موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

مسابقة القصة القصيرة بجريدة على باب مصر في الفترة ١٩-٣ إلى ٢٦ -٣

839

مسابقة القصة القصيرة بجريدة على باب مصر في الفترة ١٩-٣ إلى ٢٦ -٣

١- القربان بقلم محمد كسبه

تجلس خلف نافذة البيت القديم في الدور الثاني تراقب الماره في الشارع الرئيسي و في الشارع الفرعي المواجه للبيت ، تتذكر الكلمات التي لاتعجبها التي يرددها ذلك الشاب للذي يعمل نقاش، فهو دائما يسيء إليها ولا يعجبه وجهها الاسود العريض و شفتاها الغليظتان و انفها الكبير و شعرها الأسود المجعد لكن ينظر الي جسمها القصير المملوء بنظرة إعجاب تمزق قلبها لكنه في كل الأحوال ينهرها بكلماته التي تجعلها تنفجر في البكاء حينما تخلو بنفسها .
تقترب الشمس إلي الغروب فتغلق النافذة و تنظر الي أمها في الغرفة المجاورة فتجدها نائمة بعد أن تناولت وجبة العشاء الخفيفة و أخذت الدواء لترقد علي السرير ولا تتحرك من شدة الألم و المرض .
تدخل ناهد إلي الحمام و تغني بصوت عالي و تضحك و تصرخ و تبكي إلي أن تشعر به يتحسس كل أنحاء جسدها و يحيطها بذراعيه فتهدأ و تنسجم معه و تطلب منه أن تراه علي هيئته الحقيقية فهي تعشقه أيا كان شكله ، فيهمس لها في أذنها قربان ” كلب شاب طفلة ” كلب شاب طفله ” ففهمت أنه يحتاج إلي دماء لكي يظهر لها فخرجت من الحمام برائحتها الكريهه و ملابسها القذرة كما يريدها دائما و أخرجت كتب تحضير الأرواح و جلست تتمتم و تقرأ التعاويذ و أحضرت ورقة بيضاء و حبر زعفران و رسمت فيها دائرة و بداخلها نجمه سداسية و كتبت في كل مثلث حرف مختلف و خارج الدائرة رسمت نقوش ثم قرأت بصوت عالي شركوم سلطمون أرياح سموم و وضعت الورقة في البخور الذي يملأ الشقة بالدخان و جلست تنتظر كعادتها فلم يظهر لها شيء فلقد جربت كل طرق تحضير الجن و لم تفلح فكل الكتب التي تشتريها نسخ مقلدة وليست أصلية ، جلست تفكر ماذا تفعل فهي تريد القوة و إيذاء كل من يتنمر عليها .
جلست تبكي لكنها تذكرت العهد القربان ” كلب شاب طفله ” و تذكرت أن الجن يتعطشون للدماء و بسرعة نزلت إلي الشارع ليلا تبحث عن كلب صغير ، علي أطراف المدينة وجدت كلب أسود صغير فحملته و عادت للمنزل و بسرعه أحضرت السكين و ذبحت الكلب و ملأت الحمام بالدم و فجأة تحول الكلب إلي شبح كبير له رأس غراب و جسم غول و له جنحان كبيران و أظافر طويله معوجه سوداء فنظرت إليه و لم تخف و هي في قمة السعادة و ركزت في عينيه التي تشبه الكهف الذي بداخله بركان و نظرت للتاج الذي يعلو رأسه و يدور و يشع نار و دخان إلي عنان السماء و نظرت حولها لتجد نفسها في المقابر في الليل الحالك وسط جموع المخلوقات القصيرة الغريبة الشكل المخيفة لكنها كانت سعيدة جدا فطلب منها السجود له فسجدت و قال لها السحر و التسخير و القوة أمور يلزمها العهد ” كلب شاب فتاه ” و اختفي علي الفور و لكنها تشعر به في كل لحظة فهو لا يفارقها .
في صباح اليوم التالي ذهبت للنقاش الذي إستفذها بكلماته لكنها لم تكترث و ضحكت و طلبت منه أن يطلي مدفن والدها من الداخل بأي لون يراه مناسب و اعتطته خمسمائة جنية ليشتري الأدوات و إنتظرته فعاد بالأدوات و ذهبا معا إلي المدفن في التاكسي بعد دقائق وصلا و فتحت باب المدفن فحمل الأدوات و دخل و هي خلفه طعنته من الخلف بالسكين عدة طعنات فصرخ وتألم بشده و حاول أن يمسك بها فوقع داخل المدفن ميتا و بعد لحظات اختفت الجثة و ظهر لها المار يردد العهد القربان ” كلب شاب طفلة ” و إختفي .
عادت للمنزل تنظر في طريقها للبنات و الأطفال و تفكر في الطريقة التي تحضر بها طفلة صغيرة و تقتلها .
و أخيرا وجدت الحل و علي الفور ذهبت إلي ملجأ للأيتام و غيرت من ملبسها و هيأتها و طريقة حديثها مع المدير اقعنته أنها تريد طفلة صغيرة لا تزيد عن ثلاث سنوات فأحضر لها أربعة بنات فإختارت الطفلة السمراء ذات العيون السوداء و الشعر المجعد و وقعت علي أوراق التبني و أخذت نسخة في حقبيتها و اخذتها إلي الحديقة و لعبت معها حتي المساء ثم خرجت تحمل الطفلة النائمة علي كتفها و سارت ناحية سكة القطار علي بعد كيلو متر تقريبا من المدينة سمعت صوت القطار يقترب و مازالت الطفلة نائمه فهي وضعت لها المخدر في العصير الذي تناولته . وضعت رأس الطفلة اليتيمه علي قضيب القطار الذي لم يكن رحيما هو الآخر فقتل الطفله و قطع جسدها الصغير نظرت إليها ناهد من بعيد و هي مسرورة و تقرأ التعاويذ فظهر لها المارد فطلبت منه القوه و السحر و التسخير فلم يرد عليها و ظهرت لها جموع المخلوقات العجيبة في الظلام في الصحراء القاحلة وجدت بالقرب منها شجرة تخلو من الأوراق تتحرك أغصانها فأشار المارد إلي الشحرة فإلتفت أغصانها حول ناهد و مزقتها إلي قطع صغيرة و ظلت المخلوقات العحيبة تأكل من عظامها و تشرب من الدماء .

٢- نحو الحنين…. الكاتبة حنان العطار.. مصر

مستلقية على سرير ، يحوم حولها اثنان من المراقبين، تحاول متألمة أن تصنع اعتدالا في وضعها يمكنها من الكتابة، إنه اختبار مادة النحو والصرف، تعشق هذا العلم، لازالت تحلم أن تحصل على تقدير عال في الاختبار، وفاجأها أول سؤال وجعلها تشرد بذهنها بعيدا عن لجنتها الخاصة، وتنسى ألم الجرح في بطنها، (اشرح المفعول به، وبين حالات تقدمه على الفاعل)، هذا أكثر الدروس التي تفهمها، على مدار عام كانت مفعولا بها مع اختلاف الفاعل وكثرة الجمل الاعتراضية، هناك وسط ضجة و أضواء سلمها فاعل ظاهر بجرمه مكفنة في حلة بيضاء إلى فاعل مستتر بالشغف والرغبة، تقديره لص أحلام، ليال أمضتها مذهولة، تفر إلى شرفة تلتمس فيها بعض هواء وشعاع نور يكشف لها في الوراء وحشا متكوما كانت قبل لحظات فريسته، فتظل دوما في المنطقة الوسطى بين واقع صادم ، وحلم غض، تفقد السلطة على جسدها، بل ويتتابع السطو عليه وكأنه ليس لها، فتستقبل جديد ألمه بدوار وهزال، وتتحسس تكورا وتضخما يتطور يجعلها ملء المكان، وتواصل مهادنة غربتها بكتاب وأغنية، بشرود، ومزيد من الأمنيات، انتظرت أن تمضي الشهور؛ حتى تتحرر مما أثقلها، فتستعيد نفسها، ، بالأمس بينما تنحشر بين جنبات مقعد في إحدى اللجان، يطاوعها كالعادة مداد قلم، تسهب بخطوطه كل ما عرفت، يباغتها وخز، وتلكمها ضربات تنذر بموعد ظنته قد يتأخر قليلا، لكن صراخاتها المتلاحقة أكدت صدق الخبر، أياد كثيرة تساعدها على النهوض، وأكتف تسندها؛ حتى تخرج، دقائق قليلة داخل سيارة إسعاف، وأخرى مرت كانت في قسم الطوارئ، تصنع أكبر فعل بكل ما أوتيت من طاقة، كان لها بمثابة مهمة عليها الانتهاء منها كباقي مهام المساومة؛ ليتركوا لها بعضا من معالم طريقها، والسير فيه. ساعة المخاض المتعسرة، وآلام رهيبة، وقادم يريد الخروج من أحشائها لا محالة جعلوها في منطقة غياب تألفها مع الوجع والخوف والوحدة، تستيقظ من غفوة طويلة؛ فإذا بزحامهم حولها، ومهد يحوي لفافة وردية كبيرة، يصدر منها صراخ كائن، تهرب من حقيقة انتمائه لها، تعتبره أمانة سلمتها كفعل شرط، تنتظر جوابه، كل ما شغلها كيف سيستقيم عودها، و تجر رجلها صباحا؛ لتواصل اختبارات عامها الجامعي الأول، هاهو الصباح يشرق بعد ليلة طويلة ينسحب فيها المخدر ويضجرها صياح صغير يريد منها سر الحياة، بينما تعافر هي للانتقال بأي وسيلة من سرير مشفى الولادة إلى أخر في مشفى الجامعة، الآن تعود من شرودها بعد قراءة أول سؤال، وتستجمع وعيها وتشرع في الإجابة وهي في وضع النائم؛ مانحة لنفسها كل الحق في تجاهل من تركته دون وداع، أو وعد بالعودة السريعة، فإذا بحبر القلم يعاندها وينسكب للخلف كلما همت للكتابة على حالها؛ فلا تظهر كتابتها،فجأة تنسحب منها روحها ويغلبها بكاء، وتتملكها حمى بهزة عنيفة، يتبعها انبثاق يغرق كل ملابسها،وتفوح رائحة حليب ثائر من مكمنه؛ رغبة لتعطش طالبه.وأيقنت أنه كان ينبغي عليها مراجعة درسي الاستثناء والمفعول لأجله، تلقي بأوراقها؛ محاولة النهوض، وتطلب الخروج متوجهة بكل وهن وتعسر، يغلبه شوق نحو ما يجذبها من الحنين.

٣- صورة سلفي بقلم هناء محمد

تظهرُ بشَّرتُها السمراء من خلف رُقعات في ذلك الثوب البالي كأخلاق البعض منّا، ربما يكون أخر ما تملكه، حافيةُ القدمين، تحمل رُوحها بين كفيِّها المُتشققة التي تحاول أن تخفيهما، فهي لا تليق بتلك الأنوثة التي يتحدثون عنها المُتمثلة في النعومة إثر الكريمات و مستحضرات التّجميل، فهكذا تبدو اليدين فكيف بالوجه؟!
تقفُ على باب مبنى الرّحمة، يرتدي كل مَنْ فيه ثياب الملائكة، الدموع حبيسة في عينيها الغائرتين، تترجى طاووس الملائكة الذي يُمسك بيده شطيرة يأكل بنهم، يملأه بأموال مَنْ يريدون الجنان العليا،
لا ينتبه لها، تصرخ هائمةً على وجهها قائلةً : أين ما تدعون من الرحمة في تلك الشاشات الزائفة، يتوشح قلبه بالبرودة، يتركها
دون أن يلتفت إليها
لا يبالي غرغرة رُوح ذلك الملاك الصغير بين يديها، تشتكي لربها
كيف تتركني في هذه اليد الطاغية و القلوب اللاهية؟!

تفترش رصيفًا رغم قسوته لكنّه أحن من هؤلاء المُزيفين
تفيض روح الملاك الصغير المحمولة في ذلك الجسد النحيل أمام عينيها التي تحجرت الدموع فيها، سافرة اليدين لا حيلة لها
فمهما صرخت لا أحد يسمعها في صحراء الأنا
الذي يبتلعها نار الظلم في مجتمع أصبح جلاد بلا رحمة

بينما طاووس الملائكة يرى قطة بائسةً فيُطعمها الشطيرة التي بيده و ما حوله تغرغر أعينهم بالدموع قائلين : يا لكَ من إنسان رحيم القلب مُصفقين له، آخذون له صورة سلفي و هو يُطعم تلك القطة البائسة بحنان و حُبّ
و من خلفه لوحةٌ كبيرةٌ كُتب عليها أبنائكم في أيدٍ رحيمة
تبرعوا لإنقاذ آلاف الأرواح من غول العصر.
يا تُرى أي غولٍ يقصد؟!

٤- الدم عمره ما يبقى ميه بقلم سامح خير

أرسل لى إحدى أصدقائي المقيمين بأمريكا رسالة على أحدى وسائل التواصل الاجتماعي بأنه يريدني فى أمراً عاجلاً و أنه فى إنتظار تليفوني له فى أسرع وقت ممكن، و هو ما كان، حيث قمت بالإتصال به فور انتهائي من عملي، فوجدت صوته مضطرباً على غير عادته فهو الذى كان دائم المزاح و المرح فى كل الأوقات و قال لى : أنه محتاج مساعدتي فى أمر بالغ الأهمية.
بدأت بالإنصات له و حكى لى ان والدته بمصر حاليًا، مصابة بمرض السرطان و حالتها حرجة جداً و لها أمنية واحد تطلبها هذه الأيام، فأجبته ياليتني أستطيع المساعدة، فبدأ يحكي لى أن والدته لم ترى أختها منذ أكثر من ٣٥ عاماً ( لم اسأل عن الأسباب ) و طلبها الوحيد أنها تريد رؤية أختها، و كان سؤالي و كيف لي بالمساعدة و انا لست أقيم بمصر حالياً ( أقيم بأحدى دول الخليج ) و هو يعلم هذا جيداً، فأجابني بأنه سأل الكثيرين فى بلدته عن خالته و أسرتها و لكنه لم يستطع الوصول اليهم و كانت المعلومة الوحيدة التى حصل عليها بأن أبنها يعمل بنفس البلد التى أقيم أنا بها حالياً.

