من رواية ” اللعبة” …محمود حمدون
من رواية ” اللعبة “
محمود حمدون
الناشر : المكتب العربي للمعارف – القاهرة
====
أماّ ” هيام ” كانت وهمًا في صورة حقيقة , حدث بيننا تآلف ظاهري بتأثير الانجذاب , أحببتها ؟ لست أدري ما هو الحب , و بتقديري ما هو إلاّ شيفرة منزرعة بأعماق النفس تعمل بتلقائية , أو لا تعمل فكل شيء يعمل بحساب , أن أحبك أو أكرهك محض آلية مطمورة بالفرد , لا أعرف كيف تعمل لكنها لا تخرج عن ذلك .
أعترف لك يا صديقي أني قسوت على نفسي لتأكيد فكرتي وضحيّت بما كان بين أصابعي لأثبت لنفسي صدق ما سعيت وراءه.
تنهّد ” علي ” وقال : زادت شفقتي عليك يا صديقي , لماذا فعلت بنفسك هذا ؟ كيف أوردت نفسك مورد تهلكة هكذا ؟
فعلت ماذا ؟ وأي تهلكة ؟ مجرد فكرة جديدة , ربما لا تعجب الناس وربما تصدمهم وتُخرجهم عن شعورهم , ربما كانت حجرا ألقيته عمدا ببركة من ماء آسن عطن فأثارته وأخرجت النتن من الرائحة والراكد بالقاع ,لم أفعل إلاّ أن وظّفت أدواتي الجديدة وأمّعنت التفكير بزاوية جديدة .
تريد إثباتا ؟
ليتك تفعل ..
اثنان لا ثاث لهما , الأول , عندما تشم رائحة سيئة ماذا تفعل ؟ تشمئز ؟ تنفر ؟ ثم إن وصلت لأنفك رائحة جميلة طيبة , ماذا يكون رد فعلك ؟
أكمل ..
الطفل الصغير إن شمّ رائحة طيبة أو خبيثة لا يخرج رد فعله عما يفعل البالغ الكبير , فكيف عرف وكوّن ذلك الاحساس ؟ كيف يميّز الطيب من الخبيث في الروائح ؟ ما لم تكن هذه وتلك مجرد تنبيهات مدرجة بنظام سابق تشكّل بداخله , ضوابط فُرضت عليه , نطلق عليها نحن خبراء المعلومات , الشيفرات أو البرمجيات , مجرد تعليمات .
- حسنا , بضجر , الأمر الثاني ؟
علت وجه ” فؤاد ” ابتسامة , وقال صديقي الوحيد : هلّا أمسكت قلمك الجاف ؟
لا دعه بيدك , القلم من المادة , صح ؟ لا تجب إلاّ إن أخطأت أنا في الحديث فقط عليك أن تومئ للتأكيد على صدق كلامي ..
وما المادة ؟ أليست جزيئات ؟ وما الجزيئ أليس بضعة ذرّات تجتمع مع بعضها ؟ فما الذرّة ؟ أليست كما درسنا فراغا كبيرا يتناثر به بضعة جسيمات مشحونة كهربيا بشحنات مختلفة , جسيمات لا وزن لها ماديا , مجرد وهم.. فالمادة وهم في حقيقتها و لا تكتسب وجودها إلاّ بتفاعلها مع وهم من طبيعتها وجنسها .
- وبعد ؟ يعني إلام ترمي ؟
ضحك ” فؤاد ” من قلبه للمرة الأولى : لا شيئ سوى أن الحقيقة هي ما تراه وتحسه أو تستشعره بعقلك , لكنها مزروعة من قبل , كل شيء يتحرك بمقدار , وما القدر إلاّ جملة من شيفرات موجودة تشكّل خط سير كل شيء ولا تملك خروجا عليها .
التعليقات مغلقة.