من التاريخ الإسلامي.. إخترت لكم.. خلافة عمر بن الخطاب..
مجدي سالم
من التاريخ الإسلامي.. إخترت لكم.. خلافة عمر بن الخطاب..
عمر بن الخطاب هو ثاني الخلفاء الراشدين وأول من نودي بلقب أمير المؤمنين فكان الصحابة ينادون أبا بكر الصديق بخليفة رسول الله وبعد تولي عمر الخلافة نودي عمر بأمير المؤمنين وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.. وهو أول من عمل بالتقويم الهجري.. وقد تولى عمر الخلافة سنة ثلاث عشرة للهجرة:
أولا.. اتسم عهد الفاروق عمر بالعديد من الإنجازات الإدارية.
لعل من أهمها أنه أول من اتخذ الهجرة مبدأ للتاريخ الإسلامي.. كما أنه أول من دون الدواوين وكان أول من أنشأ دولة تقوم على المؤسسات.. وهو أول من اتخذ بيت المال.. وأول من اهتم بإنشاء المدن الجديدة.. وهو ما كان يطلق عليه تمصير الأمصار.. وكانت أول توسعة المسجد المدينة في عهده.. فأدخل فيه دار “العباس بن عبد المطلب”.. وفرشه بالحجارة الصغيرة.. كما أنه أول من قنن الجزية على أهل الذمة.. فأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال.. وفتحت في عهده بلاد الشام والعراق ومصر وليبيا الغرب وأذر بيجان ونهاوند وجرجان وبنيت في عهده البصرة والكوفة وقد سمى الكوفة بجمجمة العرب ورأس الإسلام وكان عمر أوّل من أخرج اليهود تماما من الجزيرة العربية..
ثانيا.. كان عمر بن الخطاب نموذجًا فريدًا للحاكم الذي يستشعر مسئوليته أمام الله وأمام الأمة
فقد كان مثالا نادرًا للزهد والورع.. والتواضع والإحساس بثقل وتبعة مسئولية الحكم.. حتى إنه كان يخرج ليلا يتفقد أحوال المسلمين.. ويلتمس حاجات رعيته التي استودعه الله أمانتها..
- من ذلك ما روي أنه بينما كان يعس بالمدينة إذا بخيمة يصدر منها أنين امرأة.. فلما اقترب رأى رجلا قاعدًا فاقترب منه وسلم عليه.. وسأله عن خبره.. فعلم أنه جاء من البادية.. وأن امرأته جاءها المخاض وليس عندها أحد.. فانطلق عمر إلى بيته فقال لامرأته.. هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ فقالت: وما هو؟ قال: امرأة غريبة تمخض وليس عندها أحد ـ قالت نعم إن شئت فانطلقت معه.. وحملت إليها ما تحتاجه من سمن وحبوب وطعام.. فدخلت على المرأة.. وراح عمر يوقد النار حتى انبعث الدخان من لحيته.. والرجل ينظر إليه متعجبًا وهو لا يعرفه.. فلما ولدت المرأة نادت زوجه “عمر”.. يا أمير المؤمنين.. بشر صاحبك بغلام.. فلما سمع الرجل أخذ تراجع وقد أخذته الهيبة والدهشة.. فسكن عمر من روعه وحمل الطعام إلى زوجته لتطعم امرأة الرجل.. ثم قام ووضع شيئًا من الطعام بين يدي الرجل وهو يقول له: كُلْ.. ويحك فإنك قد سهرت الليل..
ثالتا.. كان “عمر” عفيفًا مترفعًا عن أموال المسلمين..
حتى إنه جعل نفقته ونفقة عياله كل يوم درهمين.. في الوقت الذي كان يأتيه الخراج لا يدري له عدا فيفرقه على المسلمين.. ولا يبقي لنفسه منه شيئا.. وكان يقول: أنزلت مال الله مني منزلة مال اليتيم.. فإن استغنيت عففت عنه.. وإن افتقرت أكلت بالمعروف..
وخرج يومًا حتى أتى المنبر.. وكان قد اشتكى ألمًا في بطنه فوصف له العسل.. وكان في بيت المال آنية منه.. فقال يستأذن الرعية: إن أذنتم لي فيها أخذتها.. وإلا فإنها علي حرام.. فأذنوا له فيها.. ولقد أصيب الناس بالمجاعة في عهده فغاب المطر وأجدبت الأرض.. فكان عمر يأكل الخبز والزيت ويقول: ( والله لا أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين)
رابعا.. وقد ظهرت صفاته الشخصية جليةً وقت حكمه
فكان تقيّاً وَرِعاً.. شديداً على الكفّار.. متوسّعاً في الفتوحات.. حتى فُتحت في عهده الفرس والرّوم.. لكنّه وبالرغم من شدّته على الكفّار.. إلّا أنّه كان رحيماً عطوفاً على المؤمنين.. وقد ازداد عطفه وإشفاقه على المسلمين بعد توليه الخلافة إذ قال يوماً:
- (ثمّ إنّي قد وَلِيتُ أموركم أيّها الناس.. فاعلموا أنّ تلك الشّدة قد أُضعِفت.. ولكنّها إنّما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين.. فأمّا أهل السلامة والدين والقصد.. فأنا ألينُ لهم من بعضهم لبعض)..
