مجموعة قصص تائهة بقلم مرڤت البربري “ما عاش”
لملمت أصابعها ستار الليل الثقيل، أشاحته لتسمح لأشعة الشمس الذهبية التي تنقر زجاج النافذة بالدخول، فتملأ جدران غرفته..نورا .. وراح كفها الرقيق يربت على كتفه وهمس صوتها يتسرب من أذنه إلى رأسه فيغزل حلما صغيرا… يراها تقف على شاطئ البحر تناديه وقد أختفى الشعر الأبيض من مفرقها، فيخرج شاب يشبهه من بين الأمواج ملوحاً لها بيديه هاتفا باسمها، يستيقظ وهو يردد اسمها..
يحاول إقناع جفونه أن تفترق عن بعضها، مبتسما يخبرها بحلمه، تعلو ضحكتها..
- بحر الوظيفة اللي كنت غرقان فيه يا حبيبي وسايبني هو دا اللي خرجت منه.
- تفتكري هوا كدا.. طيب وليه صغرنا ورجعنا تاني شباب.
قالت وابتسامتها مستقرة على شفتيها : - لاننا واحنا صغيرين ما عشناش شبابنا… عوضته في الحلم..
انه أول يوم في عمره الجديد بدون عمل.. (المعاش).
هكذا أطلقوا عليه.. سن المعاش.. ولكن.. كيف سيعيش بدون عمل..
فكّر في الأمر كثيرا طوال عام مضى، ولكن تفكيره الطويل لم يُنبِت برعما يمكن أن يكون له ثمرة تُشبِع أو تسمِن جوع أيامه القادمة للعمل.
ها هو وحده وزوجته في بيتهما، هذا البيت الذي عاش فيه كل عمره مع أبويه واخوته…ولم يتركه بالزواج ليتولى رعايتهما كونه الابن الأكبر..
وشهِد ثلاثين عاما هي عمر زواجهما..
وربى معهما ابنهما الذي ورث ملامحه، وبنتان تشبهان أمهما كثيرا في شكلها..
حدث هذا بفعل الجينات الوراثية، أما بفعل الزمن وتغيراته كان الأبناء أبعد ما يكن عن التشابه مع والديهما.
قاطعت شروده قائلة : - تحب تتغدى ايه النهاردة.
- الأولاد..
لم تستطِع كبح جماح ضحكة عالية لم يعتادها منها. .فهي محافظة لأبعد حدود.
اعتذرت عن الضحكة.. وأردفت
-عاوز تاكل الأولاد..
-عاوز أشوفهم.. اتصلي بيهم ييجوا بأولادهم..
في المغيب حضروا جميعاً..
لوحت له دمعاتها.. ورأته كأنه يقف بين الموج ملوحاً بالوداع.
تلاشى مشهده شيئاً فشيئاً..
ولازالت دمعاتها تلوح للموج حتى حل عليها المساء.
التعليقات مغلقة.