منوعات من تراث الحارة المصرية (المهن المنقرضة) بقلم الأستاذ : سيد جعيتم
(1)
شخصية الحارة المصرية التراثية هي حصيلة التقاء حضاري ثقافي فريد، قالوا في المثل الشعبي (من فات قديمه تاه)، (واللي ما لوش ماضي مالوش حاضر).
كانت الحارة المصرية عامرة ببعض الحرف، وبعض هذه المهن انقرضت، والباقي منها تم تطويره، ومن هذه المهن على سبيل المثال لا الحصر:
مهن الرجال:
الحكواتي:
كانت التجمعات (الموالد- المقاهي- الميادين) مكان عمل الحكواتي الذي يمتهن سرد الحكايات ويحاول تجسيد شخصيات السير الشعبية التي يحكي عنها بحركات جسده وصوته (عابد المداح- حسن ونعيمة- شفيقة ومتولي… إلخ)
والحكواتي وعازف الربابة من المداحين هما لسان الشعب
عازف الربابة:
يجلس عازف الربابة علي المقهى أو في الشادر، يحكي الرواية منظومة بالشعر علة الربابة بصوت معبر وإلقاء حسن يستثير مشاعر الحضور بتعبيرات وجهه وجسمه، الرَبَابَة: آلة موسيقية مصرية أصيلة ذات وتر واحد (تم تطويرها لتشمل أكثر من وتر) يستخدمها المداحين في الأحياء الشعبية التي يكثر بها أبناء البلد من ذوي الأصول الريفية (قبلي وبحري) وأحياناً يصاحب العازف علي الربابة عازفي الدف والرق والناي والمزمار وكلها آلات شعبية.
عازف الربابة يقدم فلوكلور من الحكايات الشعبية والأساطير: (أيوب المصري- ملاعيب شيحة – حسن ونعيمة – السيرة الهلالية- الملك سيف بن زى يزن- الظاهر بيبرس حمزة البهلوان فتح بلاد فارس الأميرة المحاربة ذات الهمة وزرقاء اليمامة عنترة بن شداد الست خضرة الشريفة علي الزيبق الزير سالم السيد البدوي وتحرير الأسري (الله الله يا بدوي جاب اليسري) حكايات الجن والعفاريت.
وطالما ذكرنا الربابة والتراث الشعبي فأننا نتذكر عاشق المداحين الرائع زكريا الحجاوى الذى أعاد إحياء الفن الشعبي وعن طريقه عرفنا فنانين منهم: (الريس متقال- محمد طه- شوقي القناوي- جمالات شيحة- أبودراع- خضرة محمد خضر – ناعسة المزاتية)
السقا:
(يهون الله يعوض الله ع السقايين دول شقيانين)
السقا كان مصدر المياه الأساسي في البيوت حتى القرن التاسع عشر، يجلب الماء من الآبار أو الخليج المصري الذي كان يصب في ترعة الإسماعيلية، ويبدأ من منطقة باب البحر بميدان باب الشعرية وشارع بور سعيد ويتفرع ليصب في حارة السقائين.
ينقل السقا المياه من الخزانات إلى المنازل والمدارس والمساجد، وقد بدأت المهنة في الاختفاء عقب إنشاء شركة المياه، ولم يتبقى منها سوى اسم على لافتة داخل حارة بحي عابدين، وتذكرنا بها أغنية المطربة شريفة فاضل (ما تروحش تبيع الميه في حارة السقايين).
كان السقا يحمل على ظهره قربة المياه المصنوعة من جلد الماعز المدبوغ والمشدود وميزة جلد الماعز إنه يحافظ على برودة المياه وعمر القربة ثلاثة أشهر ثم تنتهي صلاحيتها ويتم استبدالها.
قبل الموافقة علي التعيين بمهنة السقا، يجب أن يجتاز المتقدم للمهنة اختبار مبدئي يثبت فيه أنه يستطيع حمل قربة وكيس مملوء بالرمل يزن حوالي 67 رطلا لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالي دون أن يسمح له بالإتكاء أو الجلوس أو النوم.
والسقا يضيف الشبه على ماء القربة لتنقية الماء وترسيب طمي النيل، ويسير في الأسواق والشوارع يسقي الناس.
وكانت هناك خمس طوائف للسقائين، ولكل طائفة شيخ: طائفتان في باب اللوق، الأولى تقوم بنقل الماء على ظهور الجمال، والثانية تنقل الماء على ظهور الحمير، مع طائفة باب البحر، ثم طائفة حارة السقائين، وطائفة قناطر السباع، علاوة على طائفة الكيزان الذين يطوفون الشوارع والأسواق ويحملون قرب الماء على ظهورهم، ومعهم مجموعة من الكيزان لكي يقدموا المياه للأهالي.
مبيض النحاس:
كانت الأواني النحاسية حتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي هي الأكثر استخدامًا وانتشارًا في البيوت المصرية. وكانت جزءًا أساسيًا من «شوار العروسة»، حيث كانت قيمة النحاس تالية مباشرة للذهب، وحين يتقدم شاب للزواج بفتاة فالإتفاق على «النحاس» واجب، فكما يُسأل عن جرامات الذهب التي سيقدمها لعروسه يسأل علي كم قنطارًا من النحاس يمكنه أن يشتريها للشوار. ليتمكن أهل العروسين من التباهي بالذهب والنحاس، فهما يمثلان مال يستعان به في الأزمات لأن قيمتهما غالبا ما تزيد.
وكان أهل الحارة عند ضبطهم للص يلبسوه حلة نحاس ويجرسوه أثناء ذهابهم به لقسم الشرطة، وظل النحاس محتفظ بمكانته إلي أن ظهرت أواني «الألمونيوم» كبديل له.
كان لمبيضين النحاس محلات (دكاكين) يزاولون بها مهنتهم وبعضهم كان يحمل أدواته ويتجول ويقوم بعمله في الحارات والقري، يخلص النحاس الأحمر من الجنذرة (يكسوه لون أخضر) وهي ظاهرة غير صحية، ويبدأ في التخلص من الجنذرة بالدعك بالرمال الناعمة ثم يعرض الأواني للنار ويعيد دعكها بالنشادر وبعد التأكد من إزالة الجنذرة يتم دهان الأواني وهي ساخنة بالنشادر والقصدير لتكتسي باللون الفضي اللامع، والنشادر تعمل علي تثبيت القصدير والالتصاق بشدة بالأواني النحاسية، والقصدير يشكل طبقة عازلة للنحاس حتي لا يتفاعل مع الطعام ويفرز عناصر سامّة.
ولأن النحاس كان يحتاج إلي جهد كبير في تنظيفه، وسخونته الشديدة، كانت المهنة تحتاج إلي قدرة هائلة علي الاحتمال، وبالنسبة للطشت المستخدم في الحموم والغسيل كان المبيض يضع به الرمل الناعم ثم يغطي الرمل بقطعة قماش ثم يقف فوقه ويمسك بغرض ثابت حتي لا يقع ثم يحرك جسده بحرية وكأنه يؤدي «رقصة التويست، ويعيد نفس العملية بعد وضع القصدير ولكن بدون الرمل.
انتظروني مع بعض مهن الحارة المصرية
التعليقات مغلقة.