مدينة الملاهي قصة قصيرة بقلم /محمد الدولتلي
تسابق سكان القرية في هذا اليوم لمشاهدة الحدث الجديد عليهم ولا يسمعون عنه إلا في المدن التي لا ينتمون إليها، إقامة مهرجان مدينة الملاهي على أطراف القرية هو أمر لم يتطرق إلى أحلامهم من قبل، فهي من الأمور التي ترتبط معهم بالجولات السياحية في المدينة التي يقومون بزيارتها متجاهلين ازدراء وسخرية أهلها منهم.
الأضواء المبهجة مختلفة الألوان والأصوات العالية مابين الصيحات و الضحكات و المعازف والغناء و الألعاب و البضائع الرديئة التي تباع بأضعاف قيمتها سحرت وجدان أهل القرية وكأنهم دخلوا عالم خيالي من عوالم الأساطير، أزياء الغجر الغريبة ذات الألوان الصاخبة وكذباتهم المصتنعة المكشوفة في التهويل من إمكانياتهم وإمكانيات بضاعتهم جعلت أموال المبهورين تتسلل من جيوبهم التي كانت مربوطة بإحكام داخلها بسهولة ويسر.
في ركن من المهرجان يتسلل إليه القليل من الأضواء والأصوات وقفت العجوز الغجرية تعلن عن بضاعتها العجيبة من عجائب الزمان والتي حصلت عليها من أرض الجن، إنها مرآة الحقيقة، لها القدرة على أن تنقل صورة النفوس من الداخل متجاهلة المظهر الخارجي، داعية من يملك الشجاعة لمواجهة صورته الحقيقية.
جذب صياحها انتباه الفضوليين للتجربة، وبدأوا في المرور أمامها، بدأت صور المرآة العجيبة تظهر لكل شخص أقدم على التجربة.
صورة لشيطان يرتدي جلباب وعمامة شيخ المسجد، صورة لمخلوق صغير بشع أثارت فزع صاحبتها المغرورة بنفسها وبالأخص لما وجدت غولا أبشع منظرا يربت على كتفها مما جعلها تنزع يد والدتها برعب منقطع النظير.
صورة لجسد هزيل قام بحشو القطن والقمامة داخل ثوبه حتى يناسبه، وصور أخرى صادمة جعلت أصحابها مابين الفزع تارة والسخرية لإخفاء ارتباكهم تارات أخرى.
ثم ظهرت صورة ملائكية غطي ضؤها على أضواء المهرجان و أجبر الجفون على الإنسدال على الأعين من شدته، التفتوا باحثين عن صاحب هذه الصورة، لم يجدوا إلا الفتى الأبله مثار سخريتهم، ذلك الفتى الذي لا يحلو سمر أهل القرية إلا به عندما يقومون بدفعه لفقد أعصابه دفاعا عن نفسه من ألسنتهم الثقيلة وتصرفاتهم معه التي لا تعترف بأن له مشاعر.
إحتبست النكات السخيفة في حلوقهم ولم تستطع الخروج لتفجير الضحكات المقيتة التي تذبح قلبه.
تزاحموا بعنف وجلبة عالية مغطية على صوت صرخته، ثم تفرقوا في لحظات تاركين جثته بين زجاج المرآة المحطم تعلوها آثار الأحذية .
التعليقات مغلقة.