مركب النقص المصري لكيرميت روزفيلت… ترجمة: .د أحمد دبيان
EGYPT INFERIORITY COMPLEX …مركب النقص المصري
بقلم كيرميت روزفلت ….ترجمة : د. أحمد دبيان
نشر المقال بمجلة هاربر عام ١٩٤٧
ترجمة د.أحمد دبيان
( كيرميت روزفلت ضابط مخابرات امريكى كان منسقا لانقلاب الشاه على الدكتور مصدق فى العملية آجاكس ، وكان رجل المخابرات الامريكية فى مصر والشرق الاوسط فى سنوات ما قبل ثورة ١٩٥٢ والذى حاول الملك فاروق الاتصال به عن طريق عامل اللاسلكى لطلب دعم حكومته بعد تحرك الضباط الاحرار والذى اتصل بعد نجاح الحركة بمجموعة الضباط واستخدمه ناصر لخلق توازن مطلوب وقتها مع حرب التحربر من البريطانين ومفاوضات الجلاء .
نرصد فى مقاله الذى تم نشره فى مجلة هاربر عام ١٩٤٧ قدره تحليلية نافذه وعمق ثقافى رفيع ورصد دقيق جدير بضابط مخابرات متميز )
المقال :
( فى سنوات قليلة لن يبقى سوى خمسة ملوك فى العالم ، ملك انجلترا والاربعة ملوك فى ورق اللعب )
كانت هذه هى المقولة المفضلة التى لا يفتأ فاروق الاول ملك مصر ان يكررها فى شغف ، وكونها تأتى من ملك كانت تلقى القبول والاهتمام من السامعين.
فى القرن العشرين كان العالم العربى اكثر تحملا للانظمة الملكية مقارنة باى مكان آخر على خريطة الكرة الأرضية .
فى تعداد الانكماش السريع للانظمة الملكية كانت اربعا منها تقع فى المنطقة العربية ، الراعى المخضرم للصحراء عبد العزيز آل سعود ، الملك الولد فيصل ملك العراق ، وعمه الكبير عبد الله الذى تمت ترقيته من امير شرق الأردن الى ملك المملكة الأردنية الهاشمية ، اضافة لفاروق نفسه .
( ولربما يمكن اضافة امام اليمن فى المملكة المتوكلية كملك خامس )
اذا ما صدق فاروق فى توقعاته فان هناك عواصفا سياسية قادمة فى منطقة الشرق الأوسط.
هذه النقطة بالذات يتفق عليها الكثيرون من المحللين واصحاب النبؤات السياسية ، فان عواصف فى الشرق الاوسط ستجعل الكثيرون يهرولون بحثا عن ملجأ أو ملاجئ نووية فى مناطق أخرى من العالم .
بالطبع قد تكون هذه دعابة من فاروق وهو المشهور بالدعابات والهزل اللامعقول .
قد يتم التهوين من بعض اصحاب هذه النبؤات السياسية مثلما تم التهوين من كاسندا بنت بريام ملك طروادة ونبؤاتها ، عن طريق محللين كثيرين اكثر تفاؤلا ، ولكن التخمينات تجعل مصر مكانا جديرا بالاهتمام والدراسة .
مصر بلد التناقضات العظمى ، والتى قد تعم فيها الفوضى والعنف ، وان دراسة فاروق نفسه تمثل نقطة انطلاق أساسية لدراسة بلد مثل مصر .
فاروق رجل صغير السن وان كان يبدو مظهره اكبر من عمره الحقيقى يحاول ان يحكم بلدا عريقا لم تتغير احواله كثيرا منذ الفراعنة .
ملك مصر ( لا يوجد ذكر للسودان ) رجل بدين اصلع يبدو عمره اكبر كثيرا من اعوامه السبعة والعشرين ، كان ملكا لاحد عشر عاما فيهم ، ولكن فى الآونة الأخيرة اصبحت حياته السياسية مثارا للاحراج والنقص ،وربما للتعويض عن هذا اصبحت حياته الاجتماعية شديدة النشاط ، تحاول اجهزة اعلامه تزيينها .
