” مجهولة المصدر “محمود حمدون
” مجهولة المصدر “
محمود حمدون
أول أمس , وردت إليّ رسالة ” اليكترونية ” مجهولة المصدر , تدعوني بكلمات راقية لحضور حفل يرتع فيه لفيف من الخاصة, قلّما يدعوني أحد لمثل ذلك , رحّبت بالدعوة على حذر , قبيل الذهاب بسويعات , تأنّقت كما لم أفعل من قبل , فلست أدري من سأقابله هناك !, لربما عُلية القوم أو زملاء من العمل أو رؤسائي و من يعلوهم من الهامات أولئك الذين ترتعد فرائصي لمجرد مرورهم بخاطري.!
لم أنس أن أتعطّر , زجاجة غالية الثمن أهديت إليّ قبل فترة طويلة , أحتفظ بها بين ملابسي , أضنّ على نفسي أن استعملها , كلما هممت تخاذلت , استعذت من وسوسة الشياطين و من لفّ لفّهم من شرار الناس , فأعيدها إلى مثواها , تفوح من بين ثناياها رائحة طيبة تبعث بداخلي تفاؤلاً غامضاً.
ذهبت للحفل , مرتدياّ حلُة المناسبات ,ناصعة, زرقاء اللون , نادرة تلك المرات التي تشرّف بها جسدي , كما سكبت كمية لا بأس بها من سائل التلميع على حذائي الأسود , لما لا فهل سأذهب منتعلاً إياه باهتاً كئيباً ؟!
اقتربت من الميدان الصغير المنزوعة منه الخًضرة , و قد أصبح مأوى لصناديق القمامة لجميع الأحياء المجاورة , على البُعد لمحني سائق ” تاكسي ” فهُرع إليّ , معتقداً بيقين لا أعلم من أين أتاه أنني ” زبون ” جيد , فرصة طيبة للاسترزاق..
وقف قبالتي , هبط من سيارته , فتح الباب الخلفي بأدب : أتفضل يا سعادة البك .. أسقط في يدي , أجزم أن تكلفة السيارات الأجرة الخاصة عالية , عبء لا أطيقه و أمثالي , فلعنت في سرّي من دعاني للحفل و دعوت عليه بما استراح له قلبي , راجياً أن تكون من نصيبه .
أفقت على صوت السائق , حاولت أن أعتذر له بأدب مماثل لأدبه ففشلت , فالفقراء من بني جلدتي لا يجيدون النفاق إلاّ سعيًا وراء لقمة العيش أو هروبًا من العسف .
قلّبت جيوبي , أدرت الفكرة في رأسي , همست لنفسي : تلك مخاطرة من بدايتها , لما لا أستمتع باللحظة ! , أعيشها كما يحياها غيري , قبضّت على بضعة “جنيهات” في جيبي , مخافة أن تفرّ منيّ …. انطلقت السيارة تتلوى في الطريقة بنعومة لم أعدها من قبل , حتى أشرفت على الوصول ..
عدّلت هندامي في مرآة أمامية للسيارة , سوّيت بضعة شعيرات في رأسي تأبى أن تجاور رفيقاتها أبداً , ثم سمعت نغمة تنساب من هاتفي المحمول , تلك التي تعلن عن وصول رسالة نصيّة , قرأتها : نعتذر عن إلغاء الحفل , سنوافيكم بالتفاصيل لاحقاً.
التعليقات مغلقة.