مقالات بسن القلم:(الألم الحقيقي والوهمي).. حسين الجندي
مادمنا نعيش فحتما سنتألَّم!
وهناك نوعان من الألم:
ألم حقيقي لا جدال فيه وهو الألم الذي لن يتجاهلك حتى إذا تجاهلته..
الألم الحقيقي سيعتصرك ويسيطر عليك ويسوقك..
الألم الحقيقي يمكن التعرف عليه وكشف هويته بسهولة،فهو ذاك الألم الذي لايطاق..
ذاك الألم الذي تستحيل معه الحياة..
ذاك الألم الذي تُسْدَل معه ستارة الأمل ولو إلى حين..
ذاك الألم الذي تصغر معه كل الأمور فتعفُّ النفس وقتها الطعام والشراب وجميع المُتَع،بل وقد تعفُّ معه الحياة ذاتها!
ولولا بصيص الإيمان والخوف من الرحمن لتخلَّص منها المُتألِّم غير آسف،بل ومُرَحِّبا بلا تفكير!
ذلك النوع من الألم لا فكاك منه فحقيقته الراسخة وواقعه الحي المُعاش هو ما يدفعك دفعا إلى الاعتراف به!
وقد تكون صُوَرُه مختلفة باختلاف الثقافات والاتجاهات ولكنها قطعا تصب في مصب واحد..
فهناك الألم الناتج من ضياع الدين وفقد الهوية الدينية والعيش كالأنعام بل أضل..
وهذا – لو علمت – من أشد أنواع الآلام الحقيقية،
ولكن فقط عند من يضع الدين كأولوية أولى وغاية كبرى يسعى إليها..
وإلا
لن يُمَثِّل له شيئا!
بل سيعتبر الفكاك من الدين ولوازمه راحة وواحة!
وطبعا هناك الألم الناتج من الأسقام الجسدية..
وهناك الألم الناتج من حُرْقَة الفَقْد لعزيز..
وهناك الألم الناتج من قلة المال أوفقد العيال فهما زينة الحياة الدنيا..
أو كثرة العيال عند فقد المال..
أو كثرة المال عند من يعيش في دوامته ومشاكله التي لا تنتهي..
وهناك الألم الناتج من ضياع الكرامة ومد اليد وقلة الحيلة والهوان على الناس..
وهناك الألم الناتج من السير في فلك واحد لا يتغير،فيغرق صاحبه في بحر الضجر والملل وفقد الشغف..
تلك وغيرها صور للألم الحقيقي الذي سيصدمك قبل أن تفكر في مواجهته..
لكن هناك نوع آخر من أنواع الآلام:
وهوالألم الوهمي!
فهو مرض نفسي عضال تكمن صعوبة علاجه في كونه غير مُعْتَرَف به..
فقط قد تستطيع أن تسيطر عليه بالالتفاف والتجاهل؛لأنه وهم مسيطر لا حقيقة واقعة،
فهو يدخلنا في دائرة المرض النفسي فترانا وقتها نتألم بلا سبب ونعيش في أكذوبة لا أساس لها..
ولا أبالغ على الإطلاق إذا قلت أن هناك آلامات كثيرة نعيش فيها وبها وتعيش فينا وتظل تنخر في عقولنا قبل أجسادنا..
تلك الآلامات التي تجعلنا نتصور أشياء لا وجود لها إلا في عقولنا!
نعم في عقولنا وفقط..
وذاك الألم الوهمي الناتج من علاقاتنا بالآخر فبسببه نخطئ في تقدير هذا الآخر إما بالزيادة أو بالنقصان فتختل الموازين داخلنا وترتبك معاملاتنا به على غير سبب مفهوم لديه وإن كان مبررا من ناحيتنا،فتراه يتعجب من هذا التَّجَنُّب اللامُبَرَّر..
وهناك الألم الوهمي الناتج من منظومة عتيقة عقيمة من العادات والأعراف البالية والتي أكل الزمان عليها وشرب،فترانا نتألم بمجرد عدم الحَيْد عن تلك المنظومة الفاشلة الهشَّة والتي لم ندع لعقولنا ولو للحظة أن نفكر فيها ونُقيِّمها فصرنا عبيدا لوَثَن: (هذا ما وجدنا عليه آباءنا)!
وهناك الألم الوهمي الناتج من الوسواس القهري والذي قد يدمر حياة أشخاص بمعنى الكلمة فتراهم يعيدون ويكررون ما قاموا به سلفا مرات عديدة للدرجة التي معها يتعجبون هم أنفسهم من ذلك قبل المحيطين بهم..
وهناك الألم الوهمي الناتج من التعلق بأشخاص وربط مصيرنا بهم فلا فرح إلا في وجودهم والحزن كل الحزن بافتقادهم،فصرنا كأولاد العَنْز لا يفارقونها ليل نهار وكأنهم مُسلْسَلون بها..
وبعد..
طبيعة فهمك لنوع ألمك هو طريقك الصحيح لمقاومته وتَحَمُّله..
فيا عزيزي:
ادَّخر تَأَلُّمك بما لا يستحق للوقت الذي ستتألم فيه بحق!
ولاتدع ألما وهميا يستنزف طاقتك حتى إذا ما داهمك الألم الحقيقي كنتَ خائر العزم، نافد الطاقة، رَخْو الإرادة.
التعليقات مغلقة.