ورغم ان الاحراج السياسى يتأتى فى المقام الاول من مظهره ولكن المصورين وباشراف الديوان الملكى يحرصون على ابرازه فى احسن تصوير .
فاروق هو الولد الوحيد ضمن ستة اخوات وكان والده الملك فؤاد يتفاءل بحرف الفاء فإن اخته غير الشقيقة الكبرى تدعى فوقيه وشقيقاته الاربعة الاخريات فوزية ( وهى حاليا امبراطورة ايران ولكنها انفصلت عن زوجها ) وفائقة وفتحية .
وقد غيرت زوجته اسمها لفريدة بعد الزواج ، ولتكملة النمط الحرفى تمت تسمية بناته بفريان ( هكذا وردت فى النص ويقصد بها فريال ) وفوزية وفريدة .
ومثل معظم المصريين الموسرين سافر فاروق كثيرا الى اوروبا وقد كان يدرس فى انجلترا حين انهت ظروف وفاة والده استكماله لدراسته .
وكمثل كثير من المصريين الأثرياء فاروق لم تكن اصوله مصرية ، فالاسرة الملكية جاءت من نسل محمد على وهو البانى كان فى خدمة الاتراك الى ان نجح فى الثورة ( رغم ان حركة محمد على كانت بالتعريف تمردا عسكريا الا انه استخدم تعبير الثورة لا الانقلاب ) على الخلافة العثمانية المتهاوية .
ومن الاهمية ان نورد ان علاقات فاروق مع الانجليز كانت انعكاسا لعلاقات بلاده مع انجلترا.
كان للانجليز الدور الأكبر فى تكوين شخصية فاروق ، وشخصية مصر الحالية . كان فاروق الصبى طفلا فخورا ذكيا ، يعى جيدا كنهه كملك وان بلاده قد نالت استقلالها حديثا .هذا الاستقلال الذى كان منصوصا عليه بشروط فى معاهدة ١٩٣٦ والتى كانت على طاولة التفاوض حين جلس فاروق على العرش ….وتم توقيعها رسميا بعد اشهر قليله من تنصيبه ملكا .
كان من نتائج هذه المعاهدة ان المندوب السامى البريطانى فى مصر والذى كان له الدور الاكبر فى حكم مصر كان ليتم استبداله بسفير مثل باقى سفراء الدول ولكن ولسوء الحظ ولمصالح انجلترا فى البلاد ظلت انجلترا محتفظة بمندوبها السامى السير مايلز لامبسون او اللورد كيلرن كما رسم لوردا فى بعد .
لم يقبل ابدا السير مايلز لامبسون اى مساس بوضعه او تغيير فى وضعه وظل يعامل الملك كأن لم يستجد اى واقع سياسى على الارض . كان فاروق مثل طالب مدرسة فى يد مخادع يتخذ الحنان مظهرا ولكن يستخدم العنف المفرط عند الضروره.
جاءت ذروة الايقاع يوم ٤ فبراير عام ١٩٤٢ ورومل على مشارف الاسكندرية يكاد يلقى بالجيوش الانجليزية خارج الوادى و الدلتا وخلف قناة السويس وما بعدها . ارتبط اللورد كيلرن سواء صوابا او خطأ بقناعة تنصيب النحاس باشا زعيم الوفد كرئيس للوزراء لتهدئة وتأمين الجبهة الداخلية ، على الطرف الآخر رفض فاروق ذلك، فلم يكذب كيلرن خبرا .
كان لابد للولد على حد تعبير لامبسون ان ينال تنكيله .
كان لابد من تقريع الولد الجالس على العرش كما كان ينظر اليه المندوب السامى فاقتحمت الدبابات البريطانية ساحة قصر عابدين مصوبة فوهاتها نحو ابوابه ،واقتحم كيلرن القصر حاملا ورقة بيده بها مرسوم تنصيب النحاس ينقصها توقيع فاروق .
