من خبايا التاريخ …جنيه عم إدريس الفلاح أحمد الجمال
“تاريخ مصر سلسلة متصلة الحلقات إذا فقدت إحداها تعثر لدينا فهم الماضي والحاضر وإستشراف
المستقبل”
الحاضر غرس الماضي والتاريخ سجل الزمن لكل الأحداث والأشخاص والدول، التي نطلع من خلاله على حضارة أمتنا المجيدة وماضيها الزاخر بالفخر والعزة ونطالع عبر هذه السطور قصة الجنيه المصري الذي حمل صورة فلاح مصري بسيط، فلنقلب معاً صفحات التاريخ ونترك التاريخ كي يحدثنا عن أصل الحكاية، وإليكم القصة من بدايتها:- تحمل كل عملة العديد من الدلالات التاريخية أو السياسية وتكون ذات صلة وثيقة بفترات أو أشخاص تركوا أثرا كبيرا في تاريخ البلد، وأغلبهم من الزعماء السياسيين.
وصاحب أشهر جنيه في تاريخ مصر الحديث لم يكن مناضلا أو زعيما سياسيا، بل كان فلاحا بسيطا ترجع أصوله إلى الأهالي الوافدين من جنوب مصر للعمل في حاشية الملك وخدمته، ما تسبب في شهرة واسعة لـ«الجنيه» عند طباعته وقتها، ولا تزال تلك الشهرة تزداد مسببة ارتفاع قيمة العملة القديمة وسعرها في سوق العملات التاريخية، فمن هو؟ وما حكايته، وكيف وصل إلى تلك المكانة لتُطبع صورته على أول جنيه ملكي؟
يرجع تاريخ جنيه عم إدريس إلى العصر الحديث، إذ جرى صكه عام 1924، كأول جنيه ملكي في عهد الملك فؤاد الأول، حاكم مصر والسودان في ذلك الوقت، ولم يكن عم إدريس الأقصري، إلا فلاحا بسيطا شاءت الصدفة أن يعمل في خدمة «الأمير فؤاد» منذ
طفولته كأحد أفراد الحاشية، ولم يكن حينها من المقربين، بحسب محمود حنفي، تاجر وهاوي عملات قديمة، وفقا للوطن المصرية.
تساءل المصريون عن ماهية الشخص التي طبعت صورته على الجنيه، حيث لم تكن الصورة للسلطان العثماني الذي كانت مصر تحت لوائه، أو لزعيم ومناضل مصري، بل كانت الصورة لرجل فلاح مصري يحمل سمرة الجنوب، ولحيته البيضاء تغطي الجزء الأكبر من وجهه وتغطي التجاعيد الجزء المتبقي وعلى رأسه عمامة بيضاء، وعباءة بسيطة على كتفه.
استيقظ «إدريس» ذات يوم ليسرع إلى قصر الأمير فؤاد حاملا له بشارة؛ مفادها «أبشر يا فؤاد بمُلك مصر»، لتصبح فيما بعد الرؤية التي غيرت مصير «عم إدريس»، إذ تحقق ما رآه بمنامه ليصبح فؤاد الأول ملك مصر والسودان، وكذلك أصبح الفلاح البسيط خادم سيده الأمين فيما بعد.
بعد فترة اكتشف المصريون السر وراء صورة الفلاح البسيط على الجنيه، حيث كانت لفلاح مصري بسيط يدعى «إدريس الأقصري» يعمل خادمًا في قصر الأمير فؤاد، والذي كان معروفا بسذاجته وإسرافه للأموال ببذخ، وذات يوم رأى «عم إدريس» في الحلم تولي الأمير فؤاد لحكم مصر وجلوسه على العرش كملك وحاكم للبلاد، وقرر أن يقص رؤياه على الملك، الذي نعته بالساذج ولم يصدقه، حيث كان أبعد ما يكون عن مواصفات حاكم.
البلاد، ولكنه وعده إن تحقق حلمه سيضع صورته على أول جنيه يصدر في حكمه.
وكان الإنجليز وراء الكواليس يبحثون عمن يولونه عرش مصر ويدير دفة الحكم لصالحهم ووجدوا في فؤاد ضالتهم، فهو الوحيد من وجهة نظرهم الذي يمكن أن يخدم إمبراطوريتهم ويحركونه كما يشاءون، فنصبوه سلطانا على مصر، ثم ملكا عليها وجعلوا الملك وراثيا في أسرته.
وهكذا تحقق حلم إدريس أفندي الأقصرى، وكافأه الملك فؤاد أعظم مكافأة حيث وضع صورته على أول جنيه مصري من العملة الورقية يطبع باسم المملكة، والذي عرف بجنيه «إدريس أفندي» أو «جنيه الفلاح» كما أطلق عليه أغلب المصريين.
وكرم الملك، عم «إدريس» بوضع صورته على عملة مصر في ذلك الوقت وهي الجنيه، فهو صاحب البشرى التي حملت المُلك وعرش مصر لـ فؤاد الأول، ليظل ملازما له حتى وفاته.
ودائماً وأبداً التاريخ لاينتهي … سنحيا بالأمل في الله… سنحيا بالعلم… سنحيا بالكفاح…. سنحيا بالتسامح… سنحيا بالابتسامة الجميلة.
منقول بتصرف…. وللتفاصيل عن الموضوع
يرجى الإطلاع على المصادر الإلكترونية التالية:
-حسن محمود الشافعي: العملة وتاريخها، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،١٩٨٠م.
– حسين عبد الرحمن: العملة المصرية، الطبعة الثانية، القاهرة، ١٩٤٦م.
– موقع فاروق الأول
-موقع البيان
-موقع العربية
ودائماً وأبداً التاريخ لاينتهي … سنحيا بالأمل في الله… سنحيا بالعلم… سنحيابالكفاح…. سنحيا بالتسامح… سنحيا بالابتسامة الجميلة.
أحمد الجمال
باحث في التاريخ الحديث والمعاصر
رئيس مركز الدراسات التاريخية بالإتحاد العالمي للمثقفين العرب
مقدم التاريخ بالإذاعة المصرية
كاتب بعدة جرائد مصرية وعربية
التعليقات مغلقة.