منزلة الخاله فى الإسلام
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
إن صلة الرحم حق طوقه الله عز وجل الأعناق، وواجب أثقل الله تعالى به الكواهل، وأشغل به الهمم ، والأرحام هم القرابات من النسب، والقرابات من المصاهرة ، وقد أكد الله عز وجل على صلة الأرحام وأمر بها .
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : أخبِرني بعمل يدخلنى الجنة ، فقال صلى الله عليه وسلم ” تعبد الله ولا تشرِكُ به شيئًا ، وتقيمُ الصلاة ، وتؤتي الزكاةَ ، وتصِلُ الرّحم ” متفق عليه .
إن صلة الرحم معلقة بالعرش من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ، فطاعة الخالة وصلتها بر وصلة ، فالبر لكونها كالأم ، وصلة لكونها من الرحم ، فمن فاته صلة والدته وبرها لموتها فلا تفوتنه صلة خالاته أخوات والدته فبذلك يبر بوالدته ويصل رحمه .
وصلة الرحم هي من الأسس التي قامت عليها دعوة ورسالة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سفيان في حديثه في قصة هرقل، أنه سأله: فماذا يأمركم ؟، قال: يقول: (اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصلاة، والصدقة، والعفاف، والصلة). متفق عليه.
فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، قال أول مقامٍ بالمدينة: ” أيها الناس: أفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نِيام؛ تدخُلُوا الجنةَ بسلامٍ”. رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من سرَّه أن يُبسَطَ له في رزقه، وأن يُنسَأَ له في أثَره فليصِلْ رَحِمَه ” رواه البخاري والترمذي
وبر الخالة يكون كالبر بالأم وهو إدخال السرور إليها والإحسان إليها والرفق بها بالفعل والقول تقربا إلى الله وطاعة له ، وعكس ذلك عقوقها وهو ترك طاعتها وعصيانها وترك الإحسان إليها وفعل كل ما تتأذى منه .
ويقال أن الخالة بمنزلة الأم في الحنو والشفقة وإدراك مصلحة الابن “الطفل ” كالأم تماما وخاصة الطفل الصغير فخالته في حسها له كأمه فسبحان الله ، لذلك يقدم العلماء الخالة في الحضانة على العمة .
وإن للخالة منزلة كريمة في الإسلام ، وهي بمنزلة الأم ، فعن علي بن أبى طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” الخالة بمنزلة الأم ” رواه أبو داود وقيل أنها بمنزلة الأم في استحقاق الحضانة ، لأن الحديث ورد في ذلك ، وقيل إنها بمنزلتها في الحضانة وغيرها ، أي في البر والإكرام والصلة .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الخاله بمنزلة الأم ” رواه البخارى ، وبر الخالة يقصد به صلتها والإحسان إليها وإكرامها ، وليس وجوب طاعتها ، فالبر الذي هو الإحسان والصلة ، وهو أعم من الطاعة .
والأمر بالطاعة ، وتأكيد ذلك ، والتشديد فيه : لم يرد إلا في حق الوالدين فقط ، وأما غيرهما من الأقارب ، فلا تجب طاعتهم
وعن ابن عمر رضى الله عنهما ، أن رجلا أتى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت ذنبا عظيما فهل لي توبة؟ فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم: ” هل لك من أم؟ ” قال: لا، قال: ” هل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: ” فبرها ” رواه الترمذى.
وإن تعاليم الدين الحنيف التي جاءت ببر الخالة إنما هي من سماحة الإسلام الذي نظم حياة الناس الاجتماعية ، ونظم تكافلهم وترابطهم وتوادهم ومهما عملت النظم الاجتماعية البشرية الدنيوية العلمانية فلن تعطي أصحاب الحقوق حقوقهم في البر والصلة والقربى فالحمد لله على نعمة الإسلام وله الشكر على فضله وسماحة دينه وشموليته لصلاح الحياة الدنيا والآخرة .
فتدل هذه الأحاديث على بر الخالة والإحسان إليها من فضائل الأعمال ومن مكفرات الذنوب وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: يا رسول الله، كل صواحبي لهن كنى، قال: ” فاكتني بابنك عبد الله ” يعني ابن اختها ، فكانت تكنى بأم عبد الله ، وعبد الله ، هو عبد الله بن الزبير ، ابن أختها أسماء ، رضي الله عنهم جميعا . رواه أبو داود .
ففي هذا الحديث تأكيد ما سبق وهو أن الخالة بمنزلة الأم ، فينبغي للمسلم أن يعامل خالته بالبر والإحسان كما يعامل أمه ، وكل خالة لشخص أو عمة فهي خالة له ولجميع ذريته ، وعمة له ولجميع ذريته ، فعمة أبيك عمة لك ، وخالة أبيك خالة لك ، وكذلك عمة أمك وخالتها .
وخالة الرجل من جملة محارمه ، فيجوز له أن يصافحها ، ويخلو بها ، ويسافر معها ، ويجوز لها أن تكشف وجهها أمامه ، كما تفعل الأم أمام أبنائها ، والمرأة المسلمة يجوز لها أن تكشف أمام محارمها ونسائها ما جرت العادة عند أهل الشرع والأدب بكشفه، كالوجه والرأس والرقبة والذراع وبعض الساق ، ولا يجوز لها أن تلبس القصير أمامهم ، ولا الشفاف، ولا الضيق الذي يحجم العورة.
فهذا ابن عباس رضي الله عنهما كان بارا بخالته أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنهما ومن بيتها استفاد العلم ، وكذلك عروة بن الزبير بن العوام كان بارا بخالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما وكان يتفقه ويروي عنها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومنها أخذ العلم والفقه وكذلك أخوه عبد الله ، وهذا أيضا أنس بن مالك كان يطلب العلم ويروي الحديث عن خالته أم حرام بنت ملحان رضي الله عنهما وحديثهما في الصحاح.
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟. قالت: بلى. قال: فذلك لك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ). متفق عليه
التعليقات مغلقة.