منمنمات
محمود حمدون
عبد الصمد
عرفته منذ زمن بعيد قابلته صدفة كما نقابل كثيرا من الناس , تتبّعته بداية ثم تبعته واتخذته هادياً لفترة. ثم تهت عنه وتاه منيّ لكن تبقّى ماعلق عنه بالذاكرة .
كان يسمو بقامته فأراه أحيانا فوق البشر, تقطر الحكمة من فمه و تارة يهوي في مدارج اللهو فيتجاوز الصبية في نزقهم .. سمعته وشاهدت تصرفاته فكتبت عنه كما رأيت وسمعت ..
غطاء
قلت لشيخي عبد الصمد أحنّ لراحلين مضوا من قديم أراهم في حلمي ويقظتي فهل ذلك دليل لقاء قريب ؟
فقال لا أحد يرحل و لا شيء يمضي , انتظر حتى يُرفع الغطاء .
” أخطاء البدايات “
أقبلت إليك وبداخلي رجاء كبير ألاّ تردني خائبا .
بحنان أبوي نادر قال ” عبد الصمد ” : مثلك لا يُردّ له طلب ها أنا أنصت إليك بقلبي قبل سمعي .
لقد سرت بين وجهاء القوم فترة من الزمن قدّمت إليهم طيبتي مغلّفة برجاءات لمستقبل سعيد استمعوا إليّ جيدا و لست أنكر هذا , فناكر الفضل جاحد , لكن طال إصغائهم , مرّت سنوات كثيرة حتى أصابتني شيخوخة كلّما هممت بالانصراف و عزمت أن أدع تلك الترهات إلى غير رجعة , أجد من يربت على كتفي الأيمن مطمئنا مشيرا لحصافتي ,أن مثلي كذا و كذا ثم يصمت صمت أهل القبور.
زادت مساحة الحنان الأبوي على وجهه وقال بصوت خفيض بعد أن ربتّ على كتفي الأيسر : بنيّ أخطأت بداية بانتظارك الثمن .
” الفرار “
رأيت بالأمس ” عبد الصمد ” يصارع شبحاً , اقتربت منه , لمحت ظلا باهتا دون جسد ,أسود اللون يتعارك معه , ناديته : مساعدة ونجدة؟ فأنا طوع أمرك .
وبنادرة لم تحدث من قبل , ضحك بصوت عال و قال , وهو يقبض على عنق الخيال
ذاك ظلي , يسعى للتمرّد والفرار , تأديبه فرض عليّ
” حفلة سمر “
يقول ” عبد الصمد ” :جاء لزيارتي بالأمس صديقان أعرفهما جيدا استقبلتهما بسعادة غير خافية , وإن علت وجهي دهشة لعلمي بوفاة أحدهما منذ سنوات بعيدة.
جلس الحيّ واجما لم ينطق بكلمة في سمرنا الذي امتد ساعات ثلاثة, بينما كان الميت مرحا يترنم بأغنيات خفيفة , يتمايل بجسده يمينا ويسارا بإيقاع راقص .
يقول اندهشت مما أرى و أسمع وهممت بالسؤال فإذا بالحيّ ينتفض غاضبا مغادرا المكان , فتشبثت به راجيا الانتظار توقف و نظر خلفه ,عيناه على الميت وقال لا يزال يصر على تنغيص عيشنا .
” حسرة “
جلست وندماء على مقهى لقضاء وقت سمر , فمرّ بنا ” عبد الصمد ” سألناه الجلوس معنا فأبى بأدب وانصرف تتبعه أسراب من عصافير وطير صغير أخضر اللون , شيّعناه بأبصارنا حتى غاب عن العيون وقد حلّ على رؤوسنا صمت وانحسرت البسمة عن شفاهنا .
التعليقات مغلقة.