تم التوقيع على الورقة ولكن لم يغفر المصريون للبريطانيين هذا ابدا وظل كره فاروق للنحاس حتى مع توطد اواطر صداقته مع السفير البريطانى الجديد بعد رحيل لامبسون .
لم يكن كليرن ليسمح لفاروق ان يمارس دوره كملك حقيقى ولهذا فان فاروق كان يعوض هذا بالمغالاة ،فان لم يكن مستطيعاً ان يعين رئيس وزرائه فليكن تعويضه بان يقود سياراته العديدة باقصى سرعة فى شوارع القاهرة ، وان القانون ان كان ليطبق فليكن مقصورا على العامة .
فى مدينة تتناقل فيها الاخبار والنميمة مثل القاهرة كانت الاخبار تتناقل عما يحدث اذا ما ابدى الملك اعجابه بشئ ما فيصبح من الواجب الحتمى ان يحصل عليه مهما كان اعتراض المالك الاصلى .
ظل الاجانب يعاملون كسادة فى مصر ولم يكن هذا محل قبول للمصريين فهناك حكاية مشهورة عن امرأة بلجيكية تجاوزت اثناء حوار مع ابن احد الساسة المصريين فقالت ان المصريين حمقى ان يطالبوا برحيل الانجليز ، فبادرها غاضبا وبأى حق تتحدثين كذلك فقالت انا هنا لى حقوق اكثر منك واستطيع ان اطردك فانا مالكة هذا المكان ، ولم تكن وقتها تدرى من هو فقام الفتى النافذ بالاتصال بقصر عابدين حيث تم ترحيل السيدة
( ماذا لو كان من العامة ؟!!!)
فى زمن محمد على الكبير كان عدد تعداد المصررين ٢ مليون نسمة واليوم ( عام ١٩٤٧ ) يبلغ تعداد السكان حوالى العشرين مليونا رغم هذا لم تتسع الرقعة الزراعية لتستوعب تلك الزيادة فى شعب يعتمد بالأساس على الارض وانتاجها .
ان واقع ان بلدا ما ذى كثافة سكانية عالية لا يعنى بحال ان اهلها يعانون العوز والفاقة ،
فبلجيكا على سبيل المثال ورغم كثافتها السكانية العالية بلد غنى ، ولكن مصر على النقيض تماثل الهند اكثر من بلجيكا ،فمتوسط دخل الفلاح المصرى اذا حالفه الحظ حوالة عشرة قروش ( اربعون سنتا ) يوميا وتبقى الارض والمحاصيل التى يزرعها ليست ملكا له ، يعيش حوالى ٩٥% من الشعب فى فاقة وعوز وثمانون فى المائة منهم اميون .
تنتنشر الامراض المتوطنة فى مصر والطفيليات مثل الدوسنتاريا والملاربا والفيلاريا المسببة لمرض الفيل والتى تنتقل عن طريق الناموس .
يعانى الكثير من المصريين من امراض العيون وان اكثر من تسعين فى المائة من المصريين يعانون من التراخوما ( كتب علماء الحملة الفرنسية فى وصف مصر انها ارض العيون الجنسية او الناعسة
La Tere des yeux sexuese
لارتخاء جفون معظم المصريين بسبب اصابتهم بالتراخوما )
وتشكل البلهارسيا بدوراتها الحياتية المهدد الاكبر لحياة وصحة المصريين وتشكل نسبة الاصابة بها اكثر من ٧٥% من تعداد السكان.
نعود لفاروق والطبقة الحاكمة والتى تمثل اقل من خمسة بالمائة من تعداد السكان وتملك اكثر من ٩٥% من ثروات البلاد .
