من اسم حركي “ملك الأضداد “… محمود حمدون
من ” اسم حركي ”
محمود حمدون
الناشر : مركز الحضارة العربية – القاهرة
” ملك الأضداد “
===
عن يميني يجلس ” رشاد ” المخبر الأنيق بجلبابه المهندم , بوسامته الملحوظة , بذقنه الحليقة دائمًا , عيناه العميقتين , يعمل مرشدًا للأمن نهاراً , تاجرًا للصنف ليلاً , هكذا جمع بين الميزتين , فلم تطوله يد الدولة أبداً , بل أصبح درعاً و سيفاً ندرأ به الهوام و أنصاف ” البلطجية ” حينما ينتصف الليل . و مورّدًا لا ينضب إن أعوزتنا الحاجة ” للصنف”
بلغت به رأفته بنا أنه يبيعنا بأسعار تقل كثيراً عن مثيلاتها بالسوق , بخاصة أنا , يُقسم أنه لا يبغي إلاّ تلبية مزاج أصدقاء المقهى ,
يعيش وحيداً بداره الذي لا يبعد سوى بضعة شوارع عن المقهى … يجفل منه الجيران رغم تودّده إليهم , تتحاشاه النسوة و الأطفال ..يأتي إلينا أو نجده في انتظارنا مضطرب النفس , ضيق الصدر , فنأخذه على هون , نلطّف من غلوائه حتى تنبسط أساريره , تعود ضحكته الغائبة إلى وجهه الطفولي..
شاغبته : كيف تكون هكذا ملك الأضداد ؟
بوقار: بغض النظر عن تلك الكلمة ” الأضداد ” التي لم أسمع بها من قبل , لعلك تسخر منيّ , لكني أحبك حقيقة , فكرة أن أكون الشيء ونقيضه حسب فهمي لسؤالك .! نعم و لم لا ؟! فالليل يعقبه النهار , من قلب الظلام يبزغ النور ..
= يا سلام !!! أنت الآخر ” فيلسوف ” , أم تتبجّح علينا مبرراً فعالك المحيّرة ؟! تردّ على سخريتي المزعومة بأشد منها؟!
-بصدق : أقسم لك .. السخرية أبعد ما تكون عن حياتي , فأنا أنطلق من يومي بمهمة أجدها مقدسة , أرشد عن المجرمين , أسعى خلف من تراوده نفسه للاعتداء على القانون , و لا أستريح إلاّ و الأغلال في يديه .
بنهار اليوم أجدني سيداً في المكان , ملك يرقب رعيته من بعيد , يرنو بعينيه بعيداً لكن عقله لا يهدأ أبدا عن المتابعة و الرصد , فإن جنّ الليل لا أجد حرجاً من مزاولة تجارتي تلك التي شغفت بها منذ قديم , أفخر بها , فالقانون كما النور له وقت , ثم يحلّ الظلام بقانون آخر , فهل أنا مخطئ ؟!
هبد النادل” صينية القهوة ” على المائدة الصفيح , كمن يهوي بقبضته على رأس ضحيته , رمقه ” رشاد ” بنصف عينه , نظرة ارتعد لها جسد النادل” نبيل ” فأسرع مختفياً …
سارعت بتهدئة خاطره :” نبيل ” شاب نزق لا يراعي أصول المهنة , لا تؤاخذه , ربما أراد أن نشرب القهوة قبل أن تبرد.
= أصبت , مثله لا يؤاخذ على فعاله , فالحياة مليئة بنماذج كثيرة .
قلت : ألا تخشى أن تقبض عليك الشرطة يوماً ؟ أنسيت أنك أحد رجالاتهم ؟
قال بحكمة غريبة : نادراً ما يجتمع النور و الظلام بقلب رجل واحد , فإن حدث فتلك مزيّة , فالحياة بالنهاية أقدار لا هروب منها ..
أمّنت على حديثه , مردداً عبارة الرجل الغامض ” المؤدلج لا مبدأ له ” قلت لنفسي : ذاك رجل يتجاوز كل المبادئ المعروفة , يؤسس لنفسه نهجاً جديدا , تُرى أيكون منهجه قيداً عليه أيضاً؟!
سحب نفساً عميقاً من ” نارجيلته ” و من بين أسنانه الصفراء , قال : المجتمع أقرب لشقة صغيرة , تحوي أثاثاً من كل نوع , غرفة نوم , صالون , و … الخ ” حاجات زي كده أنت فاهمني “؟
أومأت برأسي : استأنف .. جمال البيت ينبع من تنسيق قطع الأثاث بداخله , توزيعها , حتى لا يصطدم بها أصحاب البيت أثناء سيرهم أو الضيوف , الترتيب و التنسيق يا عزيزي ما يضمن استقرار البيت , دونه ينهار ويصبح ” العفش ” عبئا على الجميع .. أفهمت ؟!
قلت بعفوية : يؤتي الحكمة من يشاء . بدخلك مسحة من عقل تجذبني إليك , لا أعرف لم !!, ربما هو دافع من شغف يُلزمني كظل يسير مع صاحبه , ثم استأذنته في الانصراف, على وعد بلقاء عقب العشاء غداً ” بالوَكر” , كلمة لا يعرف معناها إلاّ أصحابها, هز رأسه باسماً, بجملة قاطعة: أراك على خير , حساب قهوتك عندي.
التعليقات مغلقة.