و بدأت رحلة البحث عن هذا الشخص فى وسط النصف مليون مصري العاملين بهذه الدولة، فقمت بإرسال الاسم الثنائي لهذا الشخص على كل وسائل التواصل الاجتماعي التى أشترك بها موضحاً بأنى أبحث عن هذا الشخص لغرض إنساني بحت.
أرسلت اول رسالة على مجموعات ( الواتس آب ) يوم الثلاثاء مساءً و خلال يوم الأربعاء وجدت أن رسالتي قد أنتشرت كالنار فى الهشيم و أصبحت هذه الرسالة موضوع حديث الكثير من المصريين فى هذا اليوم فالكل يسعى للعثور على هذا الهدف.
وصلت مكتبي يوم الخميس صباحاً فإذا بىّ أجد رسالة تصل إلىّ من خلال تطبيق Facebook Messanger من اسم وهمي و نص الرسالة ( أنا من تبحث عنه ) فأرسلت له رقم هاتفي و طلبت منه أن يحدثني و على الفور هاتفني فشرحت له أن ابن خالتك ( الذى لم يكن يعرف اسمه) يبحث عنك بأى طريقة لان خالتك ( التى لم يكن يعلم انها مازلت على قيد الحياة) على فراش المرض و سؤل قلبها هى رؤية أختها الوحيدة.
حاولت السيطرة على فضولي و طلبت منه الإتصال بإبن خالته فى أسرع وقت ممكن و تركت له رقم تليفونه و هو رد عليّ بأن والدته تعيش معه هنا بالخليج و هى أيضاً مريضة و يخشى عليها من ردة الفعل حين تسمع عن مرض أختها التي لم ترها منذ عقود!
قمت بإرسال رسالة لصديقي بأنى مازلت في مرحلة البحث و لم أرد أن أخبره بأنى وجدت ضالته لأني لم أمتلك الثقة بأن هذا الشخص سيتواصل مع صديقي.
غربت شمس الخميس فإذا بي أستلم رسالة من صديقي بأن بنت خالته( أخت الذى هاتفني ) تواصلت معه لأول مرة فى حياتهما و شكرني شكراً عظيماً!

مر أسبوع أو أكثر ، فقررت أن أتصل بصديقي لأطمئن على والدته المريضة، فإذ به يفاجئني بقوله لي أن خالته نزلت مصر خصيصاً لرؤية أختها الوحيدة و هى على فراش المرض و قال لى بالحرف الواحد “أنت مش عارف انت عملت ايه ، بس يمكن فى يوم من الأيام حتعرف”.

أكتبها الآن و كم كُنت أتمنى حضور هذا المشهد الدرامي الذى جمع الأختين بعد أكثر من ٣٥ عاماً.
أرى يديهما مشتبكتين ببعضهما، أسمع آنات قلبيهما و ندمهما على عُمر مر في فراق، ألمح دموع عيونهما تغسل خلاف قديم و نظرات متبادلة تحكي ما لا تقوى الألسن على شرحه.

ستمر الأيام و السنون و سيظل حب الأخوة لبعضهما نهر متجدد مهما بُنيت سدوداً او حاول البعض تجفيف مياهه!

٥- الليلُ يا ليلي د. أحمد عبد السلام

“الليل يا ليلي يعاتبني.. ويقول لي سلّم علي ليلي”
كان صوت وديع الصافى يأتي من المذياع سلساً جميلاً كجدولٍ فُراتٍ ينساب بين الحقول وانسابت لأجله الذكريات الجميلة تتري كومضات لامعة تنير حلكة الحاضر الغطيس ..وسرح خياله وعاد إلى الماضي يلتمس في اجترار الذكريات بعض النشوة والعذوبة فتذكر ايام صباه ومرتع شبابه وتذكر رائحة الحقول في الصباح وهي تتحلي بتيجان الندي وترتدي مسوح الإزدهاء والنّضارة ..لو كان يدري انه سيفارق ذلك الفردوس لملأ رئتيه من العبق الأخّاذ ولأشنف السمع من شدو الطيور الفرحة بقدوم صباح ربها حتي تثمل من الطربِ أُذُناه… وتذكر ليلي تلك الشهية البهية العطرة العذبة بيضاء البشرة كأنها قطعة من حلوي كأنها منُّهُ الهابطُ من السماء وضحكتها سلواه عن الكدر!
كانت اذا ضحكت تلألأت واستنارت وطفقت تنشر لمع سناء البهجة فتنير قطعاً من ليل النفوس وتجلو منها اصداء الهموم ..كانت ليلي له الفرح وكانت فرحته ليلي
كان يتذكر منتشياً وهو يستمع الي اغنيته والذكريات تتراقص امام عينيه يراجع التفاصيل ويسكن قليلاً في ثنايا الذكري فتهدأ نفسه المضطربة…هو ايضا كان مزهواً زاهياً مزهراً بيافع شبابه وجلبابه الابيض الواسع النظيف رغم فقره وفقر اهله حينها كان يضحك ملء فيّه ويغرق في النوم حتي أذنيه ويحب ليلي حتي ثُمالته … أغمض عينيه وهو يشاهد ذكرياته المتراقصة و زمّ جفنيه بشدة حتي لا تفر منه وتعود الي مكانها الآخر غياهب النسيان
تذكر وهو يفك رباط عنقه الحريري في ضيق كيف كانت ملابسه واسعة فضفاضة مريحة ؟وكيف كان سعيداً رغم فقره ؟ تلفت بعينيه يمنة ويسرة تطلع إلي غرفة معيشته والي اثاثها الرفيع المُنَضّد المتسق وتذكر بيت ابيه الواسع الرحب تذكر فراش نومه المتواضع و الحصير الذي كان يفرش على الارض ارتفع حاجباه في دهشة وسأل نفسه كيف كان ينام قرير العين والآن وهو في بحبوحة عيشه ورغده الهنئّ لا ينام الا بالعقاقير !
“لأجلك يطلع القمرُ… خجولاً كله خفر
ُوكم يحلو له السفر… مدى عينيك يا ليلى”
كان الحديث يمتد مع ليلي بلا زمن كان الحب يوقف عقارب الساعات كان وهو في حضرة ليلي يخرج من حيز الزمن ومن حدّ المكان تتحرر روحه من كل شيء يهيم في ملكوت عشقه ويبحر في يموم صفاءه تذوب منه التفاصيل وتبقي له ليلي…
“لنا الأيام تبتسم … ولا همس ولا ندم
وماذا ينفع الندم … نديم الروح ياليلى”
تساءل في استنكار ودهشة
كان بالأمس معدماً لا يملك سوي الاحلام والآن اصبح فاحش الثراء فلماذا هو تعس؟
كيف هربت منه السعادة؟ كيف هانت عليه ليلي؟ كيف استبدل نعيم ليلي بهذه الرتابة وذلك الاصطناع؟…. اي هوةٍ اشقي بها نفسه؟وكيف استبدل ضحكته التلقائية المجلجلةبتلك الابتسامات الصفراء المصطنعة التي تخفي تحتها بؤساً لا حد له ولا مقدار ؟ كيف هجرته الحياة؟ وكيف كان الثمن ليلي؟
سمع طرقات علي باب غرفته ايقظته من سُبات الفكر والذكري دخلت زوجته فقطب جبينه وعقد حاجبيه وغمغم بآلية “اهلاً ليلي”

٦- فجر الشيخ بقلم..د . شيرين الملوانى

كان الليل ساكناً لايقطع صمته سوى وقع أقدامها على الأرض الخشبية، تتجه صوب حجرة الشيخ للقيام بمهمتها اليومية منذ أكثر من ربع قرن تقاسمت تلك المهمة مع من تلتها من نسوة سكنّن فراشه بالتبادل ؛إيقاظه لصلاة الفجر حيث ينتظرمريديه تكبيراته وتسبيحه ويبدأون يومهم بوعظه وبركته….تتحسس خطواتها بطيئة متثاقلة ؛تهدّل جسدها ووهنت نفسها ،روحها كسّيرة ونبرات صوتها مرتعشة تهمهم فى رجفة ” الفجر يا حاج”…تنظر الى جسده الضخم الرابض فوق الفراش الحريرى يرتّع فى جلبابه الأبيض القصير ،لحيته مشعثّة مليئة بفراغات تطأ منتصف صدره مُزدانة بالشيب ناطقاً بحسنات تمحو السيئات، كانت زبيبته خشنة وبارزة وتحتل نصف جبهته ؛ سيمة أثر السجود والتى رُزِق بها ما إن لامست رأسه الأرض، كانت البدايات حُصرٍ مهترئة فى زاوية فى أحد أزقة السيدة زينب وختامها سجاد عجمى فى مسجده قبلة الصفوة وأشراف القاهرة.
تذكرت يوم أن أُقتيدت لغرفة ذلك الشقى صمّاء تخترق أَذناها زغاريد الجيران ، ينظر لها أبوها بعينين كسيرتين وجسدٍ نحيل شاخصاً يُشعل سيجارته وينفث دخانه الأزرق مُحمّلاً بديونه؛ أُغلق باب الحجرة و كان جسدها سدّاداً ؛ برَك فوقه وأوغل سلاحه فيه بلا رحمة ، إسترد ديّنه وسلبها عمرها ، ذاقت القهر وتأملت كل ليلة آثاره على جسدها ،كانت تخشى عودته وطرقه باب حجرتها المظلمة ، تنتظره كل ليلة من نافذة تطل على أقدام المارة ويوم أن أتاها مُسرعاً يلهث وأنفاسه تتعالى وقذف فى جلبابها حصيلة يومه قائلاً بصوت خفيض “صندوق ندور السيدة زينب ،شيلللاه يا سيدة “ماسحاً حبيبات العرق بأصابعه ، تأملت الجنيهات فى حِجرها ولملمت القروش ولسانها معقود إلا من غمغمات لا يسمعها سواها.
.ومن السيدة كخادم للمساجد الى رفيق لشيوخ الطريقة ، إلى مُساعد لإمام أكبر المساجد ومنها إلى سكرتير خاص لصاحب شركة توظيف أموال ،مُردداً الآيات والأحاديث الشريفة مُحركاً أصابعه على حبات سبحته طالقاً لسانه بالأستغفار والحمد والشكر مُكنزاً فى جيوبه حصيلة أيام الرزق، إماماً بالإنابة عند مرض الشيخ جبريل ،واعظاً بعد صلاة العشاء، وخطيباً لصلاة الجمعة حيث تجمع مريديه فى إنتظار طلته .
“قوم يا حاج “ قالتها فى فجر أول يوم ظهوره فى الفضائيات حيث إعتلى منابرها باكياً على حال الأمة ،مُصلحاًبين الأزواج ،باتراً بلسانه الخروج على الحدود ،يعطى صُكوك الغفران ويُحرِم الجنة على عبيد الرحيم ويزّج فى النار من يقذف به هواه . قالتها لسنوات حتى أتى بمن يحل محلها ، أتى بحوريات الأرض إستباقاً لحوريات السماء تتذكرالضحكات التى كانت تصلها من الحجرة المجاورة وجلستها على الأريكة طوال الليل لا يقطع سكونه سوى صرير السرير حيث يرقد الشيخ فوق جسد بضّ مبسملاً وشاكراً لله متاع الدنيا، خرير ماء الصنبور فجراً وإغتساله من الجنابة ، أتُرى إغتسل من النجاسة ؟ ، تبعها بوصلات للمثنى والثلاث والرباع فوق جسد جديد فى الطابق الذى يسوقه اليه عضوه مستبدلاً أيا منهن بالتسريح بإحسان عند زهده وإنقضاء وطره.
.”ظلمتنى ليه يا حاج” تتذكر ذلك الوجه القبيح الذى رأته متلفظاً بأقظع الكلمات التى لم تنقطع طوال سنوات مهدداً إياها بالطرد بادئاً وصلة التأديب بتلعيب الأصابع ،قاذفاً بيده كل حاد فى وجهها ، تاركاً علامات التهذيب والإصلاح على جسدها صاباً لعناته ولعنات الملائكة فوق رأسها ،فتلوذ بالحائط فى الرُكن مستسلمة صاغرة غارقة فى دموع تبلل جلبابها محتمية ببناتها فى وجوم ..
اليوم يومها لإيقاظه كى يؤم الناس فى صلاة الفجر ، نام بعد عشاء ثقيل مما تشتهون ، صوته الأجش مدعوماً بلهجته الآمرة للتأكيد على غلق الباب وإيقاظه فى موعده تطّن فى رأسها ،إقتربت من فراشه زائغة العينين بخوف ونفسّ عالٍ وفحيح ظُلم سنوات ،نظرت لدورق المياة المزّمزّمة بجوارة يرشف منه ويمسح به على جبهته قبل أن تطأ الأرض قدميه ، شردت ، أمسكت بالسلاح الزجاجى رفعته وهوت به فوق رأسه الطهور صارخة لأول مرة بحياتها “ظلمتنى وظلمتنا كلنا ليه يا حاج؟”

٧- “واش ” عبدالله عبدالإله باسلامه

(واش)

يؤكد أبي وهو ينفخ دخان السجارة في وجهي بعصبية كما اعتاد كل ليلة لما يحين وقت نومي( مرت سنة ونص) ترد أمي وهي تحطني في سريري القريب لسريرهما وتغطيني باللحاف (سنة وستة شهور) ، لكني متأكد من كلام خالتي نور بأنها (سنة وثمانية شهور وعشرة أيام) من يوم انتقلنا إلى بيتنا الجديد .

أتمدد..، و أدعي النوم ؛ فخالتي وعدتني تشتري لي سيكل نهاية الشهر ..اغمض عيني نص نص – مثلما وصتني – حتى ما يغلبني النوم، واسمع تمام لكل كلمة يقولها أبي إلي خرج من الحمام وهو يفرش أسنانه بطحين أحمر….

  • اليوم زارني حسين في المحل .

تشفط أمي الهواء بنفس الطريقة إلي يصفر بها أبي…

  • زوج اختي !! اللهم اجعله خير !!
  • لا ..لا تقلقي ..جا يعرض مساعدة .

تطلق أمي الهواء بنفخة واحدة ..

  • اوفففف .. الحمد لله .. ظنيت أنه جاء يطلب الفلوس، والله أنه ولد خير ، زاد ارسل لك فلوس قبل اسبوع مرة ثانية فوق إلي عندنا له !! واختي نور الله يحفظها كل يوم تسأل عن حالنا .