خامسا.. نجح الفاروق (رضي الله عنه) في سنوات خلافته العشر في أن يؤسس أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ.
. فقامت دولة الإسلام.. بعد سقوط إمبراطورتي “الفرس” و”الروم” – لتمتد من بلاد فارس وحدود الصين شرقًا إلى مصر وإفريقية غربًا.. ومن بحر قزوين شمالا إلى السودان واليمن جنوبًا.. لقد استطاع “عمر” (رضي الله عنه) أن يقهر هاتين الإمبراطوريتين بهؤلاء العرب الذين كانوا إلى عهد قريب قبائل بدوية.. يدبُّ بينها الشقاق.. وتثور الحروب لأوهى الأسباب.. تحرِّكها العصبية القبلية.. وتعميها عادات الجاهلية وأعرافها البائدة.. فإذا بها – بعد الإسلام – تتوحَّد تحت مظلَّة هذا الدين الذي ربط بينها بوشائج الإيمان.. وعُرى الأخوة والمحبة.. وتحقق من الأمجاد والبطولات ما يفوق الخيال.. بعد أن قيَّض الله لها ذلك الرجل الفذّ الذي قاد مسيرتها.. وحمل لواءها حتى سادت العالم.. وامتلكت الدنيا.
سادسا.. كان عمر دائم الرقابة لله في نفسه وفي عماله وفي رعيته..
بل إنه ليشعر بوطأة المسئولية عليه فيقول: “والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا عنها أمام الله.. لماذا لم أعبد لها الطريق”..
- وكان “عمر” إذا بعث عاملاً كتب ماله.. حتى يحاسبه إذا ما استعفاه أو عزله عن ثروته وأمواله.. وكان يدقق الاختيار لمن يتولون أمور الرعية.. أو يتعرضون لحوائج المسلمين.. ويعد نفسه شريكًا لهم في أفعالهم..
- واستشعر عمر خطورة الحكم والمسئولية.. فكان إذا أتاه الخصمان برك على ركبته وقال: اللهم أعني عليهم.. فإن كل واحد منهما يريدني على ديني..
سابعا.. في إستشهاد عمر بن الخطاب روت أمّ المؤمنين حفصة – رضي الله عنها
أنّ أباها عمر بن الخطاب كان يسأل الله تعالى الشهادة في سبيله في بلد رسوله عليه السلام.. ولقد أجاب الله تعالى دعوته..
فقد خرج يوماً على المنبر يخاطب المؤمنين يقول لهم:
- (إنّي رأيتُ رؤيا كأنّ ديكاً نَقرَني نَقرتين.. ولا أرى ذلكَ إلا لِحُضور أجلي)
- ولقد أخبر عمر أسماء بنت عُميس برؤياه.. فأوّلت ذلك بأنْ يقتله واحدٌ من العجم.. فكان كذلك..
- ففي صلاة الفجر في يومٍ كان يسوّي الفاروق الصفوف ثمّ كبّر للصلاة.. فما إنْ كبّر حتى صاح: (قَتلَني الكلب).. إذ تلقّى طعناتٍ من مجوسيّ يُقال له (أبو لؤلؤة) أو (فيروز).. ثمّ هرب هذا المجوسيّ يقتل من يمرّ عليه من الناس فقتل سبعةً آخرين.. فأقبل إليه رجلٌ من المسلمين ألقى عليه بُرنساً ولفّه به.. فلمّا أيقن المجوسيّ أنّه قد أُلقي القبض عليه نحر نفسه فمات من فوره..
- وبقي عمر رضي الله عنه ينزف دماً بضع ساعاتٍ.. أرسل فيها إلى أمّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – يستأذنها أنْ يُدفن بجوار صاحبيه رسول الله وأبي بكرٍ فأذنت له.. ثمّ فارق الفاروق الحياة – رضي الله عنه – بعدها.. ودُفن كما سأل الله تعالى.. بمدينة صاحبه صلّى الله عليه وسلّم..
التعليقات مغلقة.