وبينما يحيا الفلاح مع عائلته وحيواناته من الجاموس والماعز والحمير فى اكواخ الطين اللبن ( الطين النيئ) يتم وضع المواشى فى افضل اركان البيت لينزوى هو وعائلته فى ركن صغير . على الجانب الاخر يبلغ دخل الملك السنوى اكثر من مليون جنيه وله من القصور قصران فى القاهرة وآخران فى الاسكندرية ، وواخد فى انشاص واخر فى حلوان ، هذا بخلاف عقارات وممتلكات اكبر من ان يتم احصاءها حسب واحد من العاملين بالقصر .
ولربما يترك احد الباشوات من مخلفات موائد وليمة واحدة مما لا يمس ما قد يطعم فلاحا وعائلته لمدة اسابيع. ومع رحيل الانجليز يفقد الاثرياء المصريون والذين لا يمتلكون اى وعى اجتماعى او طبقى اى عذر لتبرير البؤس العام الذى يعانى منه غالب المصريين والتى كان يتم تحميلها للاحتلال والبريطانيين .
والى ان يتم حل الامور المعلقة مثل وجود القوات البريطانية فى قاعدة قناة السويس و مستقبل السودان البريطانى المصرى سيظل الديماجوجيون يسعون الى الشهرة عن طريق تحميل الاحتلال البريطانى مسئولية الحال المزرى فى البلاد بدلا من مواجهة المشاكل الحقيقية لمصر . وسيظل محاولة العمال نيل حقوقهم ينظر اليها كاضطرابات شيوعية .
فى الوقت الحالى لا قيمة حقيقية للأحزاب السياسية المصرية . والحكومة الحالية برئاسة محمود فهمى النقراشى باشا هى ائتلاف ما بين الليبراليين والسعديين ، ورغم ان النقراشى يتسم بالأمانة والقدرة الا ان حكومته عموما تتسم بالضعف .
تكمن المعضلة الاساسية فى المسألة الحزبية فى مصر والتى تختلف التجربة الديمقراطية فيها عن انجلترا انه وحتى بفرضية وجود اى انتخابات حره بدون اى ضغوط فان نسبة ضئيلة جدا ممن لهم حق التصويت يشاركون فى الانتخابات، هذا بالاضافة الى صعوبة رصد الشعبية الحقيفية لاى حزب فالجماهير المصرية يسهل حشدها وتعبئتها واثارتها بحيثريمكن ان نكون شعبية حزب ما صفر لتتحول الى مائة فى المائة خلال ايام قليلة ولهذا فان وجود تنظيم حزبى قوى صار ضرورة ملحة .
وللاسف فان السعديين والليبراليين الذين يدعمون النقراشى يفتقدون هذا التنظيم الحزبى الجماهيرى القوى . ولهذا فان التيارين لا يستطيعان حشد الأغلبية مثلما يستطيع اقوى حزبين منظمين فى مصر واعنى بهم الوفد والإخوان المسلمين .
كان للوفد تحت قيادة محرر مصر سعد زغلول شعبية عريضة ، ولكن بوفاته انتهى الحزب وسقط رفاقه، وبقى النحاس، والذى كان مكروها جدا من الملك بعد ان ارغمه اللورد كليرن على تكليفه بتشكيل الوزارة فى حادثة ٤ فبراير الشهيرة .
وبعد اعوام عديدة فى السلطة ضرب الفساد حكومات الوفد وفرضت الرقابة التى كانت تمنع حتى نشر اى كاريكاتير فى الصحف يمس قضايا الفساد او قطاع الطرق للخوف ان تفهمه الجماهير انه اسقاط عليها . استطاع فاروق فى النهاية وبعد صعوبات تفاوضية مع الانجليز اسقاط النحاس ، وعلى الرغم من تميز الحكومات اللاحقة لحكومة النحاس بانها اكثر امانة الا انها لم تكن فعالة او مؤثرة .
