مقتطف من رواية كبريت ” صابرون مثابرون”
مقتطف من رواية كبريت ” صابرون مثابرون”
بقلم محمد على محمد حماد المنيا ديرمواس دلجا
صابرون مثابرون
اتشرف ان اشارككم مقتطف من روايتى الجديد كبريت بقلمى /محمد على محمد حمادى
جزء من رواية كبريت
من العجيب أن ترى هذه الروح المعنوية المرتفعة ، رغم قسوة الفاجعة و رغم أكوام المتاعب و الهموم و التى لا يخلوا منها بيت ،و رغم حنينهم لأطفالهم وزويهم ، رغم البرد القارس الا ان شيئا ما بعث الدفء فى أرواحهم قبل أجسادهم …ربما كان عشقهم لتراب هذا الوطن ،ربما كان ذلك الرباط المتين والذى لن تراه سوي بين هؤلاء الصابرين المرابطين .
_ أرجوا أن تخفض صوتك حتى لا تزعج سائق دبابتنا العزيز
قالها حمدى وهو يتأمل حسن ذلك الشاب الصعيدي والذى أسند رأسه الى جدران الدبابة الفولاذية و أغلق عيناه مستغرقا فى لحظات نوم إختطفته من مشقة التدريب و قسوة الطقس البارد
نظر اليه عصام نظرة اشفاق قائلا : كان الله فى عون هؤلاء الرجال
خفض حمدى صوته قائلا : أشعر أنهم مخلوقات من معدن مختلف عن معادن البشر
هز عصام رأسه مؤمنا على رأى صديقه قائلا بصوت خفيض : لم ينم منذ يومان بسبب ذلك التدريب الشاق المتواصل .
- الله أكبر
نطقها حسن بصوت مرتفع بدد سكون الليل داخل الدبابة ثم انتفض من مكانه انتفاضة قوية أصابتهما بشىء من الفزع فنظر اليه حمدى فى دهشة قائلا : ماذا هناك يا حسن
انتبه حسن فجأة لوجودهما ثم أغمض عينيه و هو يدعكهما ببطن يده قائلا : يا الهى لقد كان حلما جميلا ..
نظر اليه عصام فى دهشة قائلا : حلم ؟ لعله خير باذن الله
حمدى : قل لنا ماذا رأيت فى منامك أيها البطل
تهلل وجه حسن وهو يقول : لقد رأيت فى منامى أننا نعبر القناة و أنا أهلل و أكبر ثم رأيت ذلك اليهودى القذر الذى قتل أخى و أوشكت أن أطلق النار عليه.
نظر اليه حمدى مطمئنا ثم قال : بإذن الله سوف يتحقق حلمك
ابتسم عصام ثم قال مازحا : الحمد لله أنك قد أستيقظت قبل أن تطلق النار …ساعتها كنت ستعبر أنت الى السجن بينما سنعبر نحن الى الاخرة
لم يكد عصام ينطقها حتى انطلق ثلاثتهم فى ضحكة قوية لا تتفق أبدا مع طبيعة الموقف ..
_ سوف نستريح قليلا و مع أول ضوء للفجر سوف نبدأ عملية الإبرار أيها الوحوش
نطقها المقدم ابراهيم عبدالتواب و هو يشاهد رجاله الواقفين الى جوار الدبابات متدثرين بخوذاتهم و شداتهم العسكرية ، فى يد كل منهم سلاحه يقظا منتبها كأنه يشارك صاحبه حالة التأهب واليقظة - لو أن معى دفترى و قلمى لكتبت قصيدة فى هذا الجو الشاعرى
نطقها صبري فى ثبات لا يتناسب أبدا مع البرد القارس من حوله فنظر اليه النقيب حمدى متعجبا ثم قال : شاعرى ؟ دعك من هذه الشاعرية وابحث لنا عن شيء من التعيين القتالى يسكت عزف أمعائنا فأنا أشعر بالجوع منذ ساعات
نظر اليه صبري مداعبا ثم تقمص شيئا من شخصية القائد ابراهيم قائلا : انت هنا فى مهمة قتالية عليك الاستعداد لأقسي و أشد الظروف
حمدى : سوف أدعوك الى وليمة لن تنساها ؟
نظر اليه صبري مداعبا : وليمة ؟؟ أظنك قد طهوت لنا ورلا صحرويا شهيا
حمدى : اسخر كما شئت و لكنك حينما ترى وليمتى ستغير رأيك
قالها ثم قفز الى داخل دبابته وما هى الا لحظات حتى خرج يحمل كيسا من البلاستيك يحوى شيئا ما ناوله لصبري قائلا : لقد أحضرته معى عند عودتى من الاجازة اليوم و نظرا لانك لم تكن موجود لحظة عودتى فقد احتفظت لك بنصيبك
تناول صبري قطعة الفطير فى سعادة غامرة قائلا : يا الهى انه فطير أمنا العزيزة …لقد افتقدته كثيرا …
نظر اليه حمدى فى سعادة حقيقية فكم يسعده أن يرى السعاده على وجوه رفاقه ثم تبسم قائلا هنيئا مريئا أيها الصديق العزيز ……يا سلام لو أكملت جميلك و أتحفتنى بكوب من الشاى الدافىء….صدقنى لن أنسي جميلك هذا حتى نهاية الاسبوع . - يالك من طفس !!
