متفق عليه ، ومختلف فيه …حاتم السيد مصيلحى
الاتفاق أمر واجب الإلزام حول قضايا عقائدية بعينها ، ومسائل علمية بذاتها ؛ لأنها تؤسس لمبدأ أو مجموعة مبادئ فطرية غريزية لايستقيم التفكير دونها ، فوجود الله مثلا أصل عقائدي يتفرع عنه الوجود ككل ، فلولم يعتقد ويؤمن الإنسان بوجود الله ، لفسد مادون ذلك من أمور قد يدركها الإنسان بنظره ، ولا يفطن إليها بعقله ، كمن يعبدون الشمس أوالقمر أو البقر أوماشابه ، فهم يؤمنون ويعتقدون بفكرة الإله المعبود دون إدراكهم لكنه الألوهية ،وجلال الربوبية ، ولكن كبر عليهم معرفة الله دون أن يرونه رؤي العين ، ورفضوا أن يرونه بالنظر القلبي إلى مخلوقاته أو إلى أنفسهم كما قال سبحانه: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21)} [الغاشية : 17-21]
ثم وجود الملائكة على اختلاف درجاتهم ومقاماتهم ، لأنهم الواسطة بين السماء والأرض وعامل مشترك بينهما ، لما أوكل إليهم من مهام ، في الأرض وعلى الأرض ، فالإيمان بهم منبثق عن الإيمان بالله وإنكارهم أو عدم التصديق بهم كفر بالله ، والإيمان بالكتب المنزلة لا يقل أهمية عن الإيمان بالملائكة ، لأنها رسائل الله إلى الأرض والتكذيب بها كفر بين ، والإيمان بالرسل جميعا أمر إلزام لا نقض فيه ولا إبرام لأنهم هم المبلغون بشرائع السماء فعدم اتباعهم كفر ونكران .... وهكذا لقوله سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة : 285]
وقد أيقن الجميع باستحالة التشكيك في تلك الرواسخ والثوابت العقائدية، فاتبعوا خطة موضوعة و مدروسة لضرب الثوابت من خلال الفروع لزلزلتها وزعزعتها دون المساس بها ظاهرا ، فكانت البداية التراث القديم وضرورة تنقيته من الغث الردئ ، مرورا بأكابر العلماء أصحاب المذاهب والطعن فيهم ، وصولا للسنة في أصدق كتبها ، ليحولوا الدفة من المتفق عليه إلى المختلف فيه ، وتناولهم للسند جرحا وتعديلا ، والمتن تشكيكا وتكذيبا ؛ ليصلوا في النهاية لغايتهم الكبرى القرآن الكريم ، ولم لا وأصل التواتر واحد ، ثم إلى الكعبة المشرفة بالتشكيك فيها باعتبارها من عادات الوثنيين القدامى، فبذلك يعود الدين غريبا كما بدأ غريبا وتصدق نبوءة حبيبنا صلى الله عليه وسلم، فاللهم انصر ديننا وثبت أقدامنا ولا تخيب فيك رجاءنا .
بقلم: حاتم السيد مصيلحي
التعليقات مغلقة.