من مراية التسريحة اشوف ابي يطفي نور الحمام..ويجلس على حافة السرير وهو يحك ذقنه..

  • قال أنه يشتي يشتري البيت .

تضرب امي صدرها كما تفعل حينما اكسر حاجة من الأثاث .

  • البيت !!

-أيوه.. أنت كلمت اختك نور صح ؟؟!

  • لا والله ما نطقت بحرف !!

يضع ابي رأسه بين كفيه ويعود لحك ذقنه ويهرش رأسه ..

  • طيب وانا ما عرضت عليه، ولا كلمته بشي !! إذا ما كنت لا أنا ولا أنت فمن خبره ؟! تقولي يكونوا الجن نقلوا له الخبر ؟؟

فلتت مني ضحكة…..

بعد أيام قالت أمي أن خالتي وزوجها رأس المصائب !!

أنا فرحان بغرفة نومي الجديدة، قالت امي أنها هدية بدل السيكل إلي وعدتني بها (النصابة) خالتي نور !! .

مارس/ 2021م.

٨- الوهم بقلم اسامه الزغبي

رسم في خياله صوره من ألوان وهميه لحب علي طريقته الغير واقعيه لشخصيه غير حقيقيه وظل يبحث عنها علي انها الحقيقه الوحيده المرئيه بحث في كل الطرقات في الدروب والازقه في الميادين والحارات بحث في الجوامع والكنائس والمعابد بين احرف الكتب وبين كلمات الكتاب بحث في دموع العيون والضحكات بحث في براءه الاطفال في الالعاب ودهاء الكبار في طرق كسب الأرزاق وبعد أن أخذه العناء سيرا في الطرقات وأعتقد أنه يطارد وهما لا وجود له سوي في خياله فكر ان ينظر إلي نفسه بعين المصالحه نظر إلي ما لا يراه غيره ووجد ما كان يبحث عنه حقيقته في نفسه من يكون وماذا يريد وماذا يفعل ابتعد عن الاوهام وعاش محدد الهدف لدنياه واخراه لانه اكتشف بعد عناء ان الموت هو الحقيقة والدنيا هي الوههم
تحياتي اسامه الزغبي

٩- العودة الحزينة بقلم مسعودة مصباح

  • دقَ جرس البابِ ،ذهبت مهرولةً كأنها كانت تنتظر أحدهم، اهلا وسهلا مرحبا ، تقول والدتها من القادم يا ياسمين ؟ انه خالي يا امي ،كأن شيء وقع أرضا جاء الصوت من المطبخ ، ترحب ياسمين بحالها و تطلب منه ان يتفضل بالدخول إلى قاعة الجلوس، تذهب للمطبخ مسرعة ، امي لقد جاء خالي ، تنظر هنا وهناكَ تجد كمية كبيرة من الحليب مرمية على الأرض ما هذا يا أمي و تلتفتُ ياسمين تجد والدتها غارقة في البكاء ! تستغرب ثم تقول : ما بك يا امي هل انت فرحة او غاضبة لان خالي جاء لزيارتنا بعد مدة طويلة من الغربة و الغيابِ ؟ تنظر إليها والدتها ثم تردُ عليها: نعم يا حبيبتي لذلك انا ابكي لم أتمالك نفسي من شدة الفرح فاجهشتُ بالبكاء .
    تمسح عيناها و تنظم هندامها و تذهب مسرعة لكي ترحب بأخيها، قبل ذلك تطلب من ابنتها ان تحظر القهوة و الحلوة و تحظرها إلى قاعة الجلوس .
    تنظر في وجه أخيها و هو يبتسم لها و يحدق بوجهها ، لم تتغيري يا اختي كما تركتكِ مازلت تشعين جمالا يا اختي الحبيبة، وانت يا اخي كبرت وأصبحت رجلا تكاد تصبح كهلا! لما كل هذا الاغترابُ و هذا البُعدُ ؟؟ ألم تشتاق إلى اهلك و اختك الوحيدة ؟ ألم تحن إلى وطنك ؟
    يطئطئ رأسه كأنه يفكر او اخذه التيه إلى مكان آخر…؟! ماذا تقول الأخت، يمسكٌ بيدِ اخته ثم يقول: لقد تغربتُ غصبا عني و تعبتُ و أخذت مني الغربة ما اخذت ، شبابي و أحلامي، و حتى المرأة التي احببتُ و تزوجت بها و أصبح عندنا طفل …
    تقوم الأخت من مكانها يشدها الفرح ، هل تزوجت ؟ و هل أنجبت طفلا يا سعادتي الحمد لله…ثم تستطردُ في كلامها ، ماذا قلت !!! اخذت الغربة منك زوجتك؟ هل ماتت؟
    ينزل من عينه الدمع ثم يقول : نعم لقد تزوجت قبل عامين و عندي طفل اسميته ” يحي” لكن القدر اخذ مني الطفل و امه معا!؟
    لا حول ولا قوة الا بالله تقول الأخت في حسرة
    قدر الله ما شاء فعل فيك البركة اخي ان شاء يعوضك في القريب …
    تأتي ياسمين بصينية القهوة و هي حزينة لقد سمعت ما دار من حوار مع والدتها و خالها
    لقد كبرت ياسمين يقول لها خالها، تبتسم في خجل
    و ترد : نعم يا خالي هذا العام اجتاز شهادة البكالوريا ان شاء الله
    نعم يا اخي السنين تمرُ بسرعة الحمد لله على عودتك ان شاء الله سيعوضك الله بكل خير
    يتناول الجميع القهوة و الحلوة و السرور يملا محياهم رغم الخير الحزين

١٠- فستان العيد بقلم دلال اديب

هدرت الطائرات ودوى صوت قوي هز الأرجاء، تبعه صوت انفجار جعل الأرض تتحرك من تحتنا وكأن زلزالا حل في المكان.تعالت الأصوات من كل اتجاه وانتشر الدخان الأسود في الأجواء فما عدنا نرى شيئاً على الإطلاق..وأصوات الحجارة تتطاير متساقطة هنا وهناك لاترحم من تصيبه وتناثرت الأشلاء في كل مكان..
هذا كل ما أذكره في ذلك الصباح الذي كان يبدو هادئاً إلا من حركة المارة والباعة؛ عادة تزداد الحركة قبيل العيد بأيام فيزدحم السوق بالناس كلٌّ يجهز حاجيات العيد من مأكل وملبس..كان بالقرب مني ولدي أمجد يحدثني عن تجهيزات العيد ويسألني متى سآخذه لشراء ملابس العيد..
أجبته:حالا ياولدي عند انتهائي من بيع هذا الزبون..
لن أنسى ابتسامته الصغيرة التي ارتسمت حين سماعه لكلامي فأشرق وجهه وانفردت أساريره فبدا بإشراقته كشمس الصباح..وعلى الطرف المقابل لدكاني كنت ألمح فتاة صغيرة تسمرت أمام واجهة إحدى المحلات تحتضن قطتها وتنظر لفستان مزركش بألوان زاهية تحلم بارتدائه وتمني النفس بشرائه…
وكان ماكان..وماد المكان…وصحوت من تحت الركام نفضت الأنقاض والتراب عن جسدي فقد كان لي حظ بالحياة من جديد ودرت كالمجنون والدماء تسيل لاأعلم من أين؟؟
أبحث عنه لم أجده بادئ الأمر؛ وفجأة رأيته..يا إلهي هاهو على جلسته مختبئا تحت طاولة في الدكان…
بدا لي وكأنه سليم ليس به شيء،اقتربت منه، احتضنته لكنه لم يتحرك…حملته وأسرعت لسيارة إسعاف كانت قد جاءت للإنقاذ ومساعدة المصابين..أخذوه مني وبذلوا جهدا كبيرا ليعيدوا النبض لقلبه.لكن قلبه الصغير لم يتحمل قوة الصوت فتوقف النبض فيه…نظرت للجهة المقابلة وإذ بالفتاة تحتضن قطتها والدماء تسيل على جسدها الذي كانت تحلم أن تُلْبِسَهُ ذلك الفستان وعيناها شاخصتان ومعلقتان لجهة الفستان….

١١- لمن نزرع القمح؟ بقلم إبراهيم معوض أحمد


(١)

رقصت أشعة الشمس أمامه، حاول أن يمسكها ولكنها غابت بغياب أمها خلف قطع السحاب، أنطفأ مصباح الدنيا فهطل المطر وعمت البرودة. فقال في نفسه: هكذا نحن أصحاب العيون الغارقة في الخداع؛ نثق في رقصات الشمس اللعوب ولا نعلم أنها رفيقة السحاب البارد…

(٢)

منطقة الصوامع تضج بالعمل الدؤوب طوال النهار ، وخاصة في مواسم الحصاد، بيع وشراء تخزين وتحميل، تكليفات صارمة للحراسة الليلية تهديدات بالفصل والتشريد إن مس النوم جفونهم، ولا مانع من التبصرة بين الحين والآخر بأهمية ونبل ما يقومون به من عمل؛ حماية طعام القوم وتأمين الوطن والمواطنين من خطر الجوع واجب مقدس.
كل الرجال والنساء في المنطقة يعملون في الصوامع بالراتب أو باليومية ثم يصطفون في نهاية الوردية في طابور طويل أمام مكتب الناظر يتكففون عطاياه وهباته من الأموال والقمح؛ اما الأموال فهى نظير العمل وهي ثابتة ثبوت الصوامع في مكانها لا تتحرك إلا بالخصم نظير التقصير الذي يراه الناظر وحده كل يوم وإن تحركت للزيادة سرعان ما تلتهمها أسعار السوق فتعود لثباتها. ولذا كانت هبات القمح تنعش قلوبنا أكثر فمنها كسوة العيد وثمن الدخان، ظلت الحياة عادية ننام ونصحو، نضحك ونبكي، نلعب ونمرح. حتى قضى شيخ المسجد بحرمة عطايا القمح متعللا بأن الناظر لايملك حتى يهب. وإنما هو موظف شأنه شأن الجميع.
تحولت الحياة في منطقتنا إلى حجيم لا يطاق؛ لاطعم للقمة ولا بهجة للكسوة ولا مزاج للدخان؛ وخصوصا بعدما وقفت زوجتي في وسط الدار وقالت بصوت قاطع: اتق الله فينا ولا تطعمنا من حرام.
رفضت العطايا فغضب الناظر وكرر الخصم من الراتب وصرت أضحوكة الجميع بثيابي المهلهة ومزاجي المتعكر من شحة الدخان، زاد العمل وقل المال، بالإضافة إلى السخافات والتندر بحكايتي وهم يثقلون الزكائب فوق ظهري:

  • شيل يا عم الشيخ، ربنا يعوضك بالجنة.
    زاد حزني، كما زاد حنقي على الجميع حتى شيخ المسجد نفسه؛ كرهت مجالسه وفتاويه، ضبضت نفسي فرحا حين علمت أن الناظر قد توعد بقطع لسانه، قلت: لعل في ذلك راحتي.
    هذا المساء نوبتي في الحراسة، وقفت امام الناظر أتلقي التعليمات والتهديدات ثم سرعان ما خلا المكان من الناس، وكلما داعب النوم جفوني تذكرت المسؤولية ففزعت. أتسلى بهديل الحمام الذي يلتقط الحبوب على ضوء القمر، أحسدهم من كل قلبي؛ طعام بلا حساب ولا عقاب.
    يمر الوقت كقطع السحاب البطئ بلا دخان ولا راديو، هرعت أبلل وجهي بالماء البارد، وغرقت في إحصاء النجوم ومحادثة القمر عبر نافذة غرفة الحراسة.
    لانقطاع الوحدة والتأمل رجفة تسري في البدن كالكهرباء؛ أصوات بشرية، جلبة معدنية، سيارات تتقدم، معادن تصطك وكأنها سكاكين تشحذ، خرجت إلى الساحة أستطلع الأمر، وفي غمصة عين تنسحب إرادتي إلى الوراء كلما حاولت أن أصارع الأيدي تخور قواي، اسقط وأقوم مرات عديدة، ملثمون تبينت بعض ملامحهم من نظرة العين ونبرة الصوت وغابت عني أخرى، صرخت صرخات لم تحرك ساكن المكان، وقعت بلا عودة حين سمعت صوت الشيخ يقول للناظر: إن استمر في المقاومة أقتلوه، يجب أن ننتهي من تحميل القمح قبل الفجر. سكنت، أو تحركت أو هكذا خيل إلي من سحرهم أنني أسعى.

