مصر في عيون المحب الدكتور قاسم المحبشي
فيما يشبه الشهادة عن الزيارة والتجربة
زرت معظم الدول العربية من بغداد في الشرق إلى الجزائر في الغرب ومن الجنوب في اليمن إلى سوريا في الشام وما بينهما. في كل البلدان الصغيرة والكبيرة التي زرتها في أوقات مضت لغرض الدارسة والبحث والتفرغ العلمي والمشاركة في ملتقيات مؤتمرات ثقافية وعلمية، لم أجد بلد مثل رحابة مصر وتنوع خيارات العيش الكريم فيها. رغم أنها أكبر بلد عربي في عدد السكان قرابة ١٢٠ مليونًا نسمة. قلما تلحظ في شوارعها فقراء متسولين، وأن وجدتهم تكتشف انهم من الجاليات الوافدة. ما لفت نظري وأنا أقيم في أم الدنيا تنوع خيارات الحياة والعيش بما يحفظ لجميع المواطنين والمقيمين العيش الكريم بسلاسة ورفق وانتظام. ومن تلك الخيارات يمكن الحديث عن أهما:
اولا: خيارات في مقومات الحياة الأساسية، فالخبز في مصر متوفر لكل الشرائح والفئات الاجتماعية بأسعار زهيدة تبدأ من نصف جنية للرغيفة الواحدة وتنتهي بخمسة جنيهات للفطيرة المدورة المشلتت وما بينهن مستويات مختلفة من المعجنات التي تزخ بها الأسواق والمحلات التجارية في كل وقت من أوقات على مدى ساعات الليل والنهار.
ثانيا؛ منتجات الحليب والألبان. وجدتها في مصر أشكال وألوان من مختلف منتجات الحليب والألبان( الجبنة والزبادي والروب والزبدة والماينيز) بمختلف أنواعها الشهية بما يتناسب مع كل الأذواق والقدرات الشرائية للسكان. فيما لم أجده في أي بلد أخر.
ثالثا؛ الخضار والفواكه؛ تجد أنواع الخضار الفواكه المصرية في كل مكان طازجة من البقدونس والقرنبيط والبروكلي والنعناع والجرجير والطماطا والبطاط والبصل والثوم والفجل واشياء أخرى لا اعرف أسماءها، فضلًا عن البيض البلدي بانواعه الوفيرة ومن الفواكه الرمان والبرتقال والعنب والتفاح والافوكادو والفراولة واليوسفي والمانجو والبطيخ والشمام والجوافة والعاط والتين والزيتون.الخ.
ثالثا: اللحوم والأسماك؛ تزخر أرض الكنانة بثروة حيوانية وسمكية بحرية ونهرية غنية،
فاللحوم الحيوانية متوفرة وباسعار مناسبة جدا بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى فضلا عن الطيور من كل الأصناف من الديك الرومي والبطط والإوز والفراخ البلدي حتى السنونو والحمام.
رابعًا؛ الخدمات الأساسية، في مصر بنية خدمية متنوعة الخيارات في المواصلات لا مثيل لها، مترو الأنفاق بأسعار زهيدة جدا إذ يمكنك أن تطوف القاهرة بسة جنيهات فقط، والقطارات السريعة بين المحافظات إذ يمكنك أن تسافر من القاهرة إلى أسيوط ب ١٥٠ جنيه فقط درجة أولى. فضلًا عن عربات النقل الكبيرة الاوتبياسات والمتوسطة حتى التكتك في المدن المزدحمة بالسكان. وهناك خيارات أخرى منها خدمة التاكسي بالعداد والأوبرا عالي الجودة وسريع الخدمة وغير ذلك من خيارات التنقل التي لا اعرفها إذ لم أصادف منذ قدومي إلى القاهرة أي مشكلة في التنقل من مكان إلى أخر بيسر وسلاسة.
خامسا: تنوع في العقارات والمساكن تتاسب مع حاجات وقدرات جميع السكان، فيمكنك الإيجار بألف جنية ويمكنك الإيجار بعشرة الف جنية. ويمكنك شراء شقة بمائة الف جنية ويمكنك شراء شقة بمائة مليون جنية بسحب موقعها وقربها من النيل.