فاجأهم ذلك الصوت القادم من الخلف فنظرا نحو مصدر الصوت ليطالعهما ذلك المرح المتفائل انه النقيب سمير
والذى نظر الى صبري مداعبا ثم قال : من يأكل بمفرده …..
حمدى : لقد حصلت حصتك من الفطير القتالى و الان تريد أن تزاحم صبري فى حصته من التعيين …لقد صدق من لقبك ب (الطفس )
ضحك صبرى قائلا : إِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا..
ضحكة قوية هى تلك اطلقها المقدم ابراهيم عبدالتواب و هو يشاهد هذه الروح العالية لهؤلاء الرجال - سيادة النقيب انا عندى تظلم
نطقها سمير وهو يلتهم قطعة الفطير التى ناوله اياها صبري فضحك ابراهيم قائلا : أظن أن سبب تظلمك هو عدم حصولك على مقدار كاف من الفطير القتالى
هز سمير رأسه موافقا ثم قال : تمام يا أفندم
ضحك صبري قائلا : يالك من طفس
نظر اليه سمير محتجا بصورة مسرحية : انا لا اسمح لأحد أن يناديني بهذا اللقب سوى سيادة المقدم ابراهيم عبدالتواب .
نظر اليهم ابراهيم عبدالتواب نظرة حب واجلال صافية ثم قال : حسنا ايها الرجال عليكم أن تستعدوا وحينما تنطلق أشارة البداء عليكم بالانطلاق لبداء التدريب .
تلاشت مظاهر المرح و التهريج من ملامحهم و من أصواتهم فجأة ثم هتف صبري بصوت قوى : تعليمات سيادتك يا أفندم
انطلق ابراهيم فى طريقه متفقدا بقية الرجال متسائلا بينه و بين نفسه من اى معدن خلق هؤلاء الرجال ….من أجل وطنهم تركوا ديارهم و ذويهم لم يعبأوا بقسوة الطقس و لم يتعللوا او يتحججوا بأى ظروف ..بل تركوا من أجلها كل شيء خلف ظهورهم حبا فى أوطانهم - ترى هل تفكر فى رسم لوحة جديدة؟
تنبه الضابط سعد الى صوت قائده والذى انتفض مؤديا التحية فى احترام قائلا : تمام يا افندم…هذا هو بالفعل ما أفكر فيه
نظر اليه المقدم ابراهيم وظهرت على وجهه علامات التردد وكأن سعد قد فهم ما نفس قائده فقال : سل ما شئت ولا تتردد يا افندم - هناك سؤال شخصى كنت أود أن أسألك اياه ؟
سعد : لقد قرأته فى عينيك ….لماذا تركت أمك بمفردها بعد استشهاد أبيك و خالك والتحاق أخيك بالكلية الحربية ؟
هز ابراهيم رأسه مؤمنا و موافقا فتابع سعد : ما من بيت فى مصر كلها الا و فيه مقاتل أو شهيد او مفقود …انت نفسك يا سيدى تركت أطفالك الصغار و زوجتك بمفردهم و لبيت النداء …..فى وقت المحن تظهر معادن الرجال
نظر اليه ابراهيم والدموع تكاد تنزل من عينيه ثم قال : نعم يا سعد وقت المحن والشدائد تظهر معادن الرجال …..حسنا ابها البطل استعد فنحن على وشك الانطلاق .
قالها ابراهيم ثم انطلق متفقدا بقية الرجال و قبل بزوغ النهار كانت الكتيبة مصطفة على شاطىء البحر والى جوار كل منها طاقمها تتقدمهم جميعا دبابة القيادة والتى وقف بجوارها ابراهيم قائلا : حسنا ايها الرجال ،بعد قليل سوف نبدأ تدريب قتالى ميدانى جديد سوف نقوم بعملية قتالية فى المياه العميقة ،لذلك يجب عليكم أن تتأكدو أن جميع خزانات الوقود ممتلئة تماما …أكرر يجب عليكم أن تتأكدوا أ من جميع الخزانات ممتلئة بالوقود تماما
-تمام يا أفندم
نطقها المقدم أمين فى ثقة فهز ابراهيم رأسه قائلا : حسنا لنبدأ تدريبنا القتالى على بركة الله
ما ان نطقها حتى قفز داخل دبابته ثم تبعه بقيه الرجال وما هى الا لحظات حتى كانت جميع المركبات تمخر عباب البحر ليبدأ الرجال تدريبات قتالية جديدة .
التعليقات مغلقة.