ماذا قالت فضيلة … قصة قصيرة بقلم/ربيع دهام
وبينما كنتُ أتصفّح جريدة الوطن، أقرأ مقالاً عن الاستراتيجيّة الاقتصاديّة الخلّاقة التي ينتهجها النظام الجديد في كامبوديا،
اقتربتْ مني زوجتي فضيلة و….
أتعلم ماذا فعلتْ ابتسام؟، سألتني.
تأفّفتُ في سرّي. ما هذا؟ أبحر أنا في أعماق السياسة الدولية،
وتغوص هي في مستنقع جارتها ابتسام؟
هززتُ الجريدة بغضبٍ وقلتُ:
مهلاً يا فضيلة. إنّي أقرأ الجريدة، وفتيلةُ جارتِك طويلة.
أغضبتْ وقاحتي زوجتي فضيلة فقفلتْ عائدةً إلى الشرفة.
وهناك، عادت لتتنصّت على جارتها ابتسام.
أكملتُ أنا، وبتمعُّنٍ شديدٍ، قراءة المقال.
لكن لم تكن لتمضي بضعة دقائق حتى رمقتُها من طرف عيني
وهي تقترب مجدداً مني.
أتعرف ماذا قالتْ ابتسام؟، قالت.
انتفضتُ في مكاني. استقمتُ. تأهّبتُ. انتعلتُ صندلي.
تأبّطتُ جريدتي. حملتُ فنجان القهوة، وطفقت متوجهاً إلى
غرفة الجلوس الصغيرة.
وعادت هي أدراجها إلى الشرفة لاستكمال مهمّة التنصّت.
ولمّا أنهيتُ قراءة المقال، وأدرتُ التلفاز، وظللتُ أتنقّل بين المحطّات
إلى أن ألقيتُ مرساتي في قعرِ محطّة إخباريّة كانت تبثّ برنامجاً مهمّاً
عن السياسة الاستراتيجيّة التي تتّبعها دولة نيكاراغوا في إعادة تصنيع وتجهيز وتعليب الخردوات،
وفيما كنت أستدير لأتناول القهوة، أرعبَني وجودُ جسد فضيلة، متسمراً كالخازوق العثماني أمام ناظرَي.
قال الجسدُ:
أتعرف ماذا فعلت ابتسام؟
غرز سؤالُها إشارته الاستفهامية المُسنّنة في أحشائي. حملتُ الجريدة وقذفتها بعيداً. استللتُ جهاز التحكّم عن بُعد، وضغطتُ على زر الصوت. فارتفع صوت المحاوِر والموسيقى المرافقة، حتى كاد أن يسمعها قاطنو المركبات الفضائيّة، بل وحتى الملائكة والشياطين في السماوات السبع.
وظننتُ بذلك أنني سجّلت انتصاري النهائي على أهل السخافة جميعهم. ابتداء من زوجتي فضيلة وجارتها الثرثارة ابتسام.
لكن لا. بترت الدولة أصابع انتصاري لمّا أغمضتْ فجأةً الغرفةُ عينيها، وأطبق فجأةً، التلفازُ فاهَه.
ها قد انقطعت الكهرباء. نعم. للمرةِ الألف، منذ صباح اليوم، تنقطع أكذوبة الكهرباء. وسكت مِن حولي كل شيء.
نعم. سكت من حولي كلُّ شيءٍ إلا… صوت زوجتي فضيلة لمّا عاد
وسألني:
أتعرف ماذا قالت ابتسام؟
هنا، وفي تلك اللحظة بالذات، عيلت أنفاس صبري، وكلَّت افرازات عقلي، وخرقَ جدار الصوتُ صوتي، لمّا صحتُ بوجهها كالتيسِ اللئيمِ:
ابتسام! ابتسام! ابتسام! أنا أقرأ وتلاحقينني بالسخيفة ابتسام! قولي.
ماذا قالت الضرّابة؟
رجعتْ زوجتي خطوتين إلى الوراء. رمقتني بنظرةٍ عتاب شديد،
قبل أن تجيب بصوتها المتوتر، لكن المهذّب، بخلافي أنا:
قد حضّرتْ لك “السخييييفة” ابتسام طبق الكبسة باللحم. الطبق الذي تحبّه. االطبق الذي تشتهيه. وهي وزوجها بانتظارنا اليوم على العشاء،بعد ساعةٍ من الآن.
لم أقل أنا شيئاً. بل قالت هي:
اذهب أنت. أنا سأبقى هنا.
طبق الكبسة باللحم؟، سألتُها.
نعم، أجابتني وملامح الخيبة تفترش محيّاها.
تسلّمت أمعائي دفّة الكلام.
“طبق الكبسة شهي”، قال المصران الغليظ.
وصدّقه في ذلك البطنُ. وكاد أن يسيل لعابي موافقاً.
ولمّا توجّهتْ زوجتي فضيلة، حزينةً إلى غرفتها، هممتُ باللحاق بها.
فضيلة! فضيلة! قولي شيئاً، ناديتها.
سمعتُها تغمغم بكلامٍ لم أفهمه.
ماذا قلتِ يا قضيلة؟! ، سألتها.
لم تجبني.
أكملت طريقي إلى الغرفة لكن، وبعد خطوتين أو أكثر، دستُ دون انتباه على الجريدة المرميّة.
بسرعةِ الخوف، رفعتُ قدمي. وما إن فعلتُ هذا حتى رأيتُ، ويا لحظّي السيء، لطخة نعل صندلي عليها.
ليس هذا فقط. بل كانت تغطّي اللطخة، وبالتحديد، مقالَ الاستراتيجيّة
الاقتصادية التي كنتُ أقرأه.
التعليقات مغلقة.