئيس ينتمي إلي الحزب الجمهوري وذلك في الإنتخابات التي كانت ستجرى في يوم 20 نوفمبر عام 1968م وبالفعل إنتخبوا ريتشارد نيكسون والذى بعد أن تم إنتخابه مرر الكونجرس ذو الأغلبية الديموقراطية عدة إقتراحات بقوانين للرئيس الجديد نيكسون من ضمنها قانون السياسة البيئية الوطنية وقانون التعديل الضريبي لعام 1969م كما كان قانون المساعدة المالية المحلية والخاصة بالولايات يعد إنتصارا بارزا للأقلية الجمهورية عندما تم تمرير هذا القانون عام 1972م وهو القانون الذى وضع برنامج تقاسم الإيرادات للحكومات المحلية والخاصة بالولايات وكانت قيادة فورد عنصر مؤثر جدا في تمرير هذا القانون من خلال الكونجرس ونتج عنه التحالف الحزبي الذي دعم تشريع القانون بنحو 223 صوت موافق بالمقارنة مع 185 صوت معارض وجدير بالذكر أنه خلال السنوات الثمانية ما بين عام 1965م وحتي عام 1973م التي خدم فورد فيها كزعيم للأقلية في الكونجرس حاز على عدة أصدقاء في مجلسيه بفضل قيادته العادلة وشخصيته المحببة هذا وكان نيكسون قد إختار سبيرو أجينيو حاكم ولاية ميريلاند التي تقع شرق الولايات المتحدة نائبا له منذ إنتخابات عام 1968م والذي ظل في منصبه من عام 1969م حتى عام 1973م والذى كان يدافع بشدة عن الحكومة وينتقد وسائل الإعلام والديموقراطيين المعارضين وفي عام 1973م وجهت له تهمة قبول رشاوى أثناء عمله حاكما لولاية ميريلاند وأيضا بعد أن أصبح نائبا للرئيس وبعد أسابيع من الإجراءات القانونية إتفق أجينيو مع المدعين أنه لكي يتجنب المحاكمة سوف يستقيل من منصبه وبالفعل قدم إستقالته يوم 10 أكتوبر عام 1973م وبعد ذلك نشر المدعي العام الأميريكي وثيقة من أربعين صفحة يشرح فيها بالتفصيل أفعال أجينيو غير اللائقة على مدار عشر سنين ونتيجة لتلك الوثيقة حوكم أجينيو وأدين وحكم عليه بدفع عشرة آلاف دولار غرامة ووضعه لمدة ثلاث سنوات تحت المراقبة ومع ذلك ظل أجينيو يدعي البراءة وأنه لم يترك وظيفته ليتجنب المحاكمة ولكن لأنه لم يكن على وفاق مع رئيس العاملين بالبيت الأبيض في ذلك الوقت الكسندر هيج وبخلو منصب نائب الرئيس سعى نيكسون للتشاور مع قادة الكونجرس حول من يختاره بديلا لأجينيو فكان ردهم بالإجماع لن نعطي نيكسون خيارا إلا جيرالد فورد والذى وافق على هذا الترشيح قائلا لزوجته بأن منصب نائب الرئيس والذى سيغله حتي نهاية عام 1976م سيكون ختاما جميلا لمسيرته ومن ثم أصبح فورد نائب الرئيس الأميريكي لأول مرة بدون إنتخاب في يوم 6 ديسمبر عام 1973م وتشاء الأقدار أنه بعد ثمانية اشهر فقط وعلي غير إنتظار أو توقع وفي اعقاب فضيحة ووترجيت الشهيرة يضطر الرئيس نيكسون إلى الإستقالة ومن ثم وطبقا للدستور الأميريكي يصبح جيرالد فورد الرئيس رقم 38 للولايات المتحدة في يوم 9 أغسطس عام 1974م.
