ماذا يفيد الإنسان بعد موته ؟
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
إن الإنسان مهما طال عمره فلا بد له من يوم يفارق فيه الحياة و مهما ملك الأموال والقصور فلا بد له من زيارة القبور و مهما طال الليل فلا بد له من طلوع الفجر ومهما طال العمر فلا بد من دخول القبر ، فلا بد من اليوم الذي ستلقى فيه ربك و تخرج فيه روحك وتُعرض عليك أعمالك ، وإن الإنسان إذا مات انقطع عمله فلا ينفعه هناك سوى عمله الذي قدمه إن كان خيراً فخير و إن كان شراً فشرا .
ومن الأمور الخطيرة أن يوصي الميت في حال حياته بوصية ظالمة جائرة تسمى وصية الضرار مثل أن يوصي لزوجته بكذا و كذا من المال أو يوصي لأحد أولاده بالدار الفلانية أو نحو ذلك أو يوصي فيقول زوجتي فلانة ليس لها شيء من الدار أو ما أشبه ذلك ، وهذا إذا فعله الإنسان فهو دليل على سوء خاتمة وهذا العمل من الكبائر كما جاء ذلك عن السلف ، وبعض الناس واقعون في مثل هذا العمل ، فهى من الأمور التي ينبغي أن ننبه إليها فهى من المخلفات السيئة التي خلفها الإنسان بعد موته .
وإن من الناس من يموت ولا يكون له أي آثار من أعمال صالحة، بل تطوى صحيفة حسناته بموته، ومن الناس مَن يوفق فيكون له آثار من أعمال صالحة وهو في عداد الأموات، لكن ثوابها وأجرها يجري له من صدقة جارية أنفذها في حياته، أو علم يُنتفع بها بقيت آثاره بعد مماته، أو دعاء ولد صالح.
وكل الناس يتمنون أن يكون لهم آثار من أعمال صالحة يجري ثوابها لهم بعد مماتهم، ولكن بعض الناس يُؤتى من جهة التفريط والإمهال، وطول الأمل حتى يبغته الموت، أو يبغته مرصد الموت، فلا يستطيع حينئذ أن يقدم ما كان يتمناه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: “وما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين له شيء يريد أن يوصي به إلا وصيته مكتوبة عند رأسه”.. وقال ابن عمر رضي الله عنها “ما بت ليلة إلا وصيتي مكتوبة عند رأسي”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”. رواه مسلم ، وفي هذا الحديث العظيم يبين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن عمل الإنسان ينقطع بالموت ، فإن من مات فقد انقطع عن دار العمل، وانتقل إلى دار الجزاء والحساب، ولذلك فإن الحياة فرصة عظيمة للأحياء في أن يعملوا، وأن يتزودوا بالأعمال الصالحة ، فرصة لأن ينيبوا إلى الله عز وجل ويرجعوا إليه.
وفي هذا الحديث العظيم يخبر النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأن أموراً ثلاثة لا تنقطع بالموت، وإنما يجري للإنسان أجرها وثوابها بعد موته ، نعم إن الموت تنقطع به الأعمال، لكن هذه الأمور الثلاثة لا تنقطع بالموت ، وهى صدقة جارية، والصدقة الجارية هي الوقف والتسبيل في أمور الخير، فما وقفه المسلم لله عز وجل فهو من الصدقة الجارية التي يستمر ثوابها له بعد مماته .
ومما يستمر أجره وثوابه للميت بعد موته: “علم يُنتفع به”، والمراد بهذا العلم: العلم المستمدّ من كتاب الله وسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ويكون توريثه بالتعليم والتأليف والنشر، ونحو ذلك، وكلما كان العلم أكثر نفعاً وأوسع انتشاراً ، كلما كان أعظم ثواباً وأجراً، ويدخل في ذلك من دعا إلى هدى ، فإن له مثل أجر من تبعه، ولو كان ذلك بعد وفاته، ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا”.
وثالث الأعمال التي لا نتقطع بالموت “دعاء الولد الصالح”، وهنا نقف وقفة مع هذا الأمر: كيف اعتبره النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، عملاً للإنسان وكسباً مع أن الدعاء من عمل شخص آخر وهو الولد؟ وقال أهل العلم: إن الولد يعتبر من كسب الإنسان، وفي هذا دليل على أنه ينبغي للمسلم أن يسعى لطلب الولد عن طريق الزواج ، فان الزواج من سنن المرسلين .
وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء”، ثم إنه ينبغي بعدما يرزقه بالولد أن يسعى في إصلاحه وتربيته، وذلك ببذل أسباب الهداية ، وفي هذا الحديث دليل على أن دعاء الولد الصالح لوالديه ينفعهما بعد مماتهما، وأن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة وهي مجمع عليهما، وكذلك قضاء الدَّيْن، بل إن دعاء الولد لوالديه حريّ بالإجابة ، لأن الله عز وجل ، قد أمر به في قوله سبحانه ( وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) .
فعلينا جميعا أن ننتبه جيدا ، أما الأعمال التي تنفعك إذا مُت و وضعت تحت التراب و ولى عنك الأهل و الأحباب فأستمع إليها جيداً و أرهف لها سمعك ثم اعمل بها تسعد في الدنيا و الآخرة ، واعمل بها تفز في الدنيا و الآخرة ، وأما الأعمال التي لا تنفعك فاحذر منها و فرَّ منها هارباً تنجو في الدنيا و الآخرة .
وما ينفع الميت من كسب غيره وهو الصلاة عليه ، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ” ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ” رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: ” ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفّعوا فيه ” رواه مسلم .
وقال ابن القيم: “ومقصود الصلاة على الجنازة هو الدعاء للميت” وأفضل ما جاء من الصيغ وأجمعها حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه وهو يقول: ” اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار “.
وقال الراوي: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت . رواه مسلم .
وأيضا الوقوف عند قبر الميت والدعاء له والاستغفار ، وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: ” بسم الله، وعلى سنة رسول الله ” رواه أبو داود ، ولحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: ” استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل ” رواه أبو داود.
وكذلك الدعاء للميت عند زيارة المقابر، لقوله صلى الله عليه وسلم إذا زار المقابر: ” السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ” رواه مسلم .
وهناك أعمال لو عملها أهل الميت ما انتفع بها ميتهم بل قد تضر ميتهم و تضرهم ، فلا ينفع الميت صياح و لا بكاء و لا نياح و لا عويل بل ” إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ” كما ثبت ذلك عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فإذا مات الميت و قال لأهله قبل موته إذا أنا مِت فابكوا علي أو لم يقل لهم ذلك لكنه يعلم أن من عادتهم أنهم يبكون على الأموات فلم ينصحهم و لم يتبرأ من عملهم و لم يكتب وصية لا مكتوبة و لا شفوية فإنه يعذب كلما بكوا عليه .
وجاء في بعض الروايات أنه يعذب في قبره ، فالبكاء و رفع الأصوات و العويل و الصراخ لا ينفع الميت بل يضره ، نعم دمعة العين و حزن الفؤاد هذا لا يضر إنشاء الله ، ولا ينفع الميت أن نعمل وليمة بمناسبة موت الأب أو موت الزوج و كأنه عرس و ليس موتاً ، وضع الطعام هذا و دعاء الناس إليه بسبب الموت و كأنه وليمة عرس كل هذا من البدع التي كان الصحابة ينكرون عليها .
التعليقات مغلقة.