ماريونيت.. بقلم مرفت شتلة
مغرب ذلك اليوم في بيتنا القديم، تجمعنا في البهو؛ أنا وأمي وأبي وأشقائي حول شجيرات الريحان؛ عطرها الفواح عانق ضحكاتنا، تمايلت أغصانها لنسائم الربيع، وتعالت الأصوات، نغزل من الأمان ستائر، ونوصد أبواب الخوف، ونلوِّن بالحناء أيامنا، ونرسم زهور الفرح على الجدران، باغتتنا دقات طبولها، لتعلن عن سيمفونية الفقد المصحوبة بأغاني الحزن، مات أبي، وفقدنا السند، وانهمرت دموعنا اللحظة التي علمت فيها أنها تجيد العزف فوقنا، ومع الأيام أغرقتنا في بحر من الحرمان، وعقدت ضفائر حيرة وانكسار، وخلعت كل الوجوه حياءها من حولنا، ولم يمر سوى بعض الشهور حتى تعرَّى القريب، وانكشف الصديق، واقتربت كل الأيادي لتنزع ثوب الطمأنينة، لكن تمسَّكنا ببعض حبال الأمل؛ فانتشلت بقايا مهترئة، لتستكمل اللحن.
مرت سنوات وفي عامي الخامس والعشرين، أعلنت التمرد والعصيان، وصلبت جسدي، وتم خطبتي لشاب ثري يمتلك كل شيءٍ، هاجمتني برياح العنفوان، وقبل رحيله عن حياتي، ساقني إلى رحى الندم التي سرقت خمس أعوام، بحثت عن ثوانيهم، عن صور معلقة فوق الجدران، وكأنني خُطفت إلى عالم مجهول، كيف مروا ومتى، لا أدري.
أتممت الثلاثين عامًا، ورغم ذلك لم أُجِد الرقص على النغمات التي يهتز معها كل شيءٍ في الجسد؛ فأسقطتني فريسة لترانيم التصقت بأذنيّ، لنقرات الساعة، ودفوف الأيام، ومزامير السنوات، وعلقت بجسدي حبال، وكأنني عروس ماريونيت، قبضت مفاتيح دموعي فتسقط وقتما تشاء، وتكسر هامتي في أي وقتٍ تريد، حاربت أشباحها، والغيوم التي ألقتها في نهار أيامي.
تعثَّرت لحظاتي وقفزت بسنواتي؛ فتخطيت الأربعين بأعوام، أحمل فوق عنقي أربعة أطفال، وزوج جعلني لعبة يتقاذفها الجميع، سُلبت أحلامي، وتمزقت فوق صخور عمري آمالي، ترنحت بخمر الألم، وتخبطت أفكاري، وفوق بحور الندم رأيتها تطفو من جديد، لتعاند بداخلي اليقظة.
صباح ذلك اليوم، أظلَّنا النهار بمصابيح ضوء لامعة، وشمس شتاء دافئة، تهيأ جنين مارد بداخلي، ونما، حتى حانت ولادته، وجاء الوقت الذي لجأت فيه لصُرات الحيلة، وصندوق المكر.
و قررت أنني سأصارعها، كما يحلو لها، وبدأت حيلتي
فأعلنت الاستسلام، أغلقت صفحات صمودي ورفعت رايتي وسقطت، سرعان ما جذبت حبالها، وقسمت خصري لينحني، وهشمت عنادي، فتمايل جسدي، واهتز رأسي لإعلان أخير، وقهقهت بصوت عالٍ على صورتي وأنا أميل معها.
وبسكين حاد خطَّت فوق جسدي تقاسيم رقصتها، ومع كل عنادٍ تطعنني فيميل جسدي ويهتز يمينًا ويسارًا، وهنا بمكر ادخرته كلما تهيأت، أنحني لها فتمر الطعنة من فوقي ولا تصيبني، نعم أخيرًا تعلمت كيف أتقبل هزائمي بابتسامة النصر، وأتهيأ ليوم نصري، وأجهز فساتين الفرح.
التعليقات مغلقة.