ماذا تعرف عن شهر شعبان
بقلم محمــــد الدكــــرورى
شهر شعبان كغيره من الشهور، التي يجب على المسلم أن يؤدي فيها فرائضَ الله عز وجل ، وأن يحقِّق طاعتَه سبحانه وتعالى ، وأن يصون النفس عن كل المحرمات والمآثم والسيئات ، وشهر شعبان شهر قد اختُصَّ بفضائلَ جمَّةٍ ، فينبغي على المؤمن أن يكون مسارِعًا إليها، مبادِرًا لاغتنامها .
وإن المؤمن ليتقلب في هذا الزمان، ويمد الله له في الأجل، وكل يوم يبقاه في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لأخرته، ويحرث فيه ما استطاع ويبذر فيه من الأعمال ما استطاعته نفسه وتحملته .
وها قد مضى شهر رجب، ودخل شعبان، وفاز من فاز بالتقرب والاستعداد في رجب لرمضان، ودخل شعبان والناس عنه غافلة ، ولنا مع هذا الشهر المبارك وقفات ننظر فيها حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال سلف الأمة، الذين أمرنا بالاقتداء بهم .
ومن شدة محافظته صلى الله عليه وسلم على الصوم في شعبان ، أن أزواجه رضي الله عنهن، كن يقلن أنه يصوم شعبان كله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شهر غير رمضان ، فهذه عائشة رضي الله عنها وعن أبيها تقول:
” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان ” رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لهما: قالت: “ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر منه من شعبان، فإنه كان يصومه كله“ رواه البخارى ومسلم .
وشعبان شهر ترفع فيه الأعمال: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال : ” ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ” رواه النسائي .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان، رواه أحمد .
ومعنى ذلك ، أنه شهر يَغْفُل الناسُ عنه بين رجب ورمضان، يُشير إلى أنه لَمَّا اكتنَفَه شهرانِ عظيمانِ ، الشهرُ الحرامُ وشهرُ الصيامِ اشتغل الناس بهما فصار مغفولا، عنه إلى أن قال: “ فيشتغل الناس بالمشغول عنه ويفَوِّتُون تحصيلَ فضيلة ما ليس بمشهور عندهم ، أي شعبان“.
حقاً عباد الله شهر شعبان كما وصفه رسول الله : (شهرٌ يغفُلُ الناسُ عنه ) وهنا لفتة يذكرها العلماء وهي استحباب عمارةِ أوقاتِ غفلة الناسِ بالطاعاتِ ، وأن ذلك محبوب عند الله عز وجلّ ، وسبب ذلك أن الطاعاتِ في وقتِ غفلةِ الناسِ شاقةٌ وشديدة على النفوس إلا من أعانه الله ووفقه فكان أجرها أعظم عند الله .
وقال ابن رجب رحمه الله : إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور ، ويقصد بذلك الصوم المطلَق، وقال الصنعاني رحمه الله “ وفيه دليل أنه صلى الله عليه وسلم ، يخصُّ شهرَ شعبان بالصوم أكثر من غيره“.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك .
ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كان يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان .
وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان ، ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان، وقال بعض أهل العلم: إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور، وإن كان قد ورد النص أن شهر الله المحرم هو أفضل الصيام بعد رمضان .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ” رواه مسلم
وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ” يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ ” رواه الطبراني .
فبادِرُوا في هذا الشهر إلى ما يقربكم إلى المولى سبحانه وتعالى، فهو شهر فاضل، وكان يسمَّى عند السلف: “شهر القُرَّاء” ، لكثرة مراجعتهم للقرآن الكريم، وانقطاعهم لتلاوته، والتزامهم بمعاهدته والإكثار من قراءته استعدادًا لقيام رمضان .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:” من دخل السوق فقال: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبني له بيتا في الجنة ” روه الترمذي.
وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: ” يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه ” رواه البيهقى .
وتخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة قيام، وتخصيص يومها بصيام فذلك أمر إحياء بعض الناس لليلة النصف من شعبان، وبعضهم يصليها في جماعة ويحتفلون بأشياء وربما زينوا بيوتهم، وكل هذا من البدع المحدثة التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحبه ولا تابعوهم .
وهم الحجة لمن أراد سواء السبيل وما ثبت في هذه الليلة من فضل هو أنه يجب عليك أن تحقق التوحيد الواجب، وتنأى بنفسك عن الشرك، وأن تصفح وتعفوا عمن بينك وبينه عداوة وشحناء، أما إحداث البدع في هذه الليلة فإن أهلها هم أولى الناس بالبعد عن رحمة الله .
عن أبى هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ” تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا “. رواه مسلم
وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر .
ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك .
التعليقات مغلقة.