من الذكريات : أخي ليس أنا..قصة واقعية حدثت في عام ١٩٨٩ م بقلم محمد كفرجومي الخالدي
من الذكريات : أخي ليس أنا..قصة واقعية حدثت في عام ١٩٨٩ م بقلم محمد كفرجومي الخالدي
أنهيت خدمة العلم في وقت متأخر من العام المذكور وكانت المدارس قد افتتحت أبوابها منذ أكثر من شهرين حيث انتهت تعيينات المعلمين في المدارس ولم يعد لي مكان شاغرٌ في مدينتي جسرالشغور من محافظة إدلب الخضراء في الشمال السوري حيث أقيم ، فتمَّ تعييني في قرية خراب سلطان(وأهلها طيبون كرماء) وهي تتبع ناحية دركوش في قضاء جسرالشغور ولكنها تعتبر نائية رغم عدم بعدهاعنها كثيرًا ، حيث كنت أستيقظ فجرًا لأصلي ثم أخرج حالًا من البيت لألحق السيارة الوحيدة إلى مدينة دركوش ، وفي دركوش أنتظر سيارة أخرى مغادرة إلى إدلب لتصعد الجبل الوسطاني وأنزل على مفرق في الطريق وأمشي مسافة خمسة كيلومترات لأصل إلى المدرسة مُنهكًا وكذلك في العودة إلى بيتي أمشي هذه المسافة لأنتظر سيارة على المفرق ذاهبة إلى دركوش ثم سيارة أخرى من دركوش مغادرة إلى جسرالشغور..
هذه المقدمة كلها من أجل أن أقول أنَّ أحد زملائي من قرية مجاورة للقرية التي فيها مدرستي يسكن على الطريق الذي أمشيه ذهابًا وإيابًا قرب المفرق المذكور آنفًا، هذا الزميل خلوق جدًّا وكريم في أقواله وأفعاله.. كان يرأف بي فيستضيفني في بيته كثيرًا من الأيام فأنام في بيته مع تقديمه واجب الضيافة لي من طعام وحديث جميل.
ذهبتِ الأيام وانقضى العام الدراسي ونُقلتُ بعدها إلى مدرسة في مدينتي جسرالشغور ومضت أيام ويمكن أعوام لم أر فيها زميلي مع أنني عزمته حينها إلى بيتي مرات عديدة ، وقدوم زميلي هذا إلى جسر الشعور قليل جدًّا ، وهكذا إلى أن جاء يومٌ ورأيته مصادفةً في جسرالشغور فصافحته بحرارة وتمسكت به لأستضيفه في بيتي لكنني تفاجأت بتجهّم وجهه وعبوسه وقابلني مقابلة المنزعج وكأنني مذنبٌ معه ولم يصافحني بحرارة كما كنت أتوقع.. حاولت أن آتي به إلى بيتي ضيفًا فرفض بشدة ولم يستجب لي مع إصراري عليه، وتركني واقفًا في الشارع أضرب أخماسًا بأسداسٍ وغادرني دون وداع.
لم أنم تلك الليلة ولياليَ بعدها وأنا أفكر في هذا الأمر .. لماذا حدث ذلك؟!
وهكذا مرت الأيام وظل هذا الموقف عالقًا في ذهني لايغادره إلى أن كنت جالسًا مع أخي الذي يصغرني سنًّا بسنتين ومن لايعرفنا لايستطيع التمييز بيننا لقوة الشبه بيني وبينه؛ فإذا رأى أحدهم أخي قد يظنه أنا ومن يراني قد يظنني هو..وبعضهم يسلم على أحدنا باسم الآخر…
وأخي لايسكن جسرالشغور بل في قرية قريبة منها.
أخي هذا سألني : هل تعرف الأستاذ فلان؟( يقصد زميلي الذي تحدثت عنه آنفًا).. أجبته: نعم وقصته معي كذا وكذا..
سألته : ومن أين تعرفه؟!
قال: التقيته أكثر من مرة وكان يسلم علي باسمك ولم أقل أنني لستُ أنت حتى لايخجل وكما تعلم فالناس يسلمون على كلِّ واحد باسم الآخر في كثير من المرات فمللتُ من قولي لهم: أنا لست فلان وفلان أخي..وصرت أردُّ على من يسلم علي باسمك دون أن أعرِّفه بنفسي ..
قلت له: كيف كنت تسلم على هذا الزميل؟ قال لي: سلامًا عاديًّا مثل غيره..
هنا أدركت سبب تصرّف زميلي وانزعاجه وعدم استجابته لدعوتي فقد اختلط الأمرُ عليه ظانًّا أنّ أخي هو أنا..
ولمْتُ أخي لومًا شديدًا وقلْتُ له : لماذا لم تقل له بأنَّكَ لستَ أنا..؟!..
من بعدها غادرت سورية ولم أر زميلي هذا ولم ألتقِ به و إلى الآن يظن زميلي بأنَّ أخي هو أنا..
بقلمي : محمد عبدالرحمن كفرجومي.
التعليقات مغلقة.