منضدةُ الذكرى… سعاد الزامك
جلسَ في شرفةِ منزلِهِ شارداً فيما حولِه ، راياتٌ ملونة تتدلى من المنازلِ بطولِ الشارعِ و عرضِهِ ، فوانيسٌ تُزينُ النوافذَ و الشرفاتِ ، أطفالٌ تجري هنا و هناك ، موائدٌ مُدتْ يقومُ عليها متطوعون من أثرياءِ الحي و فقرائهِ للاحتفالِ بضيفٍ يتوقون إلى مقدمِهِ، فراحوا يحصونَ الأيامَ بلا مللٍ أو كلل .
نادى الصوتُ الأثيرُ إلى نفسهِ من مذياعِهِ القديمِ قِدَمَ بلوغِهِ عتبةِ الحياة ، فنفضَ غبارَ الكسلِ عن بدنٍ نهشتهُ النوائبُ ، و شمّرَ عن ساعدٍ برزتْ شرايينهُ كتضاريسٍ مُجحفةٍ تمخرُ في بيداءِ العمرِ ، و استعدَ لتناولِ إفطارِ اليومِ الأول لرمضانهِ السبعيني .
احتضنتْ مقلتاهُ غبطةَ أفرادِ عائلتهِ الملتفينَ حولَ مائدةٍ زاخرة بألوانٍ شتى من أشهى المأكولاتِ التي أعدتها زوجتهُ ، الكلُ يُسبّحُ حمداً ، و يُهللُ شكراً في انتظارِ أذان المغربِ . هرعَ خلفَ حفيديهِ القابضان على فانوسيهما الملونين ، يرددان ألحاناَ و تواشيحاً شهيرةً تعلماها من جَدِهما . تضاحكوا عندما طاردَهم صوتُ الجدةِ تُنهيهم عن اللهوِ استعداداً لتناولِ الإفطارِ .
سحبَ الجدُ مقعداً متلمساً الجلوسِ بينِهم ، كلماتٌ أصمّتْ أذنيهِ رغمِ إيقاعِها الخفيض .. ألمْ تطردُهُ من جنتِكَ المزعومة لمروقِهِ عن طاعتِك بإصرارِهِ على الزواجِ ممنْ أهاجتْ مُهجتَهُ ولعاً ؟ ألمْ تربأ بعنادِكَ عن استرحامِ دموعِ توبتِهِ ؟ جبروتٌ ألجمَ حكمتَكَ ، فطالَ زوجتَكَ عندما ارتدتْ ثوبَ الدفاعِ عن سطوةِ الحبِ ، و اتشحتْ بوشاحِ الرحمةِ علّها تُليّنَ جلموداً سكنَ أضلُعكَ ، فرجمتَها بفرمانِ الطلاقِ ، و وأدتَ السماحةَ بمهدِها رغم تحسُّسِ أخبارِهم عن بعد .
استلَّ ملعقةً صدئة ، سددَها إلى إناءٍ وحيدٍ أمامه ، رفعها إلى فمه بمللٍ وحسرةٍ ، راحَ يلوكُ الثريدَ المُبللَ بدموعِ الندمِ بينما تطايرتْ فقاعاتُ الذكرى أمام ناظريهِ ، انفجرتْ واحدة تلو الأخرى حتى تلاشى ضياءُ مُحياهم ، و إدلهمتْ حياتُهُ من جديد .
سعاد الزامك
— with جيهان الريدي.
التعليقات مغلقة.