ولكن لان ذاكرة الجماهير سريعة النسيان فسرعان ما استطاع النحاس تجميع صفوف الوفد رغم الفساد ويتوقع بعض المراقبين اكتساح الوفد الانتخابات بنسبة ٦٠% بالأغلبية اذا ما تم اجراء انتخابات حرة . ولكنه من الصعوبة بحال ان ترغم الظروف فاروق ان يكلف النحاس بتشكيل الوزارة مرة أخرى ولا يوجد فى حزب الوفد شخص اخر ينافس النحاس من الممكن تكليفه ( تم تكليف النحاس بتشكيل الوزارة عام ١٩٥١ والتى الغى فيها معاهدة ١٩٣٦ والتى كان هو عراب توقيعها من قبل )
كان الوفد يعانى من الشيخوخة والفساد ، ورغم وجود جناح يسارى فى الوفد من الشباب ولكن تظل الهيمنة لكبار السن والاقطاعيين والذين يرسخون لمصالحهم وثرواتهم ، والذين ما كانوا بحال ان يتلمسوا نبض الشارع او يعملوا لمصالحه.
وعلى العموم لن يصل الوفد الى الحكم فى وجود النحاس وسينتهى الحزب بوفاته .
على الطرف الآخر يتلهف حزب جماعة الاخوان المسلمين لإختراق الشارع وتجييش الجماهير ،
تمثل جماعة الاخوان حزبا فتيا عنيفا يقوده ديماجوجى عصبى خطيب مفوه هو الشيخ حسن البنا . يتكون معظم اعضاءه من الطلبة والحرفيين .
يتسم الحزب بالتطرف الدينى ورفض الآخر والتهييج وهو حزب شديد التنظيم ويقوى باستمرار .
كان النحاس يعارض الاخوان باستمرار ولكنهم نالوا الدعم من السعديين ( والملك ) لسحب الجماهيرية من الوفد .والى الان تقوم الحكومة بالدفع لحسن البنا لشراء سكوته وتوجيه عنفه التى الوفد فقط ، ولربما يأتى اليوم الذى سيدرك فيه النقراشى وخلفائه انهم وبدعمهم للاخوان كمن صنع فرانكشتاين بيديه ( بعد ان اصدر النقراشى باشا قرار حل جماعة الاخوان تم اغتياله بفرد من التنظيم الخاص وبامر من البنا الذى تم اغتياله فيما بعد ردا على اغتيال النقراشى وبواسطة تنظيم الحرس الحديدى الذى انشأه الطبيب يوسف رشاد بتكليف من الملك ).
لا يوجد فى مصر حزب شيوعى علنى ،ولكن يتم اتهام الجناح اليسارى فى الوفد بارتباطات شيوعية ،مثلهم مثل حزب العمال الذى أنشأه البرنس عباس حليم .
والبرنس عباس حليم جنتلمان رياضى يقود الطائرات ويهوى الصيد وقد كان طيارا فى القوات الجوية الألمانية فى الحرب الاولى ولكن لا احد يأخذ حزبه على محمل الجدية .
هناك حزب يسارى حديث يدعى حزب مصر الفتاة بقيادة أحمد حسين والذى اطلق بشارة حزبه فى امريكا باعلانات مدفوعة الاجر فى الصحف .
كان حزب مصر الفتاة وحتى هزيمة قوات المحور حزبا فاشيا شديد اليمينية ويصعب قبول تحوله اليسارى بجديه ولكنها سمة التحولات الكبرى التى تميز الأحزاب المصرية .ومن الواضح ان مصر لا يمكن ابدا ان تتحول لديمقراطية فورية باى حال من الاحوال لانه من الصعوبة ان نتوقع من شعب يعانى ثمانون بالمائة منه من الأمية اضافة الى الامراض المتوطنة والطفيليات التى تمتص دماءهم وهم على شفا حفرة من المجاعة يستطيعون العمل بالكاد من الصعب ان نتوقع ان تكمن فيهم الطاقة او ان يكتسبوا مهارات التطبيق الديمقراطى .