سادسا: تنوع ثقافي فكري وعلمي مؤسسي، في القاهرة والمحافظات يتيح الفرصة لجميع النخب الثقافية والفكرية والفنية ، حيث تعج بالصالونات الثقافية والمؤتمرات العلمية ومعارض الكتاب ودور النشر، والمنتديات الثقافية على مدى أيام الأسبوع. هذا فضلا عن نشاط الجامعات الرسمية والأهلية العديدة.
سابعا: تنوع سياحي رياضي، في مصر فالمواقع الأثرية والسياحية منتشرة على طول البلاد وعرضها بدءًا بأهرامات الجيزة أحد معجزات الدنيا السبع والقرية الفرعونية والغردقة وأسوان مدينة الملوك والإسكندرية وانتهاء بشرم الشيخ وساحل ذهب وطور سيناء واشياء أخرى لايتسع المجال لذكرها هذا فضلًا عن حدائق الحيونات والمنتزهات السياحية العامة ودار الأوبرا والكفتيريات وصالات الرياضة والمسابح والأندية الرياضية وغيرها.
ثامنا: تنوع إعلامي وخيارات الكتابة والنشر
في الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية والدورية في مختلف المجالات والاهتمامات هذا فضلًا عن تنوع دور الطباعة والنشر والتوزيع عالية الجودة والسرعة والكفاءة.
تاسعا: رحابة العيش والسماحة الاجتماعية
إذ يشعر الزائر لأم الدنيا منذ الوهلة الأولى بانه في مكان حميم لا يشعرك بالغربة أبدًا. وتلك خاصية مصرية بامتياز لم أجدها في أي بلد عربي زرتها. في مصر فقط ثمة اندماج اجتماعي وثقافي قل نظيره إذ تختفي كل الهويات والمرجعيات الاجتماعية والعقائدية والجهوية والأيديولوجية وتحضر الهوية الوطنيةالمصرية القوية، إذ لا تعرف من محدثيك أي إشارة أو نبرة تدل عن هويات أخرى غير هوية مصر الوطنية الإنسانية الحانية.
عاشرًا: الاستقرار والأمن والأمان. في مصر المكتظة بالسكان والمقيمين والعابرين
من مختلف جنسيات شعوب العالم لا وجود لي ملمح للفوضى، النظام هو السائد والقانون هو سيد الجميع والمدينة تزخر بالنشاط والحيوية على مدار ٢٤ ساعة والمعاملات تقنية وسريعة وراقية في مختلف المصالح الخدمية، فضلا عن تنوع فرص الاستثمار المشجعة في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والخدمية وبشروط ميسرة.انها أم الدنيا التي تشعر وأنت مقيمًا فيها بانك في بلدك ولست مغتربا.
تلك الفكرة هي التي تداعت إلى ذهني وأنا في مدينة السلام الباذخة السحر والجمال شرم الشيخ. إذ ذهبنا بغرض المشاركة في أعمال المؤتمر الدولي المكرس لبحث منهجية المرأة في بناء الأوطان الذي نظمته الأكاديمية الدولية للدراسات والعلوم الإنسانية. وقد سنحت لي الفرصة بالمشاركة بعنوان: تمكين المرأة من التعليم هو السبيل القويم لبناء الأوطان. هناك في منتجع شرم الشيخ السياحي الثقافي وجدت طيفا جميلا من تنوع الخيارات والبدائل الزاخرة بالمتعة والفائدة والإثارة. مؤتمر أكاديمي وورشة عمل نقاشية في هوتيل شرم هوليداى ريزورت بحضور نخبة متميزة من الباحثين والباحثات المصريين والعرب من مختلف الاختصاصات العلمية والمراحل العمرية ( أكاديميين واكاديميات ، قضاة وقاضيات طبيبات واطباء ومهندسين ومهندسات، معلمين ومعلمات مديرين ومديرات، اعلاميين واعلاميات أدباء وأديبات وغيرهم من النوع الاجتماعي اباء وامهات وابناء واحفاد وحفيدات وعرسان وعروسات الخ) وتنوع في برنامج المؤتمر وفقراته( كلمات ومداخلات ونقاشات وقصائد وتقييم وشهادات واوسمة وعضويات) وتنوع جميل في برنامج الترفيه السياحي ( زرنا ساحل ذهب واخذنا دورة تدريبة سريعة في الغوص تحت الماء diving بمعنى الغطس بين الشعب المرجانية ومشاهدة الأسماك الملونة وهي تتحرك في بيتها الطبيعي.
