مروان الحمار بقلم .. مدحت رحال
ليست سبة لمروان
ولا انتقاصا من قدر الحمار
ومن مِثلُ الحمار يتحمل أثقالنا بصبر ودون شكوى .
حتى وإن أغضبته لا يحقد عليك .
تحسس رقبته وبين عينيه ينسى إساءتك ،
ولكن إياك أن تأتيه من الخلف عند الغضب ،
فركلة منه ترديك مهاوي الردى .
ليس كالجمل ،
ألجمل حقود ،
إذا اغضبته تربص بك ، فإذا أخذك لا يفلتُك
وخصلة اخرى في الحمار ليست للجمل :
أن الحمار عنيد ،
إذا أحرن وغرس رجليه في الارض ، فلن تستطيع قوة أن تجعله يتحرك من مكانه قيد أنملة ولو ضرب بالسياط أو نُخِس بالمناخيس ،
ولذلك نقول لشخص ما إذا عاند وبالغ في العناد
( وحط رجليه في الحيط كما يقول المثل عندنا )
نقول عنه : ( جحشٌ بتشديد الحاء ) .
وأما الجمل فهو سلس القياد ، تقوده الوليدة .
فنرى ان الحمار قد اشترك مع الجمل في قوة التحمل والصبر والجلد ،
ولكنه امتاز عنه بطيبة القلب والعناد .
.
ومن تقدير العرب لدور الحمار في حياتهم تسموا به ،
فهذا ( جحش ) كان اسم والد أم المؤمنين زينب .
وكان الكلب عندهم مثالا للوفاء ، والكبش والتيس مثالا للقوة في مقارعة الأعداء ،
قال شاعرهم علي بن الجهم يمدح المهدي الخليفة العباسي :
أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب
.
أرأيتم لم لقبوه :
مروان الحمار ؟
كان شجاعا جلدا صبورا .
تقلد الخلافة في ظرف عصيب ،
تموج فيه الفتن كقطع الليل المظلم .
واجهها بصبر وعزم متحملا ما تنوء به أعناق الرجال .
.
لم يكن بعيدا عن قواعد الحكم وإدارة الدولة وشؤون البلاد والعباد .
فقد ولاه الخليفة / هشام بن عبد الملك أذربيجان وأرمينية والجزيرة الفراتية ، فقام بأعباء الولاية بقوة واقتدار وحزم وحنكة .
وفتح بلادا كثيرة وحصونا عديدة ،
وقاتل الترك والخزر والأرمن ، وكان له الفضل في ترسيخ أقدام الإسلام في تلك الأصقاع .
.
كان هشام بن عبد الملك آخر ملوك بني أمية الأقوياء ،
فقد دب الوهن في جسد الدولة الأموية بعد هشام .
وبدأت تظهر إرهاصات زوال دولتهم
.
وكان من سوء حظ مروان بن محمد الملقب بمروان الحمار أن يتسلم قيادة الدولة في ظروف اتسع فيها الفتق على الراتق ،
فلا يكاد يخمد فتنة حتى تطل أخرى برأسها .
وبما أنني بصدد التعريف وليس التأريخ ،
فلعلني أرصد بعض الأسباب أو العوامل التي كانت تنذر بزوال دولة بني امية ، والتي لم يعد ينفع فيها رتق لا علاج ،
لنرى عظم المسؤولية التي واجهت الخليفة مروان بن محمد .
.
_ بعد وفاة هشام بن عبد الملك دب الخلاف بين أبناء البيت الأموي وكاد بعضهم لبعض بل وقتل بعضهم بعضا ،
وكان هذا أول مسمار في نعش الدولة الاموية .
وقد أرسل مروان نفسه يحذر أمراء البيت الأموي من ذلك قبل أن تؤول إليه الخلافة ، ويخوفهم خروج الملك منهم .
ولكنهم لم يلتفتوا إليه .
_ خروج بعض الأقاليم عن سلطة الدولة ،
فلا تكاد تخمد فتنة حتى تقوم أخرى مما أضعف الدولة وفت في عضدها .
_ الخلاف بين القيسية واليمنية ،
مما سبب الإنشقاق في الدولة والجيش .
وجدير بالذكر أن مروانا كان قيسي الهوى فخسر نصرة اليمانية ، وخاصة في مواجهة الحركة العباسية التي بدأت تنشط وبقوة.
والقيسية واليمانية هم :
عرب الشمال : العدنانيون أو القيسية
وعرب الجنوب : القحطانيون أو اليمانية
.
والغريب أن هذا التقسيم سمعته من الآباء والأجداد عندنا في الريف في الضفة الغربية من فلسطين ،
فكانت القرى الواقعة غربي شارع نابلس القدس تدعى : المغاريب ويحسبون على القيسية ،
والقرى الواقعة شرقي الشارع المذكور تدعى : المشاريق
ويحسبون على اليمانية .
وكثيرا ما كان الصدام يقع بين الطرفين خاصة في الأعراس ،
إن كانت العروس من هذا الطرف أو ذاك ،
وقد كان الانتداب البريطاني لفلسطين يغذي هذا التناقص والصراع بين أبناء البلد الواحد مستغلا الرواسب القبلية القديمة .
_ ثورات الخوارج التي استنزفت الدولة ماديا ورجالا والذي صب في ميزان العياسيين .
_ نقل مروان عاصمته من دمشق إلى حران فانتقضت عليه الشام في دمشق وحمص وغيرهما .
_ خروج الدعوة العباسية إلى العلن مستفيدة من كل ما تقدم من تناقضات .
فقد أعلن العباسيون خروجهم عن الدولة الأموية ودعوا لأنفسهم بالخلافة ، فجيشوا الجيوش وسلموا قيادتها لأبي مسلم الخراساني الذي يدين له العباسيون في الانتصارات المتوالية التي حققوها على الأمويين وولاتهم ، والتي انتهت بالاستيلاء على خراسان بكاملها والانطلاق منها للاستيلاء على بقية أقاليم الدولة الأموية ، والتي تساقطت الواحدة تلو الأخرى في أيدي العباسيين .
قابل الخليفة مروان بن محمد كل هذه الفتن بجلد وصبر وقوة ، ولكن الظروف كانت كلها تشير إلى قرب وحتمية سقوط الدولة الاموية .
وكانت النهاية في معركة الزاب عام ١٣٢ هجري مع العباسيين
فانكسر مروان وتتبعه العباسيون من مكان إلى آخر حتى وقع في ايديهم وقتلوه في قرية أبي صير في مصر .
.
وبموته سقطت الدولة الأموية ،
وقامت على أنقاضها الدولة العباسية وعلى رأسها أبو العباس السفاح أول خلفاء بني العباس .
.
جلس مروان يوما مع بعض حاشيته وقد قام على رأسه خادم له ، فقال لبعض من يخاطبه : ألا ترى ما نحن فيه ؟
فقال الخادم : يا أمير المؤمنين ،
من ترك القليل حتى يكثر
والصغير حتى يكبر
والخفي حتى يظهر
وأخّر فعل اليوم إلى الغد
حل به أكثر من هذا .
فقال مروان :
والله هذا القول لأشد علي من فقد الخلافة .
.
هل عرفتم الآن لم لقبوه بمروان الحمار ؟
ليس انتقاصا من قدر الحمار
ولا سبة لمروان
ولكن لأن له صبر وجلَد الحمار .
مدحت رحال ،،
التعليقات مغلقة.