١٢-ليلى بقلم ندى موسى

أمي هل عشتما أنت وأبي في بيت واحد ذات يوم؟؟
بصوت ملئه الحزن والتعجب بادرت طفلتها ذات السنوات السبع بذاك السؤال…
أطرقت ليلي رأسها إلى أسفل وفاضت عيناها دمها وهي التي كانت تشعل البيت حبا ودفئا… عاطفتها الجياشة أكثر ماكان يتعبها….
ردت بهدوء على صغيرتها. هل ينقصك شئ؟؟
إبتسمت صغيرتها إبتسامة ممزوجة بالحياء إبتسامة ماكرة،
ترددت في الإجابة كأنها تخاف على مشاعر امها التى تجتهد دوما في اسعادها. وقالت أريد ان نحيا سويا مثلي مثل الأخريات…
كان الرد صاعقا…. لطالما كانت ليلي تؤمن بأن السعادة ليست مالا ووفرة
وتعلم ان كل ماتفعله لإسعاد صغيرتها هباءا منثورا…
لحظات طال الصمت بها. أسهمت ليلي طويلا… تذكرت طفولتها البائسة جدا تلك التى لم تتمناها يوما لاطفالها… تلك التى زجت بها في زبحة فاشلة فقط من أجل الهروب.. دون نضج عاطفي دون وعي دون تفكير…
قاومت كثيرا.. أظهرت السعادة في أوج حزنها… تحملت لسنوات طويلة
نجحت ظاهريا وكانت مضرب مثل للحياة السعيدة…
حتى شيدت برجا عاليا…
لم يكن أحد يعلم بمعاناتها.وحزنها وشقائها سوى الله…
حتى أتى عليها يوما تمردت فيه على نفسها على واقعها على كل شئ
إختارت لأول مرة أن تحب نفسها. أن تفعل مايسعدها ولو لمرة واحدة فقط
إختارت أن تنجو من حزنها والمها الذان صاحباها طيلة
سنواتها.. إختارت أن تحيا كما تحب
فكيف تبرر كل ذلك لصغيرتها التى لاتفقه شيئا….
أعادت ترتيب أفكارها ثم همست
نعم كان خطاءا وأصلح بخطأ…
ستكون رسالتي في الحياة…
حبوا أطفالكم أدعموهم كونوا لهم عونا تفهموا مشاعرهم حتى لايكون هناك الكثير من ليلى… التى أنجبت ليلى أخرى

١٣- جريمة كاملة بقلم كريمة شعبان من مصر

يحكى أن شخصا وزوجته اشتركا فى سرقة أحد المارة بعد أن هدداه بمطواة، وكانت حصيلة العملية” أحد عشر جنيها مصريا لاغير!.
وتعهداه بالذبح إن هو أبلغ الشرطة، لكن الضحية بحث عن أقرب شرطى قابله وأبلغه بالواقعه
قام أمين الشرطة بتحريات سريعة عرف منها أن المجرمين ساروا فى اتجاه شارع كورنيش النيل ودخلوا إحدى الكازينوهات
فتوجه إلى هناك ومعه المجنى عليه حيث وجدا الجانى بالفعل وزوجته فقبض عليهما واعترفا على الفور بجريمتهما
الرجل فى اعترافاته قال: إنه كان فى حاجة إلى المال حينما دخل على زوجته بالأمس فسألها
عملتى لنا إيه أكل على الفطار! ولا حاجة استنيتك تجيب حاجة معاك.
وانا حاجيب منين؟ كنت استلفت. استلف من مين كل اللى اعرفهم استلفت منهم.
خلاص ..استنى ثمار الاصلاح الاقتصادى! بس انا جعانة دلوقتى؟ ..والاصلاح القتصادى مش هايجيب نتيجة قبل المدفع..
أخذ يهمس فى أذنيها
اسمعى تيجى نسرق؟ نظرت له وقالت ياخويا انا معاك عالحلوة والمرة.
سألتها
_ إيه الحلو.. وإيه المر
ردت
_ المر اللى احنا عايشينه.. والحلو هو السرقة. دى الست اللى ساكنه جنبنا جوزها حرامى ..
أهوحرامي ما تستغربش.ومهنيها ع الآخر. داخل عليها دايما باللحمة والفراخ والسمك.
طب روحى شوفى جوزها بيسرق منين .. واسأليها اذا كان عاوز حد يساعده . ياخويا دارى على شمعتك تقيد..هو أحسن منك في إيه دا انت ممكن تبقى حرامى أجدع منه ألف مرة..اطلع دلوقتى واسرق أول واحد تقابله فى الشارع.
طب تعالى معايا. استغربت يعنى عشان اراقبلك السكة؟
لا تقفى معايا عشان اول مرة وأنا خايف. خرجنا للشارع واستوقفنا الضحية، قال له: أقف عندك عشان أفتشك أنا ضابط شرطة ..فنظر الرجل له بهدوء ولاحظ انه ليس بضابط لانه حسب معلوماته انهم لا يصطحبون معهم زوجاتهم اثناء الخدمة وليس معه أدواته
لذلك رد عليه
حضرتك ليس بضابط شرطة. اخرس يا كلب قلتلك انا ضابط
فرد عليه
والست اللى معاك دى مين؟ ارتبك وقال له دى واحد زميلى متنكر على هيئة واحدة ست.
قال له
خلاص خدنى على القسم طالما انت ضابط. انهار مشروع اللصوصية عند أول خطوة، فقال فى نفسه لابد من العنف وأخرج المطوة : خلاص انا مش ضابط ولا حاجة انا ياسيدى حرامى جديد فالمنطقة طلع اللى فجيبك
ولو بلغت هادبحك
الجاهل المسكين لا يعرف أن هؤلاء الذين يخرجون الى الشارع بعد الافطار مباشرة من المستحيل ان يحملون فى جيوبهم اكثر من المبلغ الذى سرقاه اللصين.
تناقش الضابط مع زميله بعد اعتراف المجنى عليه
لقد بدأت تثير اهتمامى ياعزيزى ..لا بد أنى أرى شيئا مهما فى هذا الحادث.
نعم هو حادث كاشف، ولكنى لا أرى فيه حادث سرقة بل هو حادث انتحار أسرة، عندما طلب الرجل من زوجته أن يتحولان إلى لصين وافقت على الفور !
هذا معناه أن الدافع الحقيقى لم يكن اللصوصية بل الضياع، أعلى درجات التعاسة
أنا أريدك أن تتخيل المشهد قبل انطلاق مدفع الافطار كما قال الرجل فى اعترافاته.
يا صديقى انتم فى حاجة لواقع جديد بقوانين جديدة.
من يرتكب جريمة من هذا النوع لا بد أن يحاسب كفيله..لأنه اوصله إلى ذلك.
من هو كفيله؟
نحن لا نأخذ بنظام الكفيل هكذا هو القانون!

١٤- هيبة بقلم خالد العجماوي

لا تكذب عليّ يا محمود. أنت لم تذهب إلى المدرسة البارحة، ولا اليوم. أين كنت؟ لاشيء يعيبك صدقني. من قال إن الطول عيب؟ حتى لو أنك تنحني قليلا في وقوفك كي لا تلامس رأسك السقف فإن ذلك لايضر.
لا فائدة..أحاول أن أسترضيه ولكني أفشل في كل مرة. لم أبخل عليه عند الأطباء. كلهم زعموا أن المشكلة هي فرط هرمون النمو لديه، وأن عليه أن يتعايش مع طوله المفرط، والذي كسر حاجز المترين ونصف المتر، رغم سنين عمره التي لم تتجاوز الثانية عشرة! أقول له إن الطول هيبة، وأن المفترض أن يكون فخورا بجسمه هذا، إلا أن أقرانه يستهزئون. أبو طويلة. نخلة..زرافة..وأخيرا سمعت أحدهم يهمس في أذن صاحبه وهو يشير نحوي بطرف عينه الساخرة: أم اللوح.
كم من مرة قلت لمحمود ألا يعبأ. وإن الإنسان قيمته في خلقه، ونفعه..ربيت محمود على الأخلاق، وأن الصدق هو تاج الأخلاق وخاتمها معا..
في الأسبوع الماضي جاءني اتصال مفاجئ من المدرسة. أم محمود..ابنك لم يحضر إلى المدرسة منذ ثلاثة أيام. خيرا هل هو مريض؟ خبطت على صدري مذعورة؛ ثلاثة أيام! أين يذهب إذن؟
حضر بعد العصر مثل كل يوم، جهزت له الغداء، ثم قررت أن أواجهه، فأسأله وأنا أحدق في عينيه مباشرة. لن يستطيع الكذب أمام عيني. غير أنه قد راعني شيء غريب. محمود لم يعد ينحني كي لا تلامس رأسه السقف. إنه يقف مستقيما! ذهبت أفكاري كلها وابتلعت ريقي. لم أتفوه بكلمة. تركته وذهبت.
في اليوم الذي تلاه حدقت فيه وهو يدلف من الباب. محمود لم يعد يحتاج إلى أن ينحني حتى وهو يدلف إلى باب البيت! إن طوله يقصر! سألته:

  • أين كنت؟
    قال في برود:
  • المدرسة.
    يا له من كذب بارد وثابت.
    في اليوم التالي حضر محمود. كان طوله في مثل طولي. سألته فأصر أنه كان في المدرسة. هل يذهب إلى طبيب؟ وهل يستطيع إن كان يفعل أن يقصر طول الولد؟
    بعدها صارت الأيام كابوسا مرعبا. لم يعد محمود ولدا طويلا، بل لم يعد طوله مناسبا أبدا..قصر محمود بشدة في الأيام التالية. صارت رأسه في مستوى كتفي، ثم قصر حتى صار عند ركبتي. صرت أبكي بشدة وأنا أنظر إليه، وأحمله بين يدي كأنه قط:
  • محمود أين كنت؟
    يجيبني:
  • في المدرسة ماما..في المدرسة..
    ذهبت إلى مدرسته كي أستطلع الأمر. عرفت أنهم ينوون فصله منذ مدة، وأنهم قد أرسلوا إنذارات بالفصل لغيابه المتواصل. قلت إنني لم أتحصل على أي خطاب منهم، ولكنهم أكدوا أن لديهم ما يفيد استلامي لإنذاراتهم وتوقيعي!
    رجعت إلى البيت. ظللت أبحث عن محمود في كل مكان. تحت الأريكة. تحت الكراسي، والطاولة. وجدته أخيرا يقف تحت السرير. حملته وكان ينتفض من فرط البكاء، وقد كان في حجم الفأر. نظرت في عينيه، وفرائصي ترتعد من فرط الشعور. الصدق يا محمود هو علاجك الوحيد..مذ تكذب وأنت تقصر. أدمنت الكذب حتى صرت كالفأر. لا تكذب على أمك..بل لا تكذب على أي أحد..وقتها ستعود..
    لست أذكر ما حدث بعدها. لكنه لما حضر في اليوم التالي بعد العصر وسألته قال كذلك إنه كان في المدرسة. راعني أنه كبر فصار عند ركبتي. بعدها بيوم سألته كذلك وأجابني ذات العبارة، كما أنه قد أصبح عند كتفي.
    بعدها بيومين حضر محمود..وجدت رأسه تكاد تصل إلى مستواي..ابتسمت وقد تركت له رأسي يقبلها، ويقول في رضا:
  • لن أكذب بعد اليوم يا أمي. أبدا!
    تركني وذهب..نظرت إلى السقف وأنا أفكر. ربما نحتاج إلى بيت جديد بسقف أعلى بعد أسبوع على الأكثر. نظرت إلى نفسي في المرآة. ساءلت نفسي ترى كم يبلغ طولي أنا؟

١٥- طابور المدرسة . طلعت مصطفى العواد

فرحة تفوح . أمل نبت نما . أخيرا مازن حمل حقيبته مثل الكبار. ارتدى قميصه الوردى أسفله بنطاله الأحمر . كرافته مثل الزبرجد تتدلى من رقبته. سعادة كبيرة تتدفق من قلب والده . إنه اليوم الأول لمازن فى روضة المدرسة . كم حلم بمعلمته .و ألعاب ملائكية يقودها. وخيال يسبح ويسبح إلى عوالم ماوراء الدنيا .
أخيرا وصل على عتبة المدرسة . انبهر لكثرة الطلاب وانتظام صفوفهم عيناه تدور . تطوف تمسح المكان ككل. بشر وحجر وأشجار . هذه المناظر سلبت إرادته . سار مجزوبا مشدودا بجمالها ورهبتها .
على بعد مترين من سلم روضته تسمرت قدماه فى الأرض . رفض استكمال السير. قاوم كل من يحاول تغيير هدفه. حتى والده لم يفلح فى توصيله إلى قاعته . تعالى بكاؤه أكثر فأكثر. انتظر والده كى يهدأ بلافائده وتأخر عن عمله .
أنظار مازن تتجه إلى طابور تحية العلم بزيهم الخاص . وأغانى الإذاعة الجميلة .
أشار المعلم إلى مازن أمسك يده برفق فهدأ . طلب الأستاذ من والده . تركه معه لحظة . انصرف الوالد فى قلق على ولده . توارى خلف البوابة عيناه ترقب من فتحة فى الباب مازن
جاء دور . تحية العلم . التلاميذ تغنى بلادى بلادى فى همة ونشاط .انفعل معهم مازن . خرج الصوت من فمه الصغير يغرد مع التلاميذ فى صوت واحد
تحيا جمهورية مصر العربية
انصرف التلاميذ بنظام هندسى إلى فصولهم
مازن واقف بجوار الأستاذ . عينا الأستاذ قالت له هيا معى إلى روضتك
قال مازن : تفضل أنت يا أستاذ إلى عملك . أنا أسير بمفردى إلى روضتى

١٦- الحقيقة ليست كما نراها دائماً بقلم أبوسفيان القدال

في مرحلة الاعدادية قررنا نحن مجموعة الطلاب الملتزمون أن نكون جمعية الإصلاح لأجل محاربة بعض الظواهر السالبة التي تنتشر بين الطلاب. وكان اختيار أعضاء الجمعية يكون تبعاً لأخلاق الفرد، ومدى ماعرف عنه من علامات الصلاح والانضباط. أسند إلي رئاسة الجمعية وتم اختيار فتحي سكرتيراً بجانب عضوية مقدرة من الزملاء الآخرين. كنا نقوم كلما سنحت لنا الفرصة بممارسة عملنا الإصلاحي من الدعوة للحرص على أداء صلاة الظهر في جماعة، ومن انكارٍ للمطاردات التي يقوم بها البعض للطالبات من مدارس البنات التي تقع بالقرب من مدرستنا. وكثيراً ما اصدمنا بأصحاب الأفكار الأخرى المضادة لحركة الاصلاح إلى درجة تصل أحياناً للعراك بالأيدي. كنا نصبر أنفسنا بأننا أصحاب رسالة ولا بد لنا من التضحية في سبيل ذلك.
لم تكن عضوية الجمعية بالأمر السهل، فكل من يريد الانضمام إلينا لابد له من أن يمر بكثير من الاختبارات حتى يكون أهلاً للمهمة التي نتصدى لها. ولا يقتصر ذلك على عملية الانضمام فقط ولكن يظل الجميع تحت النظر ، فإذا بدر من أحدهم مايخالف الأسس التي قامت عليها الجمعية فهو يتعرض للفصل مباشرة. ذات يوم وأثناء تجوالي في فناء المدرسة سمعت شخصا يناديني بصوت عال ، وقفت حينها و التفت إليه فإذا به خالد العضو النشط بالجمعية ، سألته بسرعة:

  • ماذا هناك ياخالد
  • فتحي ياحسن رأيته ممسكاً بيد إحدى الفتيات
    ألجمتني المفاجأة من هول ماسمعت وبعد أن استجمعت قواي قلت له :
  • لابد أنك قد رأيت شخصاً آخر يشبهه
  • بل هو بعينه، لقد رأيته أكثر من مرة لكنني لم أرغب في كشف سره. وإن أردت التأكد من ذلك فتعال معي غداً في نفس الموعد .في الصباح كنا أنا وخالد نراقب الطريق، وبعد طول انتظار جاء فتحي ممسكاً بيد طالبة من طالبات المدرسة الاعدادية وهما في حالة من الاندماج تدل على قدم العلاقة التي تجمع بينهما .
    عقب تأكدي من الأمر دعوت إلى اجتماع عاجل ، خرج القرار سريعاً ولم نستدعي فتحي حتى ، بل كلفنا خالدا لإخباره. تم تعيين يوسف سكرتيراً للجمعية بدلاً من فتحي، ولم يراجعنا شخص في ذلك فهم يضعون ثقتهم الكاملة بنا،ويدركون أن هناك سبباً ما جعلنا نتخذ مثل ذلك القرار .
    حاول فتحي جاهداً معرفة السبب الذي تم فصله من أجله، لكنني أمرت خالد بأن يكون الأمر سراً بيننا وأن لايخبر أحداً. بعد مدة فتر حماس فتحي ولم يعد يهتم بالعودة للجمعية أو بصحبتنا .
    في إحدى الأيام تغيب فتحي عن الدراسة ووجدنا أنفسنا في موقف حرج ، بعد أن ذهب إلى زيارته الجميع ماعدا أعضاء الجمعية ، وبعد طول مشاورات قررنا أن نذهب إليه في منزله، وهناك كانت مفاجأة كبرى في انتظارنا ، الفتاة التي رأيناها مع فتحي نفسها أول من استقبلنا عند الباب وقامت بارشادنا إلى غرفة فتحي الذي تصادف أن خرج في ذات اللحظة. وما أن رأيته حتى باغته متسائلا :
  • من تكون تلك الفتاة
    أجابني على الفور:
  • لماذا تسأل بهذه اللهجة الحادة ، لكنني على العموم سوف أخبرك من تكون، تلك الفتاة شقيقتي الصغرى.

