” محاولة خائبة ” محمود حمدون
” محاولة خائبة “
محمود حمدون
====
لعلها المرة الأولى والأخيرة التي أسمع فيها صراخ كهل على مشارف شيخوخته , أسرعت مع كثيرين لنجدته لربما مكروه أصابه ,ربما عارض مفاجئ أو لدغة هائم في الظلام .
رغم قصر المسافة حتى بيته إلاّ أن عويله باعد بيننا و بينه كبُعد المشرق و المغرب فكلما اقتربنا أصمّنا بكاؤه فشقّت علينا المسافة , أخيرا اقتربنا , تجرأ أحدنا بعد تردد ,قرع باب بيته و نحن خلفه ترتجف أفئدتنا.
فتح الباب , فرأينا شبحًا لرجل عرفناه فترة ثم اختفى و اعتزل الناس , شاعت حوله أقاويل تقترب من الأساطير عن ثروة جمعها بعرق الجبين , و زيجة من شابة تصغره قرابة خمسين عاما , تفوق نسوة و فتيات الحيّ جمالًا ورقة , فخاف الناس على ثروته , خشي على نصفه الآخر من عيونهم.
عاش عُمره يقفز برشاقة بين رغبات الأقارب و الجيران من حوله و مطامعهم, فلم يظفر أيّ منهم بما يبلّ ريقه من مال يسد عين الشمس , كما يأس اللصوص بعد عشرات المحاولات في تسوّر بيته فعفّوا عنه , زهدوا في ماله بخيبة أمل أحاطت بهم فاعتزل أغلبهم وتاب نفر منهم غير قليل .
كلها أراجيف قيلت حوله و عنه , حتى أضحت غيمة كبيرة تظللّ بيته , تلفّ صاحبه بهالة من الرهبة منعت الغرباء و قبلهم نحن من الاقتراب منه.
حتى تلك الليلة التي سمعنا فيها صراخه , تناهى إلينا أنينه فأسرعنا رغبة في المعرفة , أمنية كبيرة سرت بأبداننا بزوال ثروته أو ذهاب عقله .
خرج إلينا جاحظ العينين عاري الصدر حافي القدمين يحمل بيديه “دُمية ” كبيرة من قماش , تتدلى رأسها على صدرها نتيجة محاولة خائبة لانتزاعها من مكانها , كان يحملها بيده اليسرى , و يمناه تنهش فروة رأسه و يسيل أنفه , ينبعث من صدره أنين, سألناه مالك ؟ ماذا حدث ؟
دون إجابة ألقى إلينا بدُميته ثم دخل و صفق الباب في وجوهنا .
التعليقات مغلقة.