مناظرة أدبية بعنوان “وهكذا الحياة” … عبير توفيق
مناظرة أدبية بعنوان “وهكذا الحياة” …
عبير توفيق
في إحدى محطات السكك الحديدية الكبرى وقف المسافرون صفا أمام شباك حجز التذاكر يتقدمهم الظلم ثم تلاه العدل، ففال الظلم لموظف الشباك: أريد تذكرة درجة أولى ثم أخذها وانصرف، ثم تقدم العدل قائلا: أريد تذكرة درجة ثانية فأخذها وذهب للجلوس علي أحد المقاعد لحين وصول القطار، فتقدم الظلم منه قائلا: أتأذن لي بالجلوس جوارك ياعزيزى؟
فانتفض العدل قائلا : لا.لا.لن تجلس بجوارى،فأنت تعلم أننا لا نجتمعان في مكان واحد أبدا، فقال له الظلم: فلتتحملنى هذه الدقائق المعدودة،وبعد محاولات وافق العدل له علي مضض، ودار هذا الحوار بينهما،
العدل : أنا العدل أنا أساس الملك
الظلم : وأنا الظلم أنا من أهدم الكثير من دول الملك
العدل : أنا من أقيم التوازن في الأرض
الظلم : وأنا بلمح البصر أحدث الاختلال في الأرض
العدل : أنا أعوانى كثيرون
الظلم : بل أعوانى أكثر وأكثر وأنت الذي تتوهم ذلك، انظر إلي هؤلاء جميعهم سوف يتدافعون للركوب معي في العربات المخصصة لي والتي تزدحم يوما بعد يوم ،
فتعجب العدل من كثرتهم بل زاده العجب عندما وجد اكثرهم من وجهاء المجتمع
وعلية القوم الذين يشار إليهم بالبنان، وأيضا معهم من البسطاء، علي حين نظر إلي أعوانه فوجدهم قلة قليلة والغالبية العظمى منهم من المستضعفين والمساكين وقليل من الوجهاء،
الظلم : أنسيت أننى أسود منذ بدء الخليقة وسأظل حتى قيام الساعة ؟
نعم أعترف أنك كنت تنتصر على أحيانا لكن ستظل لي الغلبة مادام أعوانى في ازدياد
العدل : لا تغتر بنفسك فمهما طال بك الأمد فلابد لك من نهاية
الظلم : لقد أتي القطار فلنركب الأن ولنكمل حوارنا في رحلة العودة،
وبالفعل ركب كل منهما العربات المخصصة له ولأعوانه، وظل العدل يفكر طوال الرحلة وهو يعتصر حزنا قائلا لنفسه: أنا من كتب اسمي علي كرسي العرش يصل بي الأمر وبأعواني إلي هذا الحال؟! أيتقدم الظلم على ويكون له ولأعوانه الدرجات الفاخرة يتمتعون بكل سبل الراحة والرفاهية ويتنعمون بها؟
وقضي الجميع مهامهم في وقت وجيز، ثم التقوا مرة أخري في محطة العودة وتجاذبا طرفا الحديث ثانية
الظلم : أهلا بك ياعزيزي أعلم أن مهمتك كانت شاقة عليك وعلى من اتبعك
العدل :ولكن كنا قانعين وراضين بها فأنت تعلم أن هذة المهمة مهما طالت فهي قصيرة جدا
الظلم : لكن هناك سؤال يراودني وأتعجب منه أشد العجب
كيف يرتضى أعوانك بهذه العربات التي لا يوجد بها من مباهج الحياة ومتاعها إلا القليل ؟!
العدل : وأنا أيضا أتعجب وأتساءل طوال الرحلة ماذا ينقص هؤلاء لكى يلحقوا بركابك ويكونوا من أعوانك ؟!
فقد نالوا من الجاه والسلطان والثراء ما يغنيهم عن ظلم أحد فلماذا إذا يتظالمون فيما بينهم وقد حرم رب العالمين الظلم على نفسه؟
الظلم : ينقصهم غياب الضمائر ونسيانهم الأخرة وتكالبهم على الدنيا، فلو أنهم دعوا الله بإخلاص أن يريهم الحق حقا ويرزقهم اتباعه، ويريهم الباطل باطلا ويرزقهم اجتنابه ماكان لى من وجود بينهم،
وظلا يتحاوران ويتحاوران وفجأة سمعا صوتا ينبعث من داخل المحطة قائلا : السادة المسافرون لقد وصل قطار العودة، لكن يجب الأخذ فى الإعتبار أنه سوف يتم تبادل المقاعد والعربات ليصبح من كان راكبا في الدرجات الأولى في الدرجات الأخيرة، ومن كان راكبا في الدرجات الأخيرة فسوف يتبوأ الدرجات الأولى،
هنا هلل أعوان العدل قائلين: يحيا العدل يحيا العدل
وصاح أعوان الظلم في صراخ وعويل كيف ذلك؟
لا.لا.لن نستطيع ترك عرباتنا، لقد الفنا الدرجات الفاخرة،
هنا انبعث الصوت مرة أخرى قائلا: ألا تعلمون أن رحلة العودة تختلف تماما عن رحلة الذهاب؟ فأنتم من اخترتم مقاعدكم وعرباتكم في رحلة الذهاب ودفعتم فيها أثمانا باهظة،
أما الأن فليس لكم الخيرة فهى تفرض عليكم فرضا، وليس لأحد منكم مخالفة الأوامر مهما بلغت مكانته ومنصبه، لأن مسار الرحلة هنا إجبارى، وهذه هى عدالة الله في كونه،
فكيف ينتصر الظلم علي العدل؟ وكيف يعلو صوت الباطل علي الحق؟
فالعبرة هنا بالخواتيم ولكنكم كنتم في غفلة معرضين ونسيتم أن العدل اساس الملك.
التعليقات مغلقة.