١٧- ” حلم سعيد ” الكاتب أيمن عامر فتح الله الملط

قطع سعيد درجات السلم بوثبات سريعة وهو يغادر منزله ذاهبا للجامعة مفعما بالأمل والتفاؤل ويشعر بتلك الطاقة القوية والغريبة التى تدفعه للأمام ويستعد معاها لخوض مشاق الذهاب للجامعة اليومية ولكن فجاءة وقفت تلك سيارة الأجرة التى اقلته للجامعة دون أن يخبر السائق بوجهته ذلك السائق الذى لم يسأله ثمن التوصيل والغريب أنه لم يستغرب ذلك ؛ نزل سعيد من تلك السيارة ليجد نفسه داخل قاعة محاضراته والزملاء جميعا يهتفون للعبقرى الذى وصل توا وهم فى انتظاره وإذ به يشعر بتلك الكف التى نزلت على كتفه ” لا أستطيع أن أبدأ بدونك أيها العبقرى ” أنه أستاذه فى المادة التى ينبغ فيها ابتسم سريعا وهو يركن ذلك الاستغراب الذى بدا له أولا جانبا واعتاد الأمر سريعا وكأنه شئ ٌ مألوف وهو يجيب أستاذه قائلا “أنه لحسن طالعى أن تكون فى انتظار طويلب مثلى يا أستاذنا الكريم” لا يعرف لماذا ابتلع غصة فى ريقه وكأنما الأمر غير مفهوم بالنسبة له ‘انتفضت عنه الدهشة مع صوت كراسة الإجابة وهى تسقط على أمامه مع صوت حانى”أنه امتحان البكالوريوس أيها العبقرى تمالك أنفاسك لم يبق سوى القليل لترتاد تلك المنصة ” تلاشت عنه الدهشة سريعا كالمرات السابقة ليبدأ الامتحان برغم أنه جاء ليستمع لمحاضرات اليوم لكنه سعد أنه بأخر امتحان له وإن لم يتذكر متى بدأ هذه الإمتحانات ؟!
طاف خياله بحبيبته كيف هى الآن ؟ وإذ بها فجأة تجلس بجواره تمتحن معه رغم أنها فى كلية أخرى إلا أنه أيضا زال شعوره بالاستغراب سريعاً مع صوت عميد الكلية وهو يعلن نجاحه وتفوقه على جميع زملائه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى وأنه تم تعيينه معيدا بالكلية مع تخصيص معملا خاصا له انتبه فجاءة لأمه وهى تقبله وتحتضنه داخل نفس القاعة بالكلية
مع صوت زغاريد يلهب حماس كل من فى القاعة فمال على يد أبيه ليقبلها وفجاءة يبحلق بشدة إلى أخر اتساع عينيه فى وجوه زملائه الذين لا يحركون ساكنا مع ابتسامة ثابتة على ثغورهم يلتفت ليسأل أباه عما أصاب زملائه ليجد أباه مثلهم تماما ثم يلتفت لأمه التى تضع يدها الحانية على خده وهى تقول “” سعيد. ……. سعيد استيقظ يا بنى ستتأخر على الجامعة”
فتح عينيه ليجد نفسه داخل غرفته بالمنزل فاحتضن حلمه ليبدأ الروتين اليومى للذهاب إلى الجامعة ويدخل من باب قاعة المحاضرات متكاسلا
وهو يستمع لنفس أستاذ المادة الذى رأءه فى الحلم منذ قليل وهو يستشاط غضبا على زملائه ” مازالت مبيعات كتابى منخفضة وليست بالقدر الذى أريده إن لم ترتفع مبيعات الكتاب فلا نجاحا لكم عندى أنتم وذلك التعيس الذى يسمى (سعيد) والذى يظن نفسه عالما ويناقش ما كتبته فى كتابى ويقارنه بكتابين أو ثلاثة قرأهم فوق رصيف باهت كعقله فإياكم ثم إياكم أن تركنوا لكلامه فأنا الأستاذ وليس هو””
فالتصق سعيد فى مجلسه وزفر زفرة حارة متمتما ” ليته لم يكن حلما”

١٨- حديثٌ رَهِين المحْبس بقلم ليلى الزاهر 

اعتاد الدكتور فراس أن يتناول قهوته مع الدكتورة منال كلّ صباح تجمعهما طاولة واحدة في مقهى المشفى ، يرتشفان قهوتهما معا.
عُرفا أمام الجميع كثنائيّ مُبدع يتصفحان ملف المريض ثم يوجهانه بأدب جمّ .
كلاهما يستمعان لملاحظات زملائهم في المهنة بحب وانتباه ، يتجنبان النقد أمام المرضى ويتبادلان الاستشارات الطبية بكل احترام وتقدير.
يكنّ الدكتور فراس كل الحبّ والتقدير للدكتورة منال المتزوجة من قريبه جاسر .
أحبّ الدكتور فراس الدكتورة منال منذ اليوم الأول لدخولها المشفى ،ولكن ظلّ ذلك الحبّ حبيسا في إحدى غرفات قلبه المُحكمة بإتقان .
أما الدكتورة منال فقد نشأت في أسرة فقيرة ، وقد كان هدفها الوحيد في الحياة إكمال تعليمها فاجتازت جميع مشاق الحياة حتى وصلت لما هي عليه الآن . كانت صديقتها نهى ترقب إنجازاتها وسيرها الحثيث نحو النجومية العلمية في المجتمع فسارعت بخطبتها لأخيها جاسر .
مرت الأيام والسنين ومنال ترقب معاملة جاسر السيئة المقرونة بالتهكم والسخرية على أسرتها الفقيرة ، وكم صادفت الكثير من التهميش أثناء اجتماعاتهم الأسرية .
لقد عُرفت أسرة جاسر بالنعرات العصبية والتشدد القبليّ ، فكانوا لايتزوجون إلا من الأسر ذات الشأن الاجتماعي المرموق في نظرهم لضمان مسيرة سلالتهم العريقة في طريقها ، وتصبح شجرة العائلة قوية الأغصان بأشباهها إلا أن دخول منال في هذه العائلة كان خطأً فادحا باعتقادهم وبالرغم عن أنه تمّ اختيارها لمكانتها العلمية إلا أن ذلك لم يشفع لها عندهم .

على أن الجمال والمال سلطانا يقع تحته الكثير من الأزواج إلا أن جاسرا كان يعامل منال بنفور واحتقار ، حتى بمرور الأيام .
لقد كانت دموعها تنهمر أمام الدكتور فراس
في مناوبتها الليلية حيث الهدوء يخيم على أرجاء المشفى ، تصف حالها قائلة :
لو سبرتَ أغوار نفسي لن تجد سوى الألم المقرون بالشوق لطفل يُنسيني تلك الحياة القاحلة مع زوج لم أعرف معه سوى العجرفة ونكران الحبّ ،فجاء رصيدي ضئيلا جدا من السعادة التي رسمتها لحياتي.
وكان فراس متعاطفا معها كثيرا ، بل كان يحاول ضبط مشاعره نحوها خشية الانفلات وغالبا ماكان يحتويها بدروس مكثفة في الصبر وإن كانت لهجته الحادة تكشف عن غضبه أحيانا من منال ليواجهها بسيل غاضب من الكلمات قائلا :
منال ،بتّ أكره تلك الفجوات بين أفراد المجتمع ومازلت أقول لكِ: أنتِ لست في سوق نخاسة ، لن تساومي على إنسانيتك بثمن زهيد ، مازال هناك متسعا من الوقت لتركضي أمام الأبواب المشرّعة أمامك .
الدكتور منال : رويدك يا فراس ، لاتضيق عليّ الخناق ،وأشفق عليّ من حديث إذا خرج من قلبي فسوف يؤذيني وإذا بقى رهين المحبس سيقتلني .

رحلت بي خواطري نحو القمر يذكرني هدوء الليل بأنوثتي الصارخة حين اكتمالها ، لكنها ضلت طريقها فانتزعها مني لصوص النعرات بمحض إرادتي.
أصبحتُ أكره جسدي ، تطايرت منه روائح نفاياتهم البغيضة بل أنهم في كل يوم يحفرون لي قبرا وأشاركهم في حفره باستكانتي وخضوعي .
كم أكره صراعهم المستمر حول هَيْمَنَة نُفُوذهم المزيف!

لقد طوى حديثي مع القمر ذلك النّداء الذي شقّ الأسماع بأصوات مكبرات الإسعاف ، أسرعتُ الخطا للإسعاف ، يتبعني الدكتور فراس ، هناك حالة طارئة ،أحدهم يغرق في دمه جاء بحادث مؤلم .
طارقٌ في منتصف الليل ، جاء مُحمّلا بالألم والأسى ، تعالت صيحاتي عندما أبصرته ، خاطبت قلبي :
أفعل ماتأمر أيها القلب ستجدني بإذن الله من الصابرين!
بدأت قيثارة آلامي تعزف أنواع الألم على زوجي المسجى أمامي دون حراك .
كان قلبي يخفق بشدة بين الحب والواجب لإنقاذه ، مرّت في ذاكرتي لحظات حفل زواجي وخريف حياتي مع هذا الزوج .
هل أنا الطبيبة أم الزوجة المكلومة ؟
اختلطت الأمور ، لم أشعر بنفسي إلا وأنا في السرير الأبيض وبجانبي الدكتور فراس .
كانت ليلة مُضنية ، حمدت الله تعالى وأغمضتُ عينيّ لاستلهم من المجهول قوة أجابه بها الشقاء والاستسلام لفاجعة فقد زوجي .
أيها الزمن قف بي لتضع نهاية سعيدة وتكون رسولا للضياء الذي سوف يبدد عتمة حياتي ، بدأ شعاع الشمس يؤنس وحشتي، وعاودتْ أنهار الحياة الفاتنة تقطع ألحان الصمت التي تغنيتُ بها كثيرا في أمواج الوحدة .
خاطبني بحب : هيا انهضي أيتها الكسولة ، أمامنا عمل طويل .
قلت له : بجانبك أشعر بجمال العمل ، أصبحتُ حرم الدكتور فراس ، كنتُ أشعر معه بأن العالم امتزج بجميع أنواع السعادة .
البسمة لاتفارق محياه ، يمدني بقوة عجيبة في المشفى وفي المنزل ، حبه العميق يتسلل صوب روحي ليحيلها جنّة وارفة الظلال .
عشت مع فراس أجمل سنوات عمري ، نبني أحلامًا ، نكبرُ واقعا ، أمسكنا مجاذيف الحياة. نبحر سويا ونبدع في رصف كلمات الحب والتضحية. بجانبنا أولادنا الذين شقّوا طرق الحياة الوعرة معنا ،فغدونا أسرة متماسكة قوية لايهزها ريح عاصف ، وتمضي في طريقها بثبات .

