ماهي الومضة القصصية؟ بقلم أحمد فؤاد الهادي
ليس المقصود بالومضة القصصية عبارة تحمل حكمة أو عظة أو مثلا، ولكن يقصد بها صنف أدبي له شروطه وصفاته وطريقته، وفي عجالة نفول:
والمعنى اللغوي لكلمة “ومضة” يوحي بأنها برقة من ضوء مبهر يظهر بغتة ثم لا يلبث أن يختفي تاركا أثره في العيون والصدور. وهكذا هي الومضة القصصية، تحدث إبهارا سريعا بما يحتويه عنوانها ومتنها وما يكون عليه بناؤها وما يبدعه كاتبها من حسن اختياره لمفرداتها وما يبديه من حرفية يحقق بها الإبهار المتبوع بنهاية مباغتة ومدهشة وغير متوقعة.
ولعل التكثيف هو العنصر الذي يرجع إليه اختيار مسمى الومضة، وهو يتطلب من الكاتب سعة الأفق والثراء اللغوي وحرفية بناء النص الأدبي المعبر والموحى مستخدما كلمات محدودة دونما مساس بالمعنى الذي يستهدفه. ومن صفات الومضة القصصية أيضا أن يأتي شطرها الثاني مباغتا وغير متوقع لما أخبر به شطرها الأول، إلا أن كونه مباغتا لا يبعده عن إمكانية تحققه في الواقع.
أما مدلول الومضة أو حكايتها التي توحي بها لقارئها فإنها تختلف من قارئ إلى آخر لنفس الومضة، فهي فقط تشعل فتيل الفكر والخيال فينسج منها كل قارئ نسيجا قد يختلف أو يتفق مع غيره، ولكنها في النهاية تكون قابلة لكل الرؤى ومعبرة عنها حتى تلك التي لم ترد ببال كاتبها نفسه. وقد يخيل للقارئ أن رؤياه هي المقصد الوحيد من النص، ولكنه في ذات الوقت يؤيد وبلا جدال رؤى أخرى رآها غيره لنفس الومضة.
والومضة مثلها مثل كل صنوف الآداب والفنون، وسيلة للتعبير عن مختلف المواقف والأحداث والمشاعر التي يتعرض لها البشر ويتأثرون بها ويؤثرون فيها، ويحوي سياقها وفحواها أحداثا وحكما وعبرا ودروسا يستقبلها كل قارئ طبقا لذائقته الخاصة.
وتلك أمثلة للومضة القصصية (من كتابي: ذئب وجكايات في ومضات) والتي تقع كل منها فيما لا يزيد عن ثماني كلمات:
- حظ: هَزَ بجِذعِ النَخلةِ تَسَاقطَ عَليهِ سَعَفُها.
- فشل: أصر على إصلاح عيوبها؛ صارت عيبه الوحيد.
- غَادِرة: أسكنها حدائق قلبه؛ زرعتها زقوما.
- خِسة: طَعِمُوا وليمَتَه؛ مسحوا أيديهم في سيرته.
- لص: قَطَعُوا يَمِينَهُ حداً؛ سَرَقَ سَيفَهم بشِمَاله.
- أب: انتظرهم بالعيديّة؛ لم يطرق بابه أحدٌ.
- حفيد: كلما لَمَحَ دمعة جَدِه؛ أعطاه لعبته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد فؤاد الهادي – مصر
التعليقات مغلقة.