ومن الواضح ايضا انه وبالرغم من ان الشيوعية لم تحقق تقدما ملموسا فى مصر الا ان الاحوال الموجودة تمثل دعوة مفتوحة للدعايات السوفيتية .
هذا هو الجانب المظلم من الصورة ولكنه لا يعنى انه الجانب الوحيد، هناك الكثير من االضوء الذى نستطيع ان نتلمسه ونراه .
(القاهرة مدينة عاصفة الرؤى حيث ينقسم المجتمع لاصحاب الرؤى القاتمة السواد او على النقيض لمن يسرفون فى التفاؤل .
لا يوجد هناك من يسمع او يرى ويفكر بعمق.
يحاول المصريون جاهدين ان يدفعوا عن انفسهم تهمة ان الثروة المتناقصة هى بسببهم ،وانهم ولقرون كانوا تحت حكم أجنبى . وبالرغم من انه وفى القرن التاسع عشر وتحت قيادة محمد على استطاعوا الحصول على استقلال نسبى من الاتراك وكان هناك مشروعا نهضويا تجلى فى نظم الرى ، الا ان المطامع الاجنبية تزايدت ، وسيطر الانجليز بالاحتلال على مقدرات هذا البلد منذ عام ١٨٨٢ وعلى الاقل حتى عام ١٩٣٦ ، لم تحصل مصر على دستور الا عام ١٩٢٣، والتى اعطت مظهرا للحكم الذاتى ،ولكن وبمقتضى هذا الدستور والذى ما يزال فعالا، يستطيع الملك والذى يستطيع تعيين او عزل رئيس الوزراء ان يحكم عن طريق مجلس الشيوخ ومجلس النواب والذى يعين الملك خمسى اعضاء الاول بينما ينتخب الناس اعضاء مجلس النواب .
وبالرغم من الدستور لم يفقد البريطانيون نفوذهم وتحكمهم فى القوى والحكم .
وبمناقشة التقدم الاجتماعى يراقب المصريون الموازنة باهتمام مقارنة بالماضى ،فعلى سبيل المثال ، وفى عام ١٩٢٤ تم تخصيص حوالى نصف مليون جنيه للتعليم الحكومى
( الجنيه يساوى حواى اربعة دولارات امريكية )
( كان نظام بريتون وودز والذى جعل للدولارالهيمنة الاقتصادية فى السنوات اللاحقة لم يكمل عامه الثالث وكان الجنيه المصرى لم يخرج بعد من اسار الاسترلينى .)
واليوم وزارة المعارف العمومية لها ميزانية سنوية تبلغ عشرة ملايين جنيها مصريا ،
وبينما بلغت موازنة الصحة عام ١٩٢٤ مائتى الف جنيهة ارتفعت لتصل الى ثلاثة ملايين جنيه عام ١٩٣٦. وبعد معتهدة ١٩٣٦ ارتفعت ميزانية الصحة لتصل الى ثمانية ملايين جنيه عام ١٩٤٧ /١٩٤٨ وخصوصا بعد تفشى وباء الكوليرا ، تم توجيه ٢ مليون جنيه منهم لحملات خمس سنوية ضد الفقر والمرض .
فى هذه الحملات للنهوض بالقرية حدث بعض التقدم فى مصر فتم انشاء مشاريع المباة الحلوة لتحمل الماء النقى للفلاحين وللمرة الاولى فى التاربخ . بتم بناء المدارس الابتدائية والثانوية فى اماكن كثيرة من الدولة . وبدأ انشاء مراكز صحية وانشاء كوادرها لتغطى الريف والقرى التى كانت خارج اى منظومة للتخطيط.
كان التقدم ملحوظا فى مجال الصحة العامة وتم توجيهة حملات ضد البلهارسيا وتوجيه الجهود للتخلص من القواقع حاملة المرض، تم تطهير الترع والمصارف والتى ترعى فيها القواقع حاملة المرض،وعلاج المصابين الذين هم مصدر المرض والذى كان يلقى صعوبات جمهة تتمثل فى الاحتياج لشهر من العلاج بحقن الطرطير المقيئ
والذى كان يسبب اعراضا مؤلمة اضافة ان له اضرارا جانبية عديدة .