١٩- أم شريرة بقلم د هبة صبحى البدوى

وحلّق الشبشب الطائر فى سماء البيت معلنا حالة الطوارئ،
انتى يا بت …هو الواجب دا مش هيخلص النهاردة ..مش ناوية تفلحى ولا إيه ؟!
النداء المبهم ..دون تحديد الإسم يجعل البنات فى حالة انتباه ..لا تدرى أى منهن (على مين الكلام ؟).
والقرد الصُغيَّر فجأة يتوقف عن الحركة ،ويعلن حالة الثبات وصوت دقات قلبة المتسارعة غير محدد السبب بالظبط ، هل هو من حالة الزعر اللى صابته؟ ولا من فرط الحركة اللى ماسابتش حتة فى البيت مقلبتهاش فوقانى تحتانى؟
أنا عارفة إن انا السبب ما انا ما عرفتش اَربِّى..منهم لله بتوع التربية الإيجابية ،هى دى أخرتها عايشة فى جبلاية قرود ،
الحقيقة العيال حفظوا الكلمتين دول من امهم .
تقريبا يوميًا بتتكرر المعركة دى ،وأخرتها آسفين يا ماما وكام حضن وكام بوسة وهى تزعل من نفسها وتقول أنا عارفة ان انا أم شريرة وهما يضحكوا عليها ويقولوها انتى أحلى أم ويتصالحوا ويناموا .
وهى تقعد تِأنب فى نفسها طووول الليل ، وتفضل تروح وتيجى تتأمل فى برائتهم وهما نايمين ..ميستاهلوش منى كدة أنا قاسية أوى، وهما حلوين وطيبين لسه أطفال طبيعى يلعبوا ويكركبوا، إن شاء الله من بكرة هنبدأ صفحة جديدة
ومش هزعق خالص .
يااااه مين يصدق إن دى هىّ البنوتة الرقيقة اللى ماكانش بيطلعلها حس؟ .وهو إيه يعنى اللى فضل على حاله؟! زمن الدلع رااااح ….نامى يا بطة بكرة وراكى يوم طويل .
ويرن المنبه يصحيها من الحلم اللى كانت بتحلم فيه إنها نايمة .
بتفكر نفسها بالوعد بتاع امبارح ،وتروح تصحى ولادها برقة
يا كتاكيت ماما :….يا طعمين ماما :
وتعلى الصوت سِنّة وتكرر تانى.
مفيش أى استجابة غير همهمات وتمتمات ورفصات وحركات غيرمبررة .
تبص فى الساعة تلاقى الوقت عَدّى…….تبدأ تتوتر وتعرق وتنسى الوعود والاتفاقات …..وفجأة تِسخن وتدخن زى حلة الضغط اللى على النار .
يلا اصحوا هو أنا ااا لاااااازم أزعق….!
معاد المدرسة … خلى عندكو دم الساااااعة سااااااااابعععععة .
وتنط على المطبخ، وكل واحد يُنط فى هدومة.
ويبدأ يوم جديد من يوميات الأم الشريرة .
وبعد ما تنتهى الجولة الصباحية وتوصلهم بسلام لباب الشقة ، ميهونش عليها تدخل تكمل نوم ولاّ تقعد فى هدوء،
تجرى وراهم من شباك لشباك تراقبهم لحد ما يختفوا عن نظرها ،وتفضل تدعى وترقى وتتوسل لربنا يحفظهم ويوفقهم ويرجعهم لها بالسلامة .
وتدخل تكمل نوم وتبدأ وصلة تأنيب الضمير .
يا ترى ولادى بيحبونى؟ ولاّ شايفينى ماما البُعبُع ؟
إللى طول الوقت بتدى أوامر، صلّ يا بت ،ذاكر يا واد ،
إعدلى هدومك ، إتكلم بأدب ، سلسلة من الأوامر والنواهى
المستمرة الا منتهية .
هو فى ظاهره تعسف وجبروت امراة ،
لكن هو ده فِ نظرى منتهى الحب .
منتهى الحب هو غرس كل نبيل ، هو البعد عن الدلع المفسد ، هو تعلم الاعتماد على النفس ، والإحساس بالآخر .
ما انا لو طول الوقت بطبطب وادلع هطلع شوية عيال بايظة واعتمادية ومعندهمش أى تحمل للمسؤولية .
بس لازم مسحة المحبة تظهر فى الكلام والحركات من وقت للتانى ،ولازم المكافأة على العمل الحلو ،ولازم التشجيع وتكبير أى عمل جميل قاموا بيه .
…أييييييوة…….يرد عليها ضميرها ..تمام ..تمام …أخدت المخدر انا …وزى الفل …إنتى أم زى الفل ..نلحق ننام بقا .
وقبل ما ترد عليه يررررررن المنبه ،تقوم تنط من ع السرير علشان تلحق تخلص الأكل قبل ما يرجعوا ، وتفضل تلف وتدور وتروَّق وتنظف وتطبخ ، ولما كل حاجة تبقى زى الفل
يااااادوووب هتقعد ترتاح ، يرن جرس الباب :
حبايب قلبى وحشتونى .
وفجأة …تتطاير الجزم فى كل مكان …وتترمى الشنط فوق الكراسى …وتتقلع الهدوم ..وتتبهدل الدنيا ..وتعم الفوضى .
ويخرج العفريت من القمقم .
وتبدأ جولة الزعييق الجديدة .
وتستمر الأم الشريرة… شريرة ….
أنا ؟!
أيوة انتى ماتحاوليش ….شريرة شريرة

٢٠- لعبتي بقلم جيهان النجار

بحثت عن لعبتي حتى كلّت قدمي ، وعزا الشيب مرفقي
يااااا .
ما أوسعه سطح منزلنا القديم ، لطالما حلُمت باللعب فيه ، كلما ارتقيت السلم إليه ، هبّت نسائم عليلة ، تستقبلني ، ثم تهبط معي حتى “غرفتي “
فى منزل جدتي القديم، لطالما حلمت بأشياء أفعلها ، ولم تحدث ، فاكتفيت بالحُلم
ورافقت الخيال سنوات الصبا ، أذكر أن ” أمي ” نزعت “لعبتي ” من يدي، أدركت وقتها كيف يكون الفراق مرًّا ،فكتمت بكائي ، أو حاولت أن أبكي فأبت عيني أن تذرف دمعًا أمام أحد ،
كنت دائمًا أقبع بزاوية ، أتأرجح بين نسيان مميت ، تجاهل قاتل من الجميع، أنا في الخلف ، وهي تتصدّر المشهد ، تأخذ الحلوى ، تحوز العطف والاهتمام ، تستمتع باللعب حتى الثمالة ، بينما أكتفي انا بما تقدمه لى جدتي محدودة البصر العجوز ، هكذا مضت حياتي ، حتى يوم استغرقها اللعب ،
فزلّت قدمها وسقطت من فوق السطح ، وبرحيلها خيّم حزن
في المآقي ، فبكت أمي وقتها بعين واحدة.

٢١- نبوءة بقلم عبد الرحيم كاري – المغرب.

نبوءة

رأيته، يجاهد لعبور إحدى الحواجز الإسمنتية على الطريق، دافعا عربته المتحركة بكلتا يديه، ورأسه إلى الأمام والعرق ينز من جبينه، عروق ساعديه تبدو حبالا مشدودة، لكن الحاجز كان صعبا عليه تجاوزه دون مساعدة.
انعطفت إليه، وساعدته على العبور، دون أن يراني، وما إن تنبه لصنيعي معه، التفت يمطرني بالدعاء، استفزتني ملامحه، وأنا أتفرس قسماته، وخيل إلي أن هذا الوجه ليس غرييا عني. وسرعان ما اهتديت من يكون، وتذكرت أمه العجوز التي كانت لا تفارقه، وكان قد ابتعد عني، في تلك الأثناء، وابتلعته حشود العابرين المتدفقة عبر الشوارع والأزقة المكتضة.
عادت بي الذاكرة إلى ذلك اليوم الذي سألت أم معاق يتيم الأب، يلازم عربة متحركة:
كيف حال الابن؟
خفضت رأسها، وأطلقت زفرة أسى عميقة، وتطلعت إلى بعينين منكسرتين يرسم الشقاء حولهما ختمه الذي لا يمكن للعين أن تخطئه وخاطبتني قائلة بصوت هدجه تعب السنين وسكنه النحبب والأنين:
_ما دمت تعيسة، فهو بألف خير. لكن لا آمن عليه غدر الزمان، إذا ما مت أن تنتقل إليه لعنة التعاسة.
انتفضت انتفاضة ديك مذبوح، ركضت خلفه، أنشد اللحاق بذلك التعيس، لأسأله عن حال أمه كما كنت أسألها عنه، وأبعث لها بمبلغ صغير كما اعتدت كلما صادفتها في طريقي.
ظللت أذرع المكان جيئة وذهابا لكن لم أظفر له بأثر.
أنهكني التعب. وتعكر مزاجي، فارتأيت أن أحتسي فنجانا من السمراء وأدخن سيجارة حتى تهدأ نفسي قليلا.
لكن صورته وهو يصارع ذلك الحاجز المنيع لم تفارق خيالي لحظة. أسماله القذرة. نظرته المنكسرة. شفتاه اللتان تعودتا على الدعاء بنفس العبارات المكرورة، عجزه القاهر، أوغلت في الماضي سنوات أخرى، حيث التقيت العجوز آخر مرة. وأسرت لي بمخاوفها على ولدها من غوائل الزمان.
وإذاك عرفت أن ما قالته لم يكن عبثا، وإنما نبوءة.

٢٢- الحادي بقلم مهاب حسين مصر.

رغم فشل محاولاته السابقة.. لكنه لم يعبأ، وأخذ يهزها بعنف، حتى أنهكه التعب.. فتمدد عاقدا يديه خلف رأسه، مُحدقا إلى السقف العاري.
……………………………

كان متميزا عن أقرانه بطوله الفارع وشعره المجعد.
كانوا يلقبونه بالحارس لهلّته المثيرة للفزع والدهشة..
قال له:

  • الحارس هو من يدفع الأذى ويذود عن عرينه، الملاذ الأخير حين تهب الأعاصير. يحتفظ دوما بنقاء سريرته وجلاء فطرته، حتى لو غامت الفصول وتعاقب الليل والنهار بغير اكتراث، وتعب الناس وصار الكلام هزلا والهزل كلاما. رد في حماس:
  • كالأسد.
    أومأ برأسه بالإيجاب..
    أعجبته كلمات أبيه واستقرت في قرارة نفسه.
    …………. ………. …….
  • لمَ تحبسها؟.
  • أخشاها..
  • أرأيت منها ما يسوء.
  • لن أنتظر وقوعه.
  • أطلق سراحها.. تتحرر روحك!.
    ومضت كلمات مُعلّمُه كالبرق في ظلمات جوفه، فغمرت روحه بسحب النور والطمأنينة.
    ………………………..

حين اندفع الجمع غاضبا.. ينشرون الفزع والرعب، يثيرون الغبار واللهب في أقدامهم، انكمش الرعاة ولاذ الفتيان بالفرار. اعتصم عوام الناس بأعلى الجبل، واختبأ الرماة.. تلفت حوله فلم يجد أحدا، زحفهم يقتل اليابس ويمحو الشجر.
أبصرها عن قرب.. يأسرونها مقيدة، انتصب واقفا.. خيره الجمع بينه وبينها، أمسك عصاته المجدورة في كبرياء وأدارها في زهو مستعدا للقتال.
……………………..

  • لم تتغلغل في نفسي كلما كبرت، كأني ولدت بها. “تساءل “.
  • “موتك في موتها “!.
    من صاح بهذه العبارة وأنا ألج حي الجمالية المكتظ باللغط والصخب؟.. أراقب الصبية وهم يتقاذفون الكرة، يركلونها بأرجلهم في كل اتجاه، وتظل تتعارك مع أقدامهم حتى تدخل عبر إحدى الأقدام إلى المرمى المفتوح.. فيهلل الجميع وتغشى البهجة الوجوه والنفوس.. أما هي فيأتون بها ويعاودون نفس الكرّة !! .
    ………………………
    زحفوا إليه متدثرين بالظلمة والصمت.
    لم يشعر بوجودهم لأول وهلة..
    حتى أيقظه صوت ارتطامهم بدلو ممتلئ بالمياه.
    هب من مرقده بجذعه الأعلى، نفض عنه دفء الفراش.. أدخل قدميه بحذر في خفه البني، أحكم ربط عمامته، امتشق عصاته، فتح الباب بغتة، فصعقتهم المفاجأة.. تحركوا ببطء في مجابهته، بدوا أربعة أشخاص أو خمسة..
    باب الغرفة من وراءه مفتوح.. ظلالهم منبسطة أمامه، خلفهم سور حجري
    يحجز عتمة لاقرار لها..
    لمحها تزحف ببطء صوب بئر السلم هاربة..
    في نفس اللحظة التي كان يتأهب فيها للنزال.

٢٣- غريب في بيتي بـ قلم أسـمـاء الـبـيـطـار

منذ أن تخلت عنها أمها و لفظتها و أنا أعتبرها رابع أبنائي ، و منذ أن وطأت قدمها البيت و هي تغمر الجميع بالود و المحبة ، لكن لي عندها منزلة خاصة و الجميع لاحظ ذلك ، غار منها أولادي لكنهم لم يُضايقوها يوماً و أحبوها على حبي لها
و في يوم دق جرس الباب ، هرول إبني الصغير ليفتح .
_ماما مهندس التكييف وصل .
أهلا و سهلاً خلّيه يتفضل .

دخل المهندس و لم يُغلق باب الشقة خلفه .
و من عادتها إنها لا تُحب الغُرباء و تهابهم
لكنها تجلس في مكانها تراقبهم من بعيد في هدوء تام حتى ينصرفوا
لكن هذه المرة كانت على غير عاداتها !
أتت لي مُسرعة ينتابها حالة من الذعر الغير معهود !
صعدت على فخذي ، ثم إلى صدري و تعلقت برقبتي .

نعم هي لا تستطيع الحديث و لكني أفهمها جيداً .
_ مالك فيكِ إيه ؟!
خايفة من إيه ؟
تعجب أولادي من حالتها و من حديثي معها !
_ ماما مش هتفهمك ؟
لا هي فهماني كويس
أخذت تنظر إلى الطُرقة
نعم فهمت أن مصدر قلقها يأتي من هنا .
و لم تتركني إلا عندما قولت لها : تعالي وريني خايفه من إيه ؟
تعجب أولادي مني للمرة الثانية !
_ ماما إنتِ هتسمعي كلامها ؟!
خرجت معها و هي تسير خلفي بحذر شديد

فوجدت ” قط ” غريب يأكل من طبقها
نعم التهم معظم طعامها .
لكن لم يكن هذا ما يقلقها
كانت تظهر عليه علامات الشراسة رغم صغر سنه !
و عندما رآني ” بخ ” فيا بعِزم ما فيه
و ظل واقف مكانه بكل جراءة دون أن يتحرك خطوة واحدة !
تملكني الخوف أنا أيضاً
تمالكتُ نفسي كي لا يزداد خوفها
و نهرته كي تطمئن
خرج من باب الشقة بظهره
نظر لها شزراً و كأنه يتوعدها
إذا تُرك باب الشقة مفتوح مرة أخرى .

٢٤- وجع بقلم سامح الشبة

لا شيء يوجعني على باب المشفى إلا رؤيتك يا إبراهيم وسط الأسِرة البيضاء ، في ركنٍ ركينٍ كطفلٍ أخذ وضعية الجنين ، توقف عن الحركة وعن تنفس الهواء .
فأنا أريدك أن تعيش كما الصبية في البيت يتشاكسون ويمرحون ويلعبون .. وتصير يوماً رجلاً قوياً أميناً وأفرح بعروسك .
رأيت الطبيب من بعيدٍ يضع سماعة دقات القلب ويمسك بأطراف أصابعك ويهمهم لمن حوله بكلمات يكسوها الحزن .
أسرعت خطاي نحوك يا إبراهيم وكلمات تخرج معها روحي :
انهض يا ولدي واهزم هذا المرض .. فأنا أمك … أريدك معي .
ليتك في أحشائي الآن لأمدك بنقاء الهواء والطعام وتشبع وتنام قرير العين.
تكبر كل يومٍ وتتقلب يميناً ويساراً براحةٍ ويسر.
كنت في فرحةٍ عارمةٍ يوم جئت لدنيانا ، وقرأت في أذنيك آية الكرسي ، وكاد أبيك أن يخفيك عن أعين الناس خوفاً عليك وقرأ لك المعوذتين.
والآن تتركنا دون أن تسلم علينا ودون أن نحتضنك؟!
تذهب وحدك إلى هناك وتترك محبيك هنا دونك ؟!
كيف؟!
وما شهدنا منك إلا كل وداعةٍ وسكينة في عذب كلماتك وسكناتك.
دمعت عينا أبيك وضمك إلى صدره قائلاً :
وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون .

