مفهوم العمل المؤسسي د. حاتم عزات كريزم
مفهوم العمل المؤسسي د. حاتم عزات كريزم
كثيرا ما نسمع عن مصطلح ”العمل المؤسسي” الذي دخل حياتنا الإدارية والتنظيمية في الآونة الأخيرة وأصبح يتردد بين الحين والاخر وينادي به كثير من القياديين والعاملين علي اعتبار انه المنقذ من التدهور الاداري والفساد المالي والخلل التنظيمي الذي تعيشه منظماتنا، لكن ما العمل المؤسسي؟ ماذا يقصد بهذا المصطلح؟ والذي جعلني اسال مثل هذا السؤال واتطرق الي مثل هذا الموضوع ما لاحظته من كثرة مناداه بعض القيادات وتكرار ترديد مفهوم العمل المؤسسي، واظنهم غير مدركين ان تطبيق العمل المؤسسي سيفقدهم الكثير من امتيازاتهم ويجعلهم تحت المساءلة والمناصحة، بل ايضا تقديم الاستقالة والمحاكمة إذا لزم الامر.
ولكي يتضح مفهوم العمل المؤسسي اراني مضطرا ان اعود الي أبرز نظريات الفكر الاداري الحديثة منها والتقليدية، حتى يكون النقاش موضوعيا وذا قيمه، سأوثق ما اقوله بتجارب المديرين التنفيذيين للمنظمات الناجحة.
كي نفهم مصطلح ”العمل المؤسسي” يجب علينا ان ندرك ان هناك نظريتين متناقضتين، وفي الوقت نفسه مكملتان بعضهما بعضا وهما نظريه ”المؤسسة الرائدة” وأسطورة ”القائد الفذ”. أسطورة الرجل العظيم او ”القائد الفذ” إحدى الافكار القيادية التقليدية التي انتشرت في بدأيه القرن التاسع عشر، وتقوم هذه الفكرة على بناء القائد شخصيته واهمال شخصية المنظمة، ولهذا ستظل المنشاة قائمه ولديها القوة على التغيير والنمو طالما بقي القائد، لكنها ستتوقف وتنهار بسرعه فائقة عندما يرحل عنها بنقل او ترقيه او وفاه، وقد تبنت شركه زينث هذه الفكرة عندما وصف موظفوها قائدهم ”ماكدونالد” بالمفكر العنيد المتألق. وتتحاشي المنظمات التي تطمح الي البقاء والاستمرارية هذا النوع من النظريات، لأنه مرتبط برموز وليس بفكر.
واستبدلت أسطورة ”القائد الفذ” بفكره ”المنشآت الرائدة”، حيث يبني القائد المنشاة وتكون لديها اليه البقاء والقدرة على التطوير والتغيير الذاتي حتى لو رحل عنها مؤسسها، لأنه انشا داخلها خاصية النمو الذاتي، ومن امثله ذلك شركه موتورولا، ماريوت، بوينج، وسوني. وبناء خاصيه النمو الذاتي للمنشآت يحتاج الي ابداع وعبقريه، فالقائد يصمم نظاما قادرا على استقطاب الكفاءات المتميزة وقذف الرديء من القياديين والعاملين والمتعاملين. فهذا النظام يشبه -الي حد ما -جسم الانسان الذي يحتفظ بالجيد من الطعام والشراب ونحوه ويقذف الرديء من الميكروبات والفيروسات. يقول سام ولتون مؤسس شركه وال مارت التي تتبني هذا الفكر: ”كنت دائما اريد بناء أفضل منظمه للبيع بالتجزئة بقدر ما في وسعي”، وها هي وال مارت ما زالت متالفه ومستمرة ومستقرة رغم رحيل زعيمها سام ولتون عام 1992.
ونريد ان نخلص هنا ونقول ان العمل المؤسسي مزيج من دمج نظريتين متناقضتين (المؤسسة الرائدة والقائد الفذ) يعملان معا بتناغم كما تعمل الثنائية الصينية.
دعونا نعود الان الي فكرنا الاداري والقيادي لنري اين نحن من العمل المؤسسي وفقا للعرض السابق. عند تحليلنا الفكر الاداري والقيادي لمنظماتنا وفقا لهذين المبدأين يظهر ان غالبيه مؤسساتنا تتبني الفكر القيادي العتيق المتمثل في ”أسطورة الرجل الفريد” ذي الشخصية البراقة وتغيب فكره ”المنشأة الرائدة”، رغم ان الكثيرين ينادون بذلك، لذا نراها تبني اعمالها التشغيلية واهدافها واستراتيجياتها -ان وجدت -على اساس وجود القائد، فاذا رحل عنها توقفت عن الحركة والانتاج. وعندما يتولى دفه القيادة قائد اخر يوجهها وجهه اخري، وقد يعود بها الي نقطه ”الصفر” في كثير من انشطتها بحجه التطوير والتجديد، وهذا سبب تخبط كثير من المنشآت وعدم نضجها ونجاح خططها وتجاربها لارتباطها برموز قياديه وليس بعقيده تنظيميه.
بطبيعة الحال يعد القائد المؤهل من سمات المنظمات الناجحة، لكن ليس لدرجه ان غيابه يفقد المنشأة صوابها فتثبت في مكانها او تنحرف عن طريقها.
في النهاية يمكن تعريف العمل المؤسسي بأنه:
(نوع من أنواع التعبير عن العمل التعاوني بين الناس، والميل بقبول العمل الجماعي وممارسته، شكلاً ومضموناً، نصاً وروحاً، وأداء العمل بنهج منسق قائم على أسسٍ ومبادئ وأركان وقيم تنظيمية محددة).
(التجمع المنظم بلوائح، يُوزَّع العمل فيه على إدارات متخصصة ولجانٍ وفِرَق عمل؛ بحيث تكون مرجعية القرارات فيه لمجلس الإدارة، أو الإدارات في دوائر اختصاصاتها؛ أي أنها تنبثق من مبدأ الشورى، الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي).
(كل تجمع منظَّم يهدف إلى تحسين الأداء وفعالية العمل لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بتوزيع العمل على لجان كبيرة، وفِرَق عمل، وإدارات متخصصة؛ بحيث تكون لها المرجعية وحرية اتخاذ القرارات، كلٌّ في دائرة اختصاصاته).
التعليقات مغلقة.