ولان الفلاحين كانوا اجراء ولا يتحملون هذه الاعراض التى تعيق عملهم مصدر طعامهم فكانوا فى الاغلب لا يكملون مدة العلاج.
الامر الاخر ان العلاج الكامل النسق كان يسبب الوفيات بمعدل واحد فى الألف .ولان موت مريض يدمر سمعة الطبيب المعالج احجم كثير من الاطباء على اكمال مدة العلاج الكامل لتحقيق الشفاء التام .
ايضا هذا هو العام الاول لمصر بلا اوبئة ويعزو العديد من الاطباء هذا للتوسع فى استخدام ال DDT
ال د.دت .
والان يتم جدولة القرى و الناس والملابس والمنازل للرش كل شهرين بمبيد الد د. د .ت
نتيجة لهذا وفى منتصف مايو ١٩٤٧ ظهرت فقط ٥٤ حالة من وباء التيفوس مقابل ١٢٠١ حالة فى ذات الوقت من عام ١٩٤٦
وفى عام ١٩٤٣ بلغت حالات الاصابة من التيفوس اربعون الف حالة ،
اما عن حالات الاصابة بالحمى الناكسه
relapsing fever
بلغت حالات الاصابة ١٦٦ حالة هذا العام مقابل ٧٧،٥١٩ حالة فى عام ١٩٤٦.
اما عن الطاعون فكان تعداد الاصابة به حالتتين مقابل ٧٦ حالة عام ١٩٤٦ و٦٤٤ حالة عام ١٩٤٤.
( فى نفس عام نشر المقال اجتاح وباء الكوليرا مصر وبلغ تعداد الاصابة ٢١،٠٠٠ نسمة مات منهم حوالى العشرة آلاف)
فى الوقت الحالى يعانى المصريون من مركبين مزدوجين مركب نقص ودونية مع احساس متضخم بالأهمية
او وهم العظمه
Grandiose delusions or
Deleusion of grandeur
وهنا ايضا الملك فاروق يغدو انعكاسا لسيكولوجية بلاده ، غدا تشبعه بفكره انه نصير الاسلام متغلغلا وتجلى فى العديد من المناسبات ، فقد منح الملك متجاهلا مشاكل مصر العديدة الداخلية والسياسية ، حق اللجوء لامير الريف عبد الكريم الخطابى وايضا لمفتى فلسطين السيد أمين الحسينى .
حين يحضر امريكى اليوم لمصر بخلفية اهمية هذا البلد كمركز اتصال قريب من النفط وكمفتاح للعالم العربى حيث تتلاقى الديمقراطية والشيوعية معا ، وجها لوجه . الا انه وبعد مرور اسابيع يدرك انهم كمن تبنى المقولة الفارسية ان اصفهان نصف العالم فيكون نفس رد الفعل .
وكانهم البلد الوحيد الذى لم تغادر قوات اجنبية اراضيه لا يمل المصريون من التكرار المضنى ان الولايات المتحدة يجب ان تثبت حسن النوايا بفعل كذا وكذا ، وانها يجب ان تدعم القضية المصرية فى الأمم المتحدة ، وان هذه هى الفرصة الاخيرة للامم المتحدة لكسب احترام العالم ،
لا يدرك المصريون ابدا ان مشاكل مصر جزء من صورة أكبر وهذا طبيعي ولكنه مرهق .
.
الامريكيون فى كل انحاء الشرق الاوسط ملامون بسبب دعم بلادهم لاسرائيل والصهيونية ، والتى يراها العرب فى كل مكان عنفا غير مبرر.
زايد المصريون كثيرا واستغلوا زيارة وفد من مجلس الشيوخ لفلسطين واجتماعهم باليهود والوكالة اليهودية ولم يلتقوا باى ممثلين للعرب هناك .