٢٥- العميد بقلم نوال احمد رمضان

” وصل وصل وصل “ً… صرخ بها الجدُ وهو يزفُ لابنه نبأَ ميلاد ولى العهدِ بعد ان سرق انتظارُ الحُلمِ اجملَ سنواتِ العمرِ؛ تُهديه البناتُ الهمَ والغمَ والتهديدَ بالطلاقِ.
ثلاثُ قمراتٌ … لم يحضنْ او يُقبلْ واحدةً منهن قط!
وقد عقد العزمَ ان تكون هذه فرصتها الاخيرةِ؛ الولدُ او الطلاقُ والزواجُ باخرى تُنجبُ الحُلمَ ودعمه الجدُ والجدةُ المتلهفان لذكرٍ يُحيا جذورَ العائلةِ وبشره الطبيبُ؛ فاغدق بالعطاءِ على زوجتِه وبناتِه واسترد حماسَهُ وهناءَه .
وفى صباحِ اليومِ الموعودِ، ضج البيتُ الكبيرُ بالزغاريدِ والتهانى واروع الاغانى -“ولما قالوا ده ولد انشد ظهرى واتسند “-
رزقه الله ابنًا جميلَ المُحيا؛ اقام الافراحَ والليالى الملاحَ احتفالًا بعميدِ العائلةِ وقد صار شُغله الشاغلِ .. تدليله، يهدهده، يحدثُه باحلامِه وامنياتِه، يكبرُ الحبيبُ وطلباتُه كُلها مُجابة، يفرضُ سطوتَه على اخواتِه، يُهينُ امَه؛ يضحكُ الابُ ويشجعُه: ” انت الرجلُ .. ادبهم “
البناتُ يشعرن بالهوانِ والحرمانِ والامُ تحاولُ ان تعوض بناتِها وتنصح زوجَها وتشكو للجدِ فيقهقهُ: ” هو العميدُ والعميدُ له ما يريدُ “
يصطحبُه الى المقهى: ” انت رجلٌ والرجلُ مكانه بين الرجالِ “
وهو فى الخامسةِ عشر ضبطه يُدخنُ، لم يغضبْ، لم يمنعه او ينصحووه باضرارِه،ُ تركه يفعلُ كلَ شئٍ واى شئ.
يطلبُ جنيهًا فيعطيه عشرةً، يباتُ خارج المنزلِِ فلايبالى فهو الذكر.
اما البنات فرغم قسوته وبخله عليهن صرن مثالًا يُحتذى به فى الخُلقِ والتفوقِ.
وذات صباح استيقظ على فجيعةٍ كُبرى؛ لقد قُتل العميدُ بجرعةِ هيروين زائدة فى بيتِ صديق السوءِ

٢٦- الذنب بقلم حميد محمد الهاشم -العراق

ربما أخطأوا إذ تركوه يصل المنصة ويتحدث.. ربما لحسن حظه إنه سيتحدث وربما لسوء حظه.. لا أحد يدري.. وكذلك لحسن حظهم أو لسوء حظهم.. أيضا لا أحد يدري.. وبسبب سوء فهم في توقيت اللحظة تمكن الرجل من أن يعتلي المنصة؛
قال وهو يحكّ فروة رأسه.. – انكَم جميعا تعرفون القرد الَمقطوع الذنب.. فمن منكَم…….!!
تعالى ضجيج الحضور.. ذاك مستنكراً… آخر متأففاً.. آخر فاغر الفم.. وذاك وذاك.. لكن الرجل لم يأبه ولم يعرف احد تماماً لِمَ لم يأبه لضجيجهم فأكمل ممتزجا صوته مع الضجيج متقاسَمَين اللحضة التي أسماها هو باللحظة الهجينة.. خفتت شيء ما دوائر الضجيج وبدأت تضيق ولكنهم لم يعرفوا الى اين وصل بكلامه..

  • لا تهمني اللحضة التاريخية التي يقال انها ذنب مقطوع.. إنها وبلا ريب لحظة مبتورة ولكن اسمحوا لي أن أقول إن هذه اللحظة هي بريئة من القطع أو من عدمه أنما المشكلة تكمن في ما نراه نحن فيها، ونحن من يمثلها..
    أصبح الحضور اكثر صمتا بل إن بعضهم طلب من جليسه القريب أن يتريث لكي يستمع جيداً عن قصة القرد.. واللحظة المبتورة.. والذنب المقطوع
    قاطعهُ أحدهم وكان مؤدباً في قطعهِ
    -هل وضحت يا سيدي ماذا تعني؟ فلا شك انك تريد أن تقول شيئا.. ربما عصيَ عليك أن تنقله كله إلينا.. وربما عصيَ علينا أن نتفهم قصة اللحظات والقرود المقطوعة الاذناب.
    فاجأ الجميع رجل المنصة بجوابه
    -انا لا اريد الحديث عن الذنب المقطوع أن كان من قرد أو ثعلب أو من لحظة.. انا اريد الحديث عن.. عن جرأة هذا الذنب المبتور.
    كثر اللغط مرة أخرى وأنقسم الحضور المحتشد في تلك القاعة في أحدى ساعات قيضنا المجنون… كان لا يشبه أحدهم الآخر تماما إلا ربما بالبحث عن المعنى.. عن دواخل المعنى.. عن المغزى ولهذا انقسم الحضور مرة اخرى الى اكثر من فريق، قال احدهم لينزل الرجل فلدينا ما هو أجمل وأفضل مما يتكلم.. وكان ثمة من يرفض ترجل الرجل عن منصته.. ثمة معنى يريد أن يصل إليه.. كفّ كُمي قميصه وراح يتحدث وكأنه لم يشعر بالزعيق ودار بعينيه المليئتين قلقاً في تلك القاعة المحترقة مع تلك المناديل التي تحرك هواءً ثقيلاِ أمام الوجوه بدل المراوح المتمردةِ عن العمل
    ثم قال بصوت جهوري..
    -ايها السادة… لي الحق أن أجّمع أفكاري لأقول أن القردةليست قردة في اذنابها ولم تُسمَ قردة لأنها تمتلك ذنبا مقطوعا أو غير مقطوع.. بل إن القردة نفسها لا تعنيني.. ما يعنيني أيها السادة هو الذنب المقطوع الجرئ.. فنحن نعرف قصة تلك الكائنات التي بترت اذنابها في أساطير أجدادنا الجميلة والتي تحكي أن كل ابترٍ ضاع فيما بعد بين فصيلة البتران هذه..
    أن ذلك الذنب المبتور قد تجرأ.. قد تجرأ أيها السادة ليلتحق بكم.. فأنتقلت تلك الاذناب المعقوفة لتلتطق في…… مؤخراتكم!!!
    مؤخراتكم..!!!
    ارتفعت حُمى الضجيج مع نهاية المؤخرات… ( أتشتمنا أيها الرجل… أيها النكرة.. أيها.. أيها..)
    استخلصَ لحظةَ ردًّ لكي ينقذ تأملاته المشتومة وأجاب بهدوء بعد هدوء بسيط من تلك الشتائم
    -يا سادتي انا لا اعنيكم انتم ولكنكم لستم استثناءً…….. توقف ليلتقط أنفاسه ثم اكمل،
    في أي مكان تتوجهون إليه لقضاء أمراً ما هل تتعاملون بثقة كاملة الولادة، أليس بنصف ثقة تخافون ضياعهُ ونصفٍ آخرٍ ضاع ولم تجدوه… أو يكون أحدكم قد اعتلى منصةَ كرسي متحرك بقفزة من مشروع حرّمته الأرض رغم ذنوبها قبل السماء لينتقل إلى مشروع آخر أكثر مكراً.. أليس ذلك يشبه ذلك القرد الذي لا يلبث أن يتمسك بغصن حتى يقفز إلى غصن آخر.. هل تتعاملون مع السماء إلاّ بكلمة مقطوعة الأطراف وهل تتعاملون مع الأرض إلاّ بثقة شوّهتوا احشاءها باكاذيب دفينة ومعلنة.. لا حياء عند القرود وكذلك ما إن يوضع أحدكم على كرسي تشبه تلك الغصون حتى يفقد ذلك الحياء بل إنه يمسح هذه الكلمة من قاموسه الذي أصبح مبتور الكلمات.. أن الذنب جريء فيكم والله وحده يعلم أن ذلك يثير البكاء ام يثير الضحك.. والله ونحن نعلم أن ذنب القرد ليس انحراف عن الطبيعة اما ذنبكم انتم هو انحراف كامل التكوين.. تدرون أو لا تدرون
    استمر رجل المنصة التي أغتصبها عنوة ليتحدث عن الاذناب الجريئة والثقة المقطوعة واللحظة الهجينة الغريبة وسط فوضى وهدوء… وهدوء وفوضى.!!
    خرج الرجل وعيون الحضور تتفحصه بين علامات استفهام وعلامات اقتناع وأخرى استنكار ورفض..
    لكنه خرج ولم يعد مرة أخرى
    الغريب في الأمر أن في اليوم التالي صعد رجل ممن كان في الحضور مكتئباً قلقاً لشيء ما.. قال
    -أيها السادة اعيروني انتباهكم لا أدري… لا أدري.. لقد رأيت ليلة أمس في المنام أن لي.. أن لي… ثم اطرق برأسه…. ثم اكمل أن لي ذنباً.. والاغرب انه ذنب مقطوع
    ضحك الجميع.. ضحكُ قلقٍ وشكٍ.. وكل خشيتهم أن لايكون هذا الحلم هو حلم الليلة القادمة……كل واحد منهم كان يخشى ذلك….يخشى ذنب الليلة القادمة………!!

٢٧- إلى أجل غير مسمى بقلم أبومازن عبد الكافي .

أربعة أبناء كانوا منذ بداية شهر مارس الحالي يتبادلون مكالماتهم مع بعضهم ويتناقشون في أنواع الهدايا التي سيقدمونها لأمهم في عيدها هذا العام .. حتى لا يتكرر نوع الهدية .. حاولوا أن يخرجوا من دوامة الحياة التي تخطتفهم طول العام من عش أمهم الذي تربوا فيه في حضنها وحنانها وعطفها ورعايتها حتى شبوا عن الطوق وانطلقوا خارج العش كل منهم طار إلى غايات وأهداف وأحلام كان يرنو لتحقيقها .
كانت تعيش في عشها البسيط وحيدة تصلي فروضها وتدعو لهم ولأولادهم بالفلاح والنجاح والصحة والعافية .. وتصبر نفسها على بعدهم عنها وتلتمس لهم الأعذار .. كانت راضية بزيارة أي أحد منهم ولو مرة أو مرتين على الأكثر في العام ومهاتفة أي منهم ولو مرة واحدة في كل شهر.. وحنينها إليهم لا ينقطع ولا تمل من الدعاء لهم ليلا ونهارا .
كانت تنتظر هذا اليوم من أجل تجمعهم حولها مرة من كل عام.. ليس من أجل الهدايا.. ولكن من أجل فرحتها بتجمعهم حولها هم وأحفادها .. يوم موعود تنتظره بشغف وتتمنى لو تسارعت عجلة الأيام والشهور ليأتي شوقا وحنينا للمة الحلوة.. التي تسعد بها ويفرح قلبها.
كانت ترعاها ابنة الجيران فتاة يتيمة مقابل أجر مادي يعينها على مطالب الحياة هي ووالدتها .. وكان رقم هاتفها مع الأبناء الأربعة حتى تتواصل معهم عند الحاجة ويتواصلون هم معها إذا لم ترد الأم على اتصالهم لأي سبب ليطمئنوا عليها.
تعود الأبناء الأربعة على الاتصال الجماعي يوم عشرين مارس بالأم .. ليخبروها أن تستعد غدا لاستقبال العيلة.. الآباء وزوجاتهم وأولادهم..
وكما يقولون.. دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. لم ترد الأم على هذا الاتصال.
فاتصلوا بالفتاة ففاجاتهم بأن الأم أصيبت بنزلة برد شديدة وكحة وترقد في سريرها منذ أسبوع.
سري الوجوم قاسيا على وجوههم.. ونظروا لبعضهم البعض..
قال أصغرهم هيا نذهب إليها الآن.. ماذا ننتظر ¶!!!

فتمتم أحدهم يبدو أنها أصيبت بالفيروس اللعين كورونا كيف سنذهب إليها .. فينتقل إلينا.. نحادثها هاتفيا ونوصي الفتاة أن تأتي لها بالأدوية حتى تتعافي ثم نذهب إليها بعد ذلك .. طأطأ آخر رأسه يبدي موافقته والثالث متردد ينظر إليهما والي أخيه الأصغر الذي يريد أن يذهب لأمه..
نظر إليهم أخوهم الأصغر نظرة غضب تكسوها دهشة رهيبة ثم انطلق يجري مرددا أنا ذاهب لأمي وليكن ما يكون..
وصل الابن الأصغر إلي عش أمه ودق جرس الباب بلهفة وإذا بالفتاة تفتح له وهي تبكي بشدة قائلة :
الأم أوصتني ألا يدخل أحد منكم الشقة إلا بعد أن تتعافي خوفا عليكم من العدوى.. حتى أنا لا تسمح لي بمخالطتها وأوصتني بطهي الطعام كل يوم وتجهيزه عندنا ثم وضعه في الصالة وهي تخرج من حجرتها وتأخذه ووضعت لها الأدوية أمام حجرتها من أول يوم أصابها المرض . وتطلب مني احتياجاتها بالاتصال بالهاتف.
وتستحلفكم بالله ألا تدخلوا عليها وتوصيكم بالدعاء لها بالشفاء حتى تراكم لآخر مرة في حياتها.
اتصل الإبن باخوته وقال لهم وقد أجهش بالبكاء..
اطمئنوا على أنفسكم أمنا ترفض لقاءنا إلى أجل غير مسمى .
بقلم :
………. أبومازن عبد الكافي.

