ملف جديد
بقلم هدي وهبه عطيه
مابينَ هدوءٍ وضجيجٍ، وسكونٍ، وألمٍ مرَّ اليوم كسابقيه في تلكَ الحجرةِ بقسمِ جراحةِ العظامِ.
هاهو النومُ يداعبُ جفناي ولكنُه ما لبث أنْ فَرَّ هاربا ..تطرقُ البابَ الممرضـةُ وتدخلُ وخلفَها حالةٌ جديدةٌ، شابةٌ في مقتبلِ
العشرين من عمرِها، قوامُها نحيفٌ، قمحيةُ البشرةِ، تتأبطُ ذراعَ شابٍ مقاربٍ لها في العمر، ترتدي ملابسَ تعلنُ أنها تجهلُ كونها ليست في قاعةِ أفراح
لكنْ لا يبدو علي الفتاةِ أيةَ أعراضٍ مرضيةٍ، يجلسان علي حافتي السرير المقابلِ لي..فضولي يذهب بي إلي معرفةِ ماحالتُها التي أتت بها إلي هنا..تتجاذبُ هي والشابُ الحديثَ الهامسَ بعدَ أن اقتربتْ منه، ووضعتْ رأسَها متوسدةً كتفه..ويدُها قابضةٌكفَه.همهماتٌ وضحكاتٌ علي استحياءٍ ثم يمضي الاستحياءُ و تبقي الضحكاتُ تشقُّ جدارَ السكون المؤقت..يعتريني الضيقُ من ذاك المشهدِ..(هي مش واخده بالها إنها في مستشفي ولا إيه وإيه اللبس اللي جايه بيه ده..ضيق ومحزق؟؟؟ )كلماتٌ كتمتُها في جَوفي..ازداد الأمر سوءا فخرجتُ بهدوءٍ إلي الممرضاتِ طالبةً وضعَ حدٍ لهذه السخافات..وعُدت ادراجي ثانيةً
فوق سريري..تدخلُ الممرضةُ وبصوتٍ حاسمٍ جادٍ ..(من فضلكم هنا في مرضى ويلزمُ الهدوءُ وعدم الإزعاج ..
الرجاء الإلتزام..وغيرُ مسموحٍ بالمرافقين) ترسلُ الفتاة ابتسامةً متهكمةٍ للشاب ..يودعها راحلا علي وعدٍ بأنَّه آتٍ في الصباح ..يسودُ الصمتُ الحجرةَ..فتسدلُ الأعينُ ستائِرَها
في استسلام….أنينٌ مكتومٌ يعلو شيئا فشيئا..صراخٌ متوالٍ يزدادُ مُعلنا قوةَ الألم.. إنها الفتاة
يندفعُ طاقمُ التمريضِ إلي الحجرة ..يحاولون السيطرةَ عليها، ولكن الأمرَ شديدُ الصعوبةِ كأنها تصارعُ أعتي المصارعين..بلا هوادة ضرباتٌ وركلاتِ و صرخات اقضت مضاجعَ كلِ من بالقسمِ.. يهرعُ أطباءُ الطواريء إلي الحجرة…دقائقَ..ويهدأ الصراع بعد حقنِ الفتاة …يا الله! يالها من حربٍ شرسةٍ!
لقد شعرتْ بإجهادٍ رهيبٍ..فما بال تلك المسكينة! …سكنَ الجسدُ الثائرُ…اقتربتُ منها علي حذرٍ كي لا أوقظها، امتدت يدي للتقرير المُعلقِ علي واجهةِ سريرها..فتحتُه محاولة معرفة ماوراء تلكَ الثورةِ..كل ما في التقرير صورةُ هيكلٍ لجسدٍ محدد ٍ..فارغٍ إلا من نقاطٍ سوداءَ كثيرةٍ منتشرةٍ علي خريطةِ ذلك الجسدِ …ولا اعرفُ ترجمةَ ما كُتب حولها، ولكن ساورني الشكُ أنه شيءٌ لعين، أغادر الغرفة واضعةً التقريرَ مكانه
اسال لممرضةَ …باختصارٍ ..أهو؟! تجيبني ..بأنه هو..سرطان العظمِ
تتثاقلُ قدماي…يالا جرمي.وإثمي!
..أعود إليها وقد نسيت لمَ أنا هنا؟ وماحالتي وأوجاعي؟!
إلا أنني مذنبةٌ اقف أمام سريرها
اتفقدها في صمت حابسة أنفاسي ودمعي..تفتح عيناها ..تراني فتهمس بابتسامة قاتلةٍ، ومقتولةٍ
..صعبت عليكي؟ أتلعثمُ ويعقدُ لساني، ولا أدري بأي منطوقٍ أجيبها؟! …فهي لا تعرف أنني من شكوت ضجيجَ ضحكاتها ..(شدة وتزول وهتخفي بعدها بإذن الله وتبقي أفضل مماكنتِ)..ترد بضحكةٍ بالية
(أناا عارفه إنه جاي ..جاي وقرّب خلاص ..أموت يعني قبل ماييجي ؟؟ أعود إلي سريري وأضعُ رأسي بين يديَّ..استفيقُ
علي طرقاتِ الممرضةِ وفي يدِها ملفُ تضعه على السرير المقابل مكتوب عليه (حالةٌ جديدة ٌ)…
التعليقات مغلقة.