يلوم المصريون امريكا من اجل فلسطين اضافة لاتهامها بدعم التواجد البريطانى فى مصر وتخليها عن مساندة المصريبن فى طلبهم الجلاء وحسم مسألة السودان الانجليزى المصرى .
،،
فى مسألة الجلاء كانت معاهدة ١٩٣٦ تنص على بقاء القوات الانجليزية فى منطقة القناة حتى عام ١٩٥٦ ، ولكن المصريين يصرون على ان هذه المعادة تم فرصها وتوقيعها تحت ضغوط وان المفاوضات اللاحقة التى عرض الانجليز فيها الانسحاب عام ١٩٤٩ تم وقفها دون ابداء اسباب .
وزير الخارجية بيفن متمسك اليوم بالمعاهدة القديمة ( معاهدة ١٩٣٦ ) و المصريون يريدون الجلاء الفورى ،ويريدون الا تتم المساومة والتسويف عل تحديد ميعاد الجلاء فى اى مفاوضات لاحقة .
بخصوص مسألة السودان فان مستقبله يثير المزيد من الصداع ، على الجانب المصرى فان النيل لا بمكن تقسيمه وعلى الجانب البريطانى فالإنجليز فخورين بما فعلوه فى السودان وهو نموذج للتنوير الاستعمارى ونشر العمران . ويقول البريطانيون ان السودانيين يرفضون الخضوع للهيمنة المصرية ،و
ان الانجليز يجدون انفسهم ملزمين اخلاقيا بعدم بيع السودانيين وتسليمهم لقيد الأسر .
وواقعيا يصعب حقيقة معرفة ماذا يريد السودانيون ؟!!
وسيظل تأويل رفض الاتحاد مع مصر مرتبط بالضغوط البريطانية لدى المصريين .
.عندما تحدثت للنقراشى باشا رئيس الوزراء كانت مسألة روسيا على رأس مواد النقاش ،
وكما قال لى فان الشيوعية ليس لها شعبية فى مصر ولكن ان كانت امريكا تدعم بريطانيا ووجدنا ان الروس سيدعمون مصر ضد بريطانيا فهنا سيكون تحديد من الصديق ؟
وبالتأكيد فان العرب عموما لا يتعاطفون مع الشيوعية و انهم لا يتوقعون الكثير من روسيا ،ولكنهم يعلمون ان السياسة الروسية من مصلحتها رحيل القوات البريطانية من الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة والمهتمة اكثر بتعزيز الامن مع الابقاء على المعيار الأخلاقى تجد نفسها ازاء تناقض دبلوماسى ، فمسألة فلسطين اكثر تعقيدا من السهولة بحل .
ماذا هو موقفنا ومعيارنا الاخلاقى من قوات اجنبية تحتل اراضى دولة أخرى ؟!!
وهل نضع الدول العربية فى نفس معيار وتصنيغ جزر المحيط الهادئ ؟!!
هل ستتأثر مصالحنا أكثر باضعاف التواجد البريطانى فى الشرق الأوسط ؟!!! ام بخسارة اصدقائنا من العرب ؟!!
وما هو مدى اعتمادنا على بترول الشرق الأوسط ؟!!
وبمثل جلاء القوات البريطانية ومداها الزمنى فاننا وبالتأكيد نرغب فى رؤية مصر مستقلة وديمقراطية ،
لقد تحقق الاستقلال!!!! ولكن الطريق لا زال طويلا امام المصريين وباقى دول الشرق الأوسط كى تتحقق الديمقراطية .
وان مساندة السلام فى مصر والشرق الأوسط هو ما يملى المصالح الأمريكية .
وان بناء اليونان وتركيا فقط كخط دفاع اول هى اشارة خاوية اذا ما انفرطت الدول العربية ،فانها ستكون مثل خط ماجينو والذى لم يجد نفعا على الجبهة البلجيكية .
التعليقات مغلقة.