غطسنا مع مدرب الجروب المدرب يوشا
في مياة عالية الملوحة. قال لي يوشا هل تجيد العوم ؟ قلت انا ابن البحر ومن عشاق جولد مور الساحل الذهب. قال فيما يشبه التحدي المية تكذب الغطاس الدعي! ربطت احزمتي وتركت الكابتن يتدبر أمر الجروب وغطست لوحدي شاهدت الشعب المرجانية والسماك الملونة تمرق بينها في مشهد مثير لم اشهده في حياتي. رأت منحدر جبل الشعب المرجانية باتجاه الأعماق في منظر يسلب اللب وتذكرت معنى تفريق كانط بين الجليل والجميل. هنا يتجلى الجليل في ابها صوره. انتابني شعور ممزوج بالرهبة والمتعة الآسرة وتمنيت أني سمكة. ابتعدت عن الجروب عدت فراسخ وتداعت إلى ذهني صور حيتان البحر العملاقة وقلت في نفسي ماذا لو صادفني حوت القرش الكبير؟! فاسرعت راجعا في اتجاه الساحل وفي الاثناء ارتطمت ساقي بشعبة مرجانية حادة. احسست ببعض الآلم وحاولت اتمسك بغصن مرجاني مدبب فانفذحت اصبعي فتدفق منها الدم. ما اجمل الشعب المرجانية في العين وما اقساها في الملمس. تذكرت حكاية روتها لي جدتي
بأن الأسماك المتوحشة تشم ريحة الدم وتفترس المصابين فارتعدت فرائصي من تلك الفكرة المرعبة فاقتربت من الساحل
كثيرا وطلعت من تلك التجربة المثيرة بحجر جيرية حمراء وبذكرى لا تنسى.
بعدها تناولنا وجبة الغداء في المخيم وركبنا الجمال وذهبنا باتجاه الجبل وفي الطريق إلى الجبل زرنا معمل العطور والادوية والتحف المصرية لمدة نصف ساعة استمعنا لشرح ضافي عن تركيبات العطور والادوية النباتية الفرعونية وشربنا شاهي الكركديه اللذيذ واشترينا بعض من العطور والادوية. بعدها اتجهنا إلى وادي القمر في طريق غير معبدة ذكرتني بوديان اليمن وجبالها الكثيرة. وهناك في عمق وادي القمر افترشنا الأرض على طبيعتها الترابية وبعضهم صعد الجبل.امضينا لحظات جميلة مع فنان الخيمة وشاي الواد طيب المذاق. كانت الساعة تقترب من السادسة مساء فركبنا الحافلتين باتجاه شرم الشيخ مقر إقامتنا على بعد ١٠٠ كم. وفي الطريق المبعدة الواسعة بين الوديان والجبال شهادت تنوع وخيارات متعددة في مشاريع الطرق التي يجري انشاءها على قدم وساق. وصلنا شرم الشيخ وتناولنا وجبة العشاء وخرجت للتجول في خليج نعمة وفي منتجع شرم الشيخ هناك تنوع سياحي وثقافي على مدار ساعات الليل والنهار للكبار والأطفال يتنمى المرء أن لا ينام. وفي اليوم التالي عقدنا مؤتمر وذهبنا بعده إلى قصر ثقافة شرم الشيخ وبعد الثامنة كان موعدنا مع هوليود مدينة الديناصورات العملاقة والنافورة الراقصة واشياء أخرى جميلة جدا.كانت رحلة ممتعة ومفيدة وجديرة بالتعب وقطع مسافة ٥٠٠ كم من القاهرة إلى مدينة السلام الجديدة على ضفاف البحر الأحمر الممتد إلى اليمن.
وكان ما كان مما لست اذكره
فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
التعليقات مغلقة.