وفي هذا التوقيت الحرج الذى تولي فيه فورد مهام منصبه كرئيس للولايات المتحدة واجه الكثير من الأزمات كان منها الإضطرابات في البيت الابيض والثقة المتآكلة من الأميريكيين في حكومته و أيضا الإقتصاد الأميريكي المتعثر حيث على الصعيد المحلي شهد فورد أسوأ أزمة إقتصادية منذ زمن الكساد الكبير الذى كان قد حدث في الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي في عهد الرئيس الحادى والثلاثين للولايات المتحدة هربرت هوفر وذلك مع تزايد التضخم والركود خلال فترة ولايته حيث كانت نسبة البطالة عالية جدا ويوجد الكثير من الناس عاطلين عن العمل وكانت إمدادات النفط محدودة والأسعار عالية للغاية في معظم ضروريات الحياة مثل الغذاء والكساء والإسكان وعلى الرغم من كل هذه التحديات كانت الموافقة على فورد كبيرة وذلك لأنه كان بديل منعش للإدارة الأخيرة وقام فورد بتعزيز هذه الصورة من خلال عدد من االتصرفات والإجراءات الصغيرة مثل التنقل لعدة أيام بعد توليه الرئاسة مباشرة فى العديد من الضواحي لتفقد أوضاعها المعيشية علي الطبيعة في حين كان يجري إستكمال التحولات في البيت الابيض وإعتمد عدد من سياسات الباب المفتوح مع مسؤولين بارزين بالكونجرس وإختار دعوة البيت الابيض مكان الإقامة بدلا من القصر الرئاسي وهذا أعطى صورة إيجابية عن الرئيس فورد والذى إستطاعت حكومته في وقت قصير إعادة حوالي أربعة ملايين أميريكي إلى العمل كما تمكنت من خفض معدلات التضخم لكن هذه الصورة الإيجابية عن الرئيس فورد لم تدم طويلا فبعد شهر وفي يوم 8 سبتمبر عام 1974م منح فورد الرئيس السابق ريتشارد نيكسون عفوا كاملا بموجب صلاحياته الفيدرالية عن جميع الجرائم التي إرتكبها خلال الفترة التي قضاها رئيسا للبلاد وقد أغضب هذا العفو كثير من الأميريكيين ووجه هذا القرار بمعارضة كبيرة والذى كان يعتبر إنتحارا سياسيا للرئيس فورد ولكنه وقف بحزم وصلابة وشجاعة وراء قراره لأنه إعتقد أنه ببساطة يفعل الشيء الصحيح والذى هو شخصيا مقتنع به تمام الإقتناع وقد أراد فورد من قراره هذا تجاوز النقاش الحاد والجدل حول فضيحة ووترجيت والمضي قدما في حكم البلاد وكان يعتقد أنه سيكون من الصعب بل من المستحيل القيام بذلك إذا ظلت البلاد مشغولة وغارقة في فضيحة ووترجيت وبعد سنوات عديدة من هذا القرار تم إعتبار عمل فورد دليل على الحكمة ونكران الذات من قبل المحللين السياسيين والمؤرخين .
وفي مجال العلاقات الخارجية في عهد الرئيس فورد فقد كانت متقدمة بسبب لباقة فورد وصدقه والصراحة والنزاهة اللذان كانا هما السمة المميزة لرئاسته الغير تقليدية علاوة علي وجود وزير خارجيته المخضرم الدكتور هنرى كيسنجر إلي جواره والذى كان وزيرا للخارجية منذ منتصف عام 1973م في عهد الرئيس نيكسون وإستمر في منصبه بعد تقلد الرئيس فورد منصبه وحتي بعد تولي الرئيس كارتر منصب الرئيس خلفا لفورد ولثقته في صواب آراءه في مجال السياسة الخارجية فقد كان يشاوره حول قضايا الشئون الخارجية طيلة فترة ولايته وبقي الرئيسان فورد وكارتر اصدقاء مدى الحياة وكانت الزيارة الخارجية الأولي التي قام بها الرئيس فورد خلال الجزء المتبقي من عام 1974م هي زيارته لليابان وكانت هذه هي أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس للولايات المتحدة لها بعد سنوات طويلة من العداء والتربص منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كما قام أيضا برحلات ودية للصين ودول أوروبية أخرى كما رفض فورد توريط الولايات المتحدة في دولة فيتنام مرة أخرى عندما رفض رفضا باتا أن يرسل وحدات من الجيش الأميريكي مرة اخرى إلى هذه البلاد في عام 1975م وذلك عندما تعرضت العاصمة الفيتنامية الجنوبية سايجون لهجوم عسكري مباغت ومكثف بقيادة قائد قوات فيتنام الشمالية العقيد نجوين توان في يوم 29 من شهر أبريل عام 1975م والذي تعرضت المدينة خلاله لقصف مدفعي وجوى كثيف ومتواصل ووصل عدد قوات الجيش الفيتنامي الشمالي خلال هذا الهجوم حوالي 300 ألف فرد بينما كانت القوات الفيتنامية الجنوبية لا يتعدى عددها 31 ألف فرد فقط ومن ثم سقطت العاصمة سايجون بسهولة وأمر فورد بإخلاء ما تبقى من مواطني الولايات المتحدة في فيتنام الجنوبية ومعهم