من سلسلة “من مذكرات مغتربة ” اهداء لمصر الحبيبة : أبجدية اللغة والمكان بقهوة الفيشاوي…بقلم د. آمال صالح
من سلسلة “من مذكرات مغتربة ” اهداء لمصر الحبيبة : أبجدية اللغة والمكان بقهوة الفيشاوي…بقلم د. آمال صالح
كان للأماكن دوما عندي لغة خاصة… ورائحة خاصة، تخاطبني بلغة المشاعر، تكتب لي حروفا سرية تناديني تحولني إلى كتلة من الحنين إلى الماضي…
كنت قد خبرتكم في كتاباتي السابقة… عن حبي وانتمائي لكل بلاد العرب… في رأسي لا يوجد أية حدود…فأنا أحن إلى تاريخ واحد … وأصبو إلى نفس الأحلام التي يحلم بها كل مواطن عربي في أي رقعة من الوطن العربي… أليس لنا لغة واحدة…لغة غنية شاملة لكل تطلعاتنا… لغة فيها العطاء والجمال… لغة توحد الفكر والقلب…!!
هل يوجد أعظم من هذا…
تنساب الكلمات بين العصور… تخاطب الأجيال… تحمل إرثنا الحضاري… تغذينا… تتحفنا بكل صور الجمال… نسافر بين الحروف إلى أمجادنا… ونبقي على استمرارية التواصل مع ماضينا… حتى لا تحس الأجيال القادمة بالاغتراب…أو فقدان الهوية…
ثم تتحول اللغة في الأماكن إلى لغة تخاطب أعماقنا تحرك فينا مزيجا من المشاعر الرائعة…
أعشق السفر للأماكن التي تخاطبني…للأماكن التي لم أرها ولم أعرفها… ولكنني كنت قد زرتها عبر الأبجدية… عبر اللغة المحكية أو المكتوبة…وكنت قد هيأت نفسي لها وانتظرتها روحي…حتى تغمرني رائحتها… ويصافحها خيالي…!!!
وصلت إلى قهوة الفيشاوي… اخترت المكان الذي سأجلس فيه بعناية…كنت حريصة على اقتناص كل لحظة والتمتع بجمالها… صورة نجيب محفوظ لم تكن فقط موجودة قريبة مني… بل كانت في خيالي يسترق منها الذكريات بين أروقة رواياته… بعض الشخصيات مازالت منذ الصغر في ذهني…
وهذا ما أردت أن أوصله لكم… عطر المكان…لغة نشتمها فيزهر خيالنا ويتجدد… أحس بالإعتزاز والانتماء لمصر… قبل أن أزورها… كما كنت قد أحسست لما شاهدت أول مرة نزار قباني في تونس في قصيدة “يا تونس الخضراء جئتك عاشقا.. ” أنني وأنا مازلت طفلة بنت سوريا العربية…!!!
تونسية… مصرية أم سورية… كلها في دمي مندمجة… مع سحر المكان في أية رقعة من وطننا العربي… !!!
وأنا التي قضيت أكثر من نصف حياتي في الغرب وبالتحديد في باريس…
أقول لكم ما أجمل الرجوع إليه… كما تغنت نجاة الصغيرة…!!!
ما أجمل الرجوع إلى دفء هذا الإحساس … الإحساس بالماضي الجميل… الارتواء من النبع… من الجذور…
أحضان المكان الذي نشتاق التحاور معه…ويملأ سحره زاد خيالنا…
التعليقات مغلقة.