مقتطف من رواية اللعبة ” الزود عن الفكرة “
مقتطف من رواية اللعبة ” الزود عن الفكرة “
محمود حمدون
الناشر : المكتب العربي للمعارف – القاهرة
مالك يا ” علي ” ؟ تعبت ؟ ! ضايقك حديثي ؟ تذّكر أنك ألحّيت في الحديث منذ البداية , لكنك رميتني بالغرابة , إن كنت أنا غريب الطبع , فأنت أكثر غرابة يا ” علي ” أنا مجرد شخص ربما يمتلك مهارة معينة , استغلّها في موضعها , أدرك ما يدور حوله , وعى أن وعيه مفروض عليه وأن إبداعه على فرض وجوده مدمج بخلاياه منذ الأزل فلا شيئ جديد يحدث ,
ما يحدث متفق عليه من قبل , مرسوم بدقة , قطار يسير على قضيبين لا يمكنه الخروج عنهما و لو بحادثة . فالصدفة لا محل لها بالعالم و ما نراه عشوائيا , هي حوادث لا ندري كنهها , لها معاني مستترة علينا .
تحدثت إليك وأسهبت بشرح فكرتي فنعتّني بالغرابة و شذوذ الفكر , رغم انسحابي من هذا العالم و اكتفائي بنفسي و انكفائي على ذاتي , أجتر فكرة سيطرت عليّ و أثملتني كخمر معتّقة , تصرّون على اقتحام عالمي ثم اتهامي بالجنون .
أتعرف يا ” علي ” كل ما هنالك أن رفضك سابق على فهمك للفكرة , رفضك رهن بشيفرة لم تعمل بداخلك بعد أو ربما تعمل ضد استيعابك و تقبّلك للفكرة .
= تلك رسالتي ودوري باللعبة .
أي دور ؟ أي رسالة هذه ؟
رسالتي هي دوري , في ” اللعبة “
بمعنى ؟ وعلى وجهه نُذر ارهاق شديد .
مرة أخرى بمعنى : أن أكون جزءاً من لعبة أكبر أعيها بعقلي وأعي ذاتي كشفيرة تعمل تلقائيا فأتخيّل أنني أدرك وأعي وأكتشف وأفكر .. أن أقلد النموذج الأوليّ بشكل أكثر حداثة , شكل افتراضي جديد.. أو أراه هكذا ..
أفاض ” فؤاد ” في شرح وجهة نظره كثيرا , ساعات مرّت وهو يفسّر ويلوّح بيديه مبتسما أحيانا , مكفّهرا أخرى ,يصيح لدرجة الصراخ ثم يخبو صوته لدرجة الهمس .. قطع صالة الشقة العتيقة عاقدا يديه خلف ظهره , ينظر تحت أقدامه كأنما يخشى النظر بوجه ” علي “, هل أخطأت في كلامي معك من البداية ؟
لعلكم تصفوني بالجنون ؟ لكم ما شئتم فالجنون مجرد اختلاف وإن كان اختلافي عنكم سأجد راحتي فيه فمرحبا به , ولا مرحبا بكم .
ندّت عنه ضحكة صغيرة سرعان ما اشتعلت لتصبح ضحكة أقرب لعواء , ارتجت لها جنبات الشقة .
” عزيزي وصديقي الوحيد ” علي ” تذكّر ما سأقوله لك للمرة الأخيرة لقد رأيت منذ قليل ما فعلت بيدي :
ثم كررّ جملة واحدة عشرات بل مئات المرّات : ما الوعي ؟ وما الوهم؟ كيف أدرك أنني أعي ذاتي حقا وليس ما فُرض عليّ من تصورات مطمورة بأعماقي منذ الأزل ؟
التعليقات مغلقة.