أعضاء الحكومة الفيتنامية الجنوبية وإنهاء الوجود الأميريكي الموسع نهائيا في هذه البلاد وترك الآلاف من الفيتناميين يواجهون مصيرهم بأنفسهم وبعد ثلاثة اشهر أي في شهر يوليو عام 1975م حضر فورد مؤتمر الأمن والتعاون في قارة أوروبا في العاصمة الفنلندية هلسنكي وبصفته رئيسا للولايات المتحدة قام بالتوقيع علي ماتمت تسميته إتفاقية هلسنكي وذلك على الرغم من وجود معارضين لهذه الإتفاقية في الولايات المتحدة وقد مثلت هذه الإتفاقية خطوة هامة نحو الإنتهاء من حقبة الحرب الباردة وكانت هذه الإتفاقية عبارة عن وثيقة صدرت عن المؤتمر المشار إليه من أجل خلقِ أسسٍ جديدة للأمن والتعاون بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة وتحسين العلاقات بين دول الكتلة الشيوعية والدول الغربية وكان من ضمن الموقعين عليه أيضا المستشار الألماني الغربي هيلموت شميت وإريك هونيكر رئيس مجلس الدولة في المانيا الشرقية السابقة والمستشار النمساوى برونو كرايسكي وفيما بعد إنضمت 35 دولة إلي هذه الإتفاقية مستهدفة معالجة قضايا حقوق الإنسان وأيضا معالجة توترات الحرب الباردة وفي العام التالي 1976م إستضاف الرئيس فورد في العاصمة الأميريكية واشنطن عددا من الزعماء الأجانب الذين إنضموا إلي هذه الإتفاقية للإحتفال بالذكرى المئوية الثانية لتأسيس الولايات المتحدة الأميريكية .
وفي صيف عام 1975م أوفد الرئيس فورد وزير خارجيته المخضرم الدكتور هنرى كيسنجر والذى كان الرئيس فورد يعتمد عليه كثيرا في رسم وتسيير السياسة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وعبر عدة رحلات مكوكية بين القاهرة وتل أبيب تم توقيع إتفاقية فك الإشتباك الثانية بين مصر وإسرائيل يوم 1 سبتمبر عام 1975م بمدينة جنيف بسويسرا وقد نصت هذه الإتفاقية علي تعهد الطرفين بعدم اللجوء للقوة المسلحة أو الحصار العسكرى من أجل حل النزاع المصرى الإسرائيلي بل يتم اللجوء إلي الحل السلمي وعلي أساس أن الإتفاقية المعقودة بين الطرفين في يوم 18 يناير عام 1974م في إطار مؤتمر جنيف للسلام وذلك في عهد الرئيس نيكسون والتي تم التوصل إليها بعد عدة رحلات مكوكية قام بها كيسنجر أيضا بين أسوان وتل أبيب خلال شهر يناير عام 1974م تعد خطوة أولى نحو سلام عادل ودائم وفقا لأحكام قرار مجلس الأمن وقراره رقم 338 الصادر في يوم 22 أكتوبر عام 1973م حيث أن الطرفين يعتزمان التوصل لتسوية سلمية نهائية وعادلة عن طريق المفاوضات ولذا فإن هذه الإتفاقية تعد خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف وذلك مع إستمرار الطرفين في مراعاة وقف إطلاق النار برا وبحرا وجوا والإمتناع عن أي أعمال عسكرية أو شبه عسكرية ضد الطرف الآخر كما يلتزم الطرفان أيضا بأى بنود واردة بملحق هذه الإتفاقية والبروتوكول الخاص بها وأنها ستكون جزءا لا يتجزأ من هذه الإتفاقية والتي بموجبها سيتم تحريك القوات المسلحة للطرفين بحيث تنسحب جميع القوات الإسرائيلية إلى شرق منطقة الممرات بسيناء وفي نفس الوقت تتقدم جميع القوات المصرية إلى غرب منطقة الممرات مع وجود منطقة عازلة بين الطرفين تتواجد فيها قوات الطوارئ الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والتي ستجدد مدتها سنويا إلي جانب تكوين لجنة مشتركة من الطرفين أثناء سريان هذه الإتفاقية علي أن تعمل هذه اللجنة تحت رئاسة المنسق العام لعمليات الأمم المتحدة في منطقة الشرق الأوسط للنظر في أي مشكلة أو خلاف قد ينجم عن هذه الإتفاقية ولمعاونة قوة الطوارئ الدولية في تنفيذ مهمتها وسيسمح بمرور الشحنات غير العسكرية المتجهة إلى إسرائيل وأيضا المشحونة منها بالمرور في قناة السويس ومن ثم سيعتبر الطرفان هذه الإتفاقية خطوة هامة نحو سلام عادل ودائم وليس إتفاق سلام نهائي مع مواصلة بذل الجهود من جانب الطرفين من أجل التوصل بالتفاوض إلى إتفاق سلام نهائي في إطار مؤتمر جنيف للسلام وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 338 وفي نفس الشهر سبتمبر عام 1975م وفي غضون ثلاثة اسابيع قامت إمرأتان مختلفتان بمحاولتين لإغتيال الرئيس فورد وفشلت المحاولتان وتم القبض عليهما وإحالتهما للمحكمة والتي أصدرت حكمها عليهما بالسجن مدى الحياة .
