من مجموعتي القصصية
ليلة زفاف
مشاعر بلا حدود قصة قصيرة لحسين عيسى عبدالجيد ” مصر”
لم تذق طعم الألم إلا عندما دخل عليها ومعه بعض الأوراق التي توحي بأنه أصيب بذاك المرض اللعين؛ عندما علمت بهذه الكارثة التي حلت عليهم دون سابق إنذار؛
ذرفت الدموع والصرخات،
لكنها استفاقت بسرعة وتداركت حجم هذه المصيبة الكبرى،
وبدأت رحلة العلاج الصعبة والتي تحتاج الكثير من الأموال والصبر والتقرب إلى الله بالدعاء،
بعدما استنزفت كل ما لديها من مال ومصاغ؛
راحت تعرض أثاث المنزل كله من أسرة وسجاجيد وأواني حتى الأدوات الكهربائية كالثلاجة والغسالة والبوتاجاز والمكواه،
واستبدلت سريرها بحصير من الشوك وبعض الأواني البسيطة وإناء من الفخار لتضع فيه الماء،
وكأنها تعيش في قاع الريف وليس في قلب العاصمة المرموقة،
فصارت شقتهما خالية من كل شيء إلا الحب الذي يجمعهما وطفلتين صغيرتين،
طافت به مستشفيات حكومية وخاصة، يوما بعد يوم يأكل منه المرض كالنار في الهشيم،
فالبنية القوية لذاك الوسيم طولا وعرضا تتهاوى كل حين،
وأضحى منزلهما بعد سنوات من الفرح كئيبا محزنا، ونظرات العطف ترمقهم كل حين،
وبدأت تعالجه نفسيا؛
لإيمانها التام أنه لايقل شأنا عن العلاج العضوي، فتارة تختلس يوما أو بعض يوم ذاهبة به إلى الحديقة،
وتارة أخرى تذهب به إلى إحدى المحافظات الساحلية لقضاء بعض الوقت على رمال ذاك البحر الذي كان شاهدا على شهر عسل،
ذاق كلاهما كل ألوان الحب،
رويدا رويدا بدأ جهاز المناعة لديه يقوى وبدأت تشعر أنه بات أفضل كثيرا من الأول، لكن لأيام معدودة يعود خائرا،
ثم بدأ شعره يتساقط شعرة شعرة،
ثم صارت رأسه خاليه تماما منه،
في إحدى الليالي وضعت رأسه في حجرها، تحكي له ويسمعها بكل مايملك من أحاسيس،
ثم تسترق السمع له عندما يحكي لها إلى أن ينام، لكنها تطلق العنان لخيالها،
وتعود للخلف لسنوات خلت من كل شيء إلا الفرح، فهو زوج وأب وأخ وصديق وفي،
بار بأبويه وأخوة له أشقاء وغير أشقاء،
حسن الخلق مع كل من يتعامل معهم،
سواء كان الجيران أو زملاء العمل والدراسة،
فكان يشارك الجميع في الأفراح والأحزان، وأصدقاؤه كثر،
فكان بمثابة جدار صلد يستندون عليها في أحلك اللحظات،
لم تذكر يوما أنبها على فعلة فعلتها بقصد أو بغير قصد، إلا وكان ردة فعله تجاهها هادئا ومبتسما،
ربما تذكر ذات مرة؛
عندما خرجت للنافذة تنشر غسيلا،
وكان الشارع خاليا إلا من صبية صغار،
لكنه انزعج عندما كان شعرها الغجري منثورا،
فاكفهر وجهه غيرة،
وراحت تسأل نفسها ماذا تفعل لذلك الرجل والذي يبدو أنه يقضي معها أياما معدودات ويتركها وطفليها والأيام؟
وهي مازلت غر صغير لم يكتمل عمرها الخامسة والثلاثين ربيعا،
حتى إن نظرات الذئاب لها تكاد تلتهمها؛
عندما علموا بمرضه وأنه غير قادر على الحراك…، فأقسمت أن تدهس أنوثتها بحذائها،
فإن مات اليوم أو غد لن أكون لأحد،
فهل هناك رجل مثله في عطائه وحنانه؟
هل هناك قائد مثله قادر على قيادة سفينتنا لبر الأمان؟
هل هناك رجل مثله لم ينطق فوه إلا بالحق؟
هل هناك رجل يغض الطرف عن حسناوات يتفوقن عني جمالا ودلالا؟
هل هناك رجل يلمع حذاء زوجته عندما يلمع حذاءه كل صباح؟
هل هناك رجل يشرف على ملابسي وأنا ذاهبة إلى عملي لأبدو أجمل النساء؟
هل هناك من يوقظني في جوف الليل لنصلي طاعة لله؟
وضعت رأسه على الوسادة،
وهي لا تعلم أن روحه الطاهرة طارت لبارئها، انتظرت شروق الشمس بفارغ الصبر،
ولأول مرة تخرج دون إذن منه لمكان غير معلوم،
لتعود حالقة شعرها الغجري الجميل متضامنة مع زوجها الخل الوفي.
حسين عيسى عبدالجيد / مصر
التعليقات مغلقة.