من كتابي مذكرات فنان.الحاج صاحب
عبدالصاحب ابراهيم اميري
منذ سنوات وفكرة حج بيت الله الحرام تطوف في ذهني کطواف الحجاج عند بیت الله الحرام ولها أسبابٌ عدة ، منها رحیل والديَّ وعدم تمکنهما اداء الحج لأسباب إجتماعیة وأمنیة وسیاسیة وأمنيتي الوحيدة ، كانت حج بيت الله الحرام لاخلع عن نفسي الذنوب و الموت ياتي بغتة وحالي أن لا يكون كحال ابويَّ الذي شغلتهما الدنيا بمتاعبها
قررت أن أذهب بكل وسيلة ممكنة ولابد من التسجيل وإنتظار فترة قد تتباعد سنوات عديدة ولا أدري هل سأبقى حيا حتى ذلك اليوم
وهل أستطيع الطواف والقيام بمراسيم الحج
كل هذه الأسئلة كانت تلف وتدور في رأسي لذا كان يجب أن أذهب للحج خارج الطابور
ومنها أن أکون خادماً أخدم الحجاج
…الحج رکن من أرکان الدین وهو من الواجبات إن کان المرء مستطیعاً … أقترحت على صديقي وهو یقود بین سنة وأخری الحجاج الی مکة أن يأخذني معه خادماً
- متگدر ( لا تقدر )
- لیش ما أگدر
- خدمة الحجاج أمر صعب
- .أني لازم أروح للحج.. والتسجیل یطول .. وما أگدر أصبر
- حاول من خلال الإذاعة والتلفزیون
- من أمثالي میدزون أحد.. یریدون مذیع أو مراسل … سویلي جارة
بقیت أعیش علی أمل أن یقتنع صديقي یوماً ویأخذني معه لحج بیت الله الحرام .. لکن دون جدوی
وحل موسم آخر للحج ،
سمعت من هذا وذاک ، إنَّ المجلس الأعلی له سهماً من حجیج هذا العام ، فتوسلت بالمجلس الأعلی … الا إنهم وضعوا أمامي مانعاً علی أن أبرز هویة عراقیة ، فکیف لي أن أبرزها وأنا کنت الف وأدور سنوات عمري کلها للحصول علیها… لو لاها لما کنت المواطنَ في مسرحیة ( المواطن بلا إستمارة ) نعم لیست لديَّ وثیقة عراقیة .
أصررتُ علی الذهاب، وبقیتُ بالمجلس الأعلی أياما لا أحرک ساکناً .. حتی جاء أحدٌ یشبه حالتي … وکان من رجال الدین المعروفین في وقتها .. فاتصلوا بالسید وعرضوا علیه الموضوع … وشرط الوثیقة العراقیة لا تتوفر في بعض الشخصیات من أمثال السید الذي طلب الذهاب للحج ، عندها رفع هذا الشرط..وسجلوا اسمي وأصبحتُ من ضمن الأسماء التي طلبت حج بیت الله الحرام
أعلن المجلس بعد یومین ، إنَّ قائمة المتقدمین أکثر من ألفين ولیس باستطاعة المجلس أن یبعث الا ثمانین شخصاً . هذه المرة بدأت أتوسل بالله، وهو خير المتوسيلن بهم
أن یجعلني من بین الثمانین ، وحان یوم فرز الأسماء وإنتخاب ثمانین شخصاً من بین ألفین بالقرعة .. وکنت من بین الحاضرین .. في الصالة ساعة فرز الأصوات .
کلما یعلن أسم فائزٍ بالحج حتی یسقط قلبي ویعلو صوت المحتشدین في الصالة
الله و أکبر أو الصلاة علی محمد وآل محمد
حتی أعلن الأسم العشرین …
لعب بي الشیطان وأراد أن یخرجني من طریقي .. وقال لي أشیاء کثیرة..
بکیتُ لا أرادیاً وأنا أناجي ربي .. - رباه أدعوني .. فلابد أن أحج بیتک الحرام مادمتُ أقوی علی ذلک
أعلن الاسم الحادي والعشرین ولم یکن الأسم المعلن اسمي
سقط قلبي
أعلن الأسم الثاني والعشرین جلستُ مبهوتاً فالأسم لیس اسمي
بكى قلبي
وأعلن الأسم الثالث والعشرین والرابع والعشرین ، غضبتُ غضباً شدیداً ، وبدأ یهمس لي الشیطان - أن الله لا یحبک .. ولا یریدک أن تحج بیته الحرام ، قم واذهب الي بيتك
أعلن الأسم الخامس والعشرین ، قمت علي قدمي وقلت للباري تعالی
.سأترک المکان ولن أتي للحج إذ لم تعلن أسمي .
. عندها سمعتُ أسمي یعلو في الصالة - عبد الصاحب إبراهیم أمیري
لم أصدق ما سمعت ، کبرت عالیاً ، فاتجهت الأبصار حولي … وأنتخبني الباري تعالی من بین حجاجه الثمانین .
شددتُ الرحال الی حج بیت الله الحرام .. حتی وجدتُ نفسي أمام بیت الله العتیق
وهذا مادار بیني وبینه
وقفتُ قبالة البیت الحرام تلفّني دوامة ذهول حائر..
..عقد لساني وأرجفت أوصالي وأغرق عیني بدموع ساخنة ،
أهي دموع الفرح والبهجة في اللقاء الحبیب
أم دموع حرکتها عظمة تأریخ الخلیل الضاربة في أعماق الزمن ، ولازالت ماثلة بکل ما أوتیت من جلال ؟
أنا لم أصدق ما أری ..
هل حقاً هذا هو بیت الله العتیق ؟
وهل هذا هو مقام إبراهیم ؟
وذلک حجر إسماعیل ؟
أهذا أنا بکل کیاني . بلحمي ودمي وعظامي ؟
أم کل هذه الصورالرائعة ماهي الأ