وخلال الإحتفال بالذكرى المئوية الثانية لتأسيس الولايات المتحدة في عام 1976م كان فورد أيضا في معركة داخل حزبه لإختيار مرشح الحزب الجمهوري للإنتخابات الرئاسية التي ستجرى في شهر نوفمبر عام 1976م وفي حدث نادر قرر عضو الحزب رونالد ريجان أن يتحدى رئيس حالي للفوز بترشيح الحزب لكن في النهاية فاز فورد بفارق ضئيل في الترشيح لخوض الإنتخابات ضد الحاكم الديموقراطي لولاية جورجيا جيمي كارتر وقام فورد بإرتكاب خطأ جسيم خلال مناظرة له مع كارتر خلال الإعلان عن انه لا توجد هيمنة سوفيتية في شرق قارة أوروبا كما أن شعبية الحزب الجمهورى كانت قد تأثرت سلبيا بسبب فضيحة ووترجيت التي لم يكن الشعب الأميريكي قد نسيها أو نسي قرار الرئيس فورد بالعفو عن الرئيس نيكسون الذى كان يعد المتهم الرئيسي فيها وعلاوة علي ذلك فقد كان الشعب الأميريكي غير مقتنع بما يكفي بالرئيس جيرالد فورد لكونه لم يتم إنتخابه كنائب رئيس ثم كرئيس ومن ثم كانت الأمور والمؤشرات والتوقعات كلها تشير إلي أنه سيحدث تغيير في الإدارة الأميريكية وبالفعل تحقق ذلك وتم إنتخاب مرشح الحزب الديموقراطي جيمي كارتر رئيسا للولايات المتحدة بفارق قدره 2% من أصوات الناخبين وأصبح هو الوافد الجديد إلى البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن لكي يتقلد منصب الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة وعلي الرغم من إخفاق فورد في الإنتخابات الرئاسية عام 1976م لم يصنفه المؤرخون والمحللون السياسيون وهواة الإستطلاعات الشعبية ضمن أسوأ عشرة رؤساء للولايات المتحدة بل تم تصنيفه ضمن رؤساء الوسط نظرا للظروف الإستثنائية التي مرت بها بلاده والتي إستطاع فورد خلالها أن يعبر بها لبر الأمان ويجعلها تتجاوز آثار فضيحة ووترجيت المدوية وقد ظل نشطا في العملية السياسية ومحاضرا متكررا في الشئون السياسية كما أنجز فورد كتابة مذكراته والتي سماها حان الوقت للشفاء السيرة الذاتية لجيرالد فورد في عام 1979م وبعدها نشر الكتاب الثاني له الذي سماه الفكاهة والرئاسة في عام 1987م وعلاوة علي ذلك فقد قدم فورد خبرته في عالم الشركات من خلال المشاركة في عدد من المجالس وأسس المنتدى العالمي للمشروعات الأميريكية في عام 1982م الذي جمع زعماء العالم السابقين والحاليين فضلا عن كبار رجال الأعمال حول العالم جنبا إلى جنب في كل عام لمناقشة السياسات التي تؤثر على القضايا السياسية والتجارية وكان يتم تنظيم هذا الحدث لسنوات عديدة في ولاية كولورادو التي تعد من كبرى الولايات في منطقة الغرب الأميريكي وتكريما له تم إفتتاح المكتبة الرئاسية لجيرالد فورد في آن أربور بولاية ميتشيجان في حرم جامعتها في عام 1981م وفي وقت لاحق من العام نفسه بنى متحف جيرالد فورد الرئاسي في مدينة جراند رابيدز التي عاش فيها في طفولته وقد تم منح فورد وسام رئيس الحرية في شهر أغسطس عام 1999م وميدالية الكونجرس الذهبية للتراث لخدمته العامة وقيادة البلاد بعد فضيحة ووترجيت في عام 2001م كما حصل على لمحات من جائزة الشجاعة من قبل مؤسسة جون كيندي وفي يوم 26 ديسمبر عام 2006م توفي جيرالد فورد في منزله في رانشو ميراج بولاية كاليفورنيا عن عمر يناهز 93 عاما ودفن جسده فى المتحف الرئاسي جيرالد فورد في جراند رابيدز بولاية ميتشيجان وحتي وفاته عاش فورد أطول من أي رئيس أميريكي آخر قبل أن يتجاوزه جورج بوش الأب في يوم 25 نوفمبر عام 2017م .
التعليقات مغلقة.