” عبدالكافي فاروق عبدالكافي بطل “.

٢٨- حصاد الخير بقلم أحمد يوسف سليم

الحياة تشبه الأرض ستحصد حتماً ما تزرعه في جوفها خيراً كان أو شرا !
تزوجت أسماء من شاب هادئ الطباع ميسور الحال تتمناه كل فتاة..
تم الزواج سريعاً وذلك بناء على رغبة العريس ولم يلتفت أحد لماذا يتعجل العريس الزفاف؟ ! والإجابة عرفتها أسماء من أول يوم زواج عندما اكتشفت أن زوجها يعاني بعض الأمراض التي تعمد إخفائها عنها وعن أهلها. ولأن أسماء من عائلة متدينة وعلي خلق لم تفشي سر زوجها وصبرت وتحملت ما لم يستطع أحد تحمله من سوء معاملة من أم زوجها وأخواته البنات وكانت نعم الزوجة. . . وبداخلها يقين بأن الله سيشفي لها زوجها يوماً ما!
مرت السنوات إلى أن جاء اليوم الذي شاء الله وقدر شفاء زوجها. جلست تتحدث مع نفسها وتقول الآن ستبدأ حياتي الزوجية فأنا مازلت عروس. وإنتظرت لهفة زوجها عليها وأنه سيأتي يخبرها بأنه يقدر ما فعلته من أجله وأنه سيعوضها عن سنين عمرها ونسيت أن الزمان قد مر دون أن تشعر. نسيت أن تنظر لنفسها في المرآة لترى تلك التجاعيد التي كانت حصاد الشقاء والمرارة والتعب. . وكانت سبباً في تغير زوجها بعد شفائه وإتهامه لها بالإهمال وأنها لا تصلح زوجة! ! وذلك بعدما إعتاد عليها كخادمة له وزاد الطين بلة حين قرر الزواج من أخرى صغيرة لكي يعوض سنين عمره التي قضاها بالمرض. . وهنا عاشت أسماء أقصى درجات الذل والإنكسار وبعد صلاة إستخارة أكثر من مرة طلبت الطلاق متنازلة عن كل شيء خرجت بثيابها فقط.. كان الجيران يبكون على ما حدث ل أسماء ذهبت إلى بيت أخيها ووجدت عمل وبدأت حياتها تهدأ. .
وفي إحدى الليالي وهي نائمة جاءها صوت وقال: “ما ظنك برب العالمين”؟ ؟
قالت: نعم آلآله سيجبرني ولو بعد حين”.
قال: والله ستجبرين قريباً
مرت مدة من الوقت. . .
وجاء أحد أبناء القرية لخطبتها لم يسبق له الزواج من قبل رغم أن عمره 40عاما تعجبت أسماء لأنها تعرفه فهو شاب وسيم وعلى خلق لماذا لم يتزوج إلى الآن ولكن عندما جلست معه في بيت أخيها تلاشت كل علامات التعجب فهو أصبح كفيف. . وعندما تساءلت متى حدث ذلك؟ قص لها قصة عجيبة! !
قال: أردت أن أعمل عمرة قبل الزواج ولكن أثناء عملي دخل أحد الرجال وقال هناك سيدة تربي أطفال أيتام أصيبت بمرض يحتاج عملية جراحية وهي لا تملك من حطام الدنيا شيء فمن أراد منكم المساعدة جزاه الله خيراً وهنا قررت أن أتبرع لها بفلوس العمرة كاملة وأخذت صديقي وذهبنا إلى البنك وسحبت الفلوس وأثناء سيرنا جاء من خلفنا لص يركب دراجة نارية وحاول خطف حقيبتي ولكني تشبثت بها إلى أن سقطت ليرتطم رأسي على أحد جوانب الأسفلت وفقدت الوعي لأفيق وأجد نفسي هكذا. . . ثم قال في إنكسار أعلم بأني سأكون حملا ثقيلا عليكي إن وافقتى ولكن لم يكن الأمر بيدي.
وهمّ ليخرج وإذ بها تقول له موافقة! !
وهي لا تعلم كيف خرجت منها هذه الجملة دون تفكير. . . .
لعلها إرادة الله عز وجل؟!
بكى الشاب من الفرحة وهي أيضا بكت لفرحته.
وتم الزفاف على كتاب الله وسنة نبيه وكان فرح إسلامي
وبعد الزواج بشهر فاجأها زوجها بعمرة وكانت أمنية حياتها؟
وهناك إنهمرت بالبكاء وهي تدعو وترجو من الله أن يعيد البصر لزوجها وبكي أيضا زوجها كثيرا. . . .
كانت تحتضنه وتقول له أنت عوض الله لي ولن يرد الله دعاءنا.
وبعد العودة بأيام يدخل عليها زوجها يمدح جمالها لتأخذه أسماء في أحضانها وهي تبكي من الفرحة لقد عاد بصرك الحمد لله رب العالمين.. تلاشت التجاعيد من وجه أسماء وكأنها تبدلت ً أصبحت جميلة بشكل عجيب حتى أن زوجها بدأ يغار فقالت له أريد إرتداء النقاب؟
فرح جدا لذلك. . وبعد ستة أشهر تعبت أسماء وذهب بها زوجها للطبيبة فتبشرهم أنها حامل سجد الزوج باكيا يصرخ ما أكرمك يا رب العالمين؟ وبعد تقدم الحمل تبشرهم الطبيبة أنهم توأم ليزداد كرم الله عليهم لأنهم أحسنوا الظن به. . . . . . تمت .

٢٩- مازالت تنتظر بقلم مشيرة شحود شحود

كل صباح تأتي مسرعة لغرفته
لتلقي عليه التحية ،
يبتسم ويشير لها بيده / تعالي /

تبتسم وتأتي لياخذها بالأحضان مع القبلات ، يتلمس شعرها ويزيحه عن وجهها ليرى باقي التفاصيل .
وبحنان يجلسها في حضنه ويطوق خصرها بزراعيه الحنونتين
ليجعل من نفسه تلك الهزاز الذي لاينسى .
وهكذا كل صباح
وذات ليل مبهم استيقظت على كلام غير مفهوم
وبكاء ونحيب
قامت مسرعة وهي ترتجف خوفا
لتحتمي به ولتشكو له تلك الصخب المرعب ، ارادت أن تقترب من فراشه . فمنعتها بعض النسوة .
رأت اشياء لم تفهمها ، الغطاء الأبيض على وجهه وبعض الحركات الغير مفهومة بالنسبة لها
وبعض الأشخاص الغير معروفين
وبعض الأشياء الغريبة المرعبة .
وضعوه على خشبتين بينهما حبل ثخين . وذهبوا به مع كلمات وتمتمات مبهمة
دون أن يشعر أحد بها
حاولت اللحاق به ، لكن تصدوا لها ومنعوها بقوة
قالو لها : لقد ذهب إلى السماء
وسيأتي يوما…. ما ….
ترك على جبين اليأس قبلة
تركها على منصة الحيرة والأنتظار
عاشت على هذا الأمل سنين
حتى أيقنت إنه لن يأتي بعد
وإنه قد ااستسلم للموت الخالد
فكتبت له تقول
عود
عود أيها الغافي
فروحي تشتهي أن تشتكي
وليرتمي جسدي المرهق بين ذراعيك
فلا حصن كحضنك الدافي
ولا ذراع أحن من ذراعيك
ثم قالت
لقد هرمت ياأبي
وغزى الشيب رأسي
ومازلت أشعر بزنار خصري
ومازلت تهمس في أذني
ومازلت أتمرجح على تلك الهزاز الحنون
ورغم السنين
لم يستطع الزمن تمزيق ذاكرتي
ليمحي تلك التفاصيل
…..
مشيرة…….

٣٠-خَـــــــــــــواءٌ بقلم: أحمد عثمان


تنتصب الأعمدة كأشباحٍ متنمِّرةٍ تحيط بالميدان الفسيح؛ مرسلة أضواءها عيونًا تزفرُ فحيحًا، تغمرأرجاء الساحة؛ فتترصد ذاك الواقف بالوسط وحيدًا، تتشععُ ظلالُهُ حوله متشبثةً به، تكبِّلُ قدميْه، كلما حاول الخلاص فارًّا نحو الحافة؛ تتطاول وتقصر وهى متحلقة حوله لاتُفْلته، تستشيط غضبًا لفعلِهِ؛ فتجذبه نحو البؤرة ثانيةً .. نالهُ التعب، دسَّ يديْه في جيْبيّ معطفه الكالح؛ يبحث عن خبيئته في أركانها، أصابته الخيبة، واعتراه القنوط حين عادت خاويةً، يحدِّثُ نفسه:
ــ أيناها تكون قد ذهبت ؟! .. أتُراها تحلَّلت ـ بعد طولِ مُكْثٍ ـ أم تبخَّرت، أو ربما تسللت هربًا من مصيرها ؟! .. ولِم العجب والجميعُ تشظَّى من حولِك، وتركوك وحيدًا ؟!
حين رفع من إطْراقتِهِ الطويلة؛ أعْشَتْهُ حِدَّةُ الأنوارِالمتحفِّزةِ كأنها سِهامٌ مِشرعةٌ نحوه ، ردَّ بصره إلى قدميه محاولاً انتزاعهما من قيودهما.. اعتراه الفشل، تهاوى كومةً متهالكًا، مُثْقلاً بالخواءِ والضياع ..
دبيب أحذيةٍ ثقيلةٍ تطرقُ الأسفلتَ الباردَ؛ تفرَّقَ مصدرُهُ في أُذُنيه، يأتيه مع تقدُّ مِ جحافل الظلام تطوق الميدان، يُحكِمُ يديه حول رأسه المدفون بين ركبتيه .. تتكالب عليه ظلالُه ، تنهشهُ بلا رحمة؛ بينما القاعُ يميعُ من تحته شيئًا فشيئا حتى يحتويه ..
ضبابٌ كثيفٌ يغمر المكان .. تغيم الرؤى أمام عينيه، تحتجب المئذنة التى كانت تتراءى له من بعيد عبرنافذة الطابق الملكيِّ خاصته في بنايته العملاقة، يلكزه هلالها بلا كلل ولاهوادة، ودموعٌ مهيضةٌ ساخنةٌ تتساقط فوقه مطرًا مالحًا تلسعه؛ فيتقلب صارخًا .. يرفع يديه لأعلى يحاول التشبث بأكفٍ خشِنةٍ يابسةٍ لطالما ردَّها كسيرةً؛ فتتقهقر مبتعدة غير مكترثة له ..
يستفيق .. وعرقٌ لزجٌ يغْمره، وصدى هلوساتِهِ يتردَّد في الأرجاء:
ــ الرحمة.. خلُّوا سبيلي .. خذوا ماشئتم ودعوني
تنسحبُ المصابيح وصخب ضحكاتها الساخرة يجلده، تنسلُّ ظِلاله النافرة في إثرها مُوَلِّيةً تمتطي المجهول.. يخيِّمُ السكون، ويتمدَّدُ الظلام؛ إلا من ضوءٍ ثلجيِّ يُرسِلُهُ القمر الساكنُ بعيدًا يترقب، ومابقِيَ سوى ظِلٍّ وحيدٍ بائسٍ لايُفارِقه ..

٣١- “عصفورين على غصن الخريف” بقلم /إسماعيل قمر

تتكاثف الأنفاس المقتربة،
الممتزجة بآهات صامتة ومسموعة، على زجاج نافذة، تطل على ما كان…

قبل أن نلتقي،كانت هوايتها جمع الطوابع البريدية،
تدوين الأحداث اليومية أصبحت هوايتها الجديدة..
سألتها،
-ما سر حرصك على تسجيل كل ما يدور بيننا من أحداث؟

بابتسامة خفيفة، قالت

-لنستعين بها بعد مرور سنوات،في تحديد من منا كان أكثر عطاءا
-جيد، ولكن يتطلب الأمر حيادية
-سأمنحك حق إعادة العرض آخر كل ليلة.

أتأملها…. ملاكٌ نائم،
ممسكاً بيدي مذكراتها، أقرأها عليها، وتبحر بنا في أيام وارفة الظلال..
على ما يبدو…كانت هناك ليالٍ لا تحتاج إلى تأريخ،
ليلةٌ أخبرنا فيها الطبيب،بأننا سنقتسم ساعات السمر الطويلة،دون أن يزعجنا أحد،
حينها استسلمنا للقدر،وحرصنا على إقتناء الباقيات الصالحات

حين صعد بنا الزمن إلى أعلى تلال العمر، العطاء صار أودية خضراء.
تغيرت الأحداث، وصرت أجلس كثيراً، أتأملها، ولا تعرفني…
أقرأ لها،…لا تتذكرني.

٣٢- نداء بقلم سعاد محمد مصر

امي لقد تخرجت من الجامعة اليوم، وهذا بفضل الله ودعواتك.
تذكرت الحاجة نعمت هذة الكلمات وهي جالسة على سجادة الصلاة تدعو الله أن يرد “حسين” ابنها من غربته التي طالت، فهي كلما قامت بصلاة الفجر، تأخذ صورته تضمها إلى صدرها ودموعها تنهال، تعاتبه اه يا ولدي نسيت امك وحضنها، قولت لن اغيب عنك، قلت انت الوطن والحضن والزمن.
فتحت الشرفة، لتنتظر شروق شمس يوم جديد، وترى وجهه أمامها يبتسم كعادته، تنادي عليه بصوت مرتفع يرتد صداه في فضاء غرفتها، وفي قلبها الحزين، لعل قلبه يسمع هذا النداء المستمر، ثم تتوجه إلى الباب لتفتحه لعل أن يكون أول من يدخل منه.
اشتد المرض اللعين عليها، كما اشتد بها الشوق إليه، وخاص بعد علمها بأن الدولة التي يعمل بها قد دخلت في حرب مع جارتها مما يمنعه من العودة إلى وطنه.
سلمت أمرها إلى الخالق سبحانه وتعالى لعل وعسى..
وقف “حسين ” بقبر أمه رافعا يديه إلى الله يقرأ الفاتحة على روحها طالبا منها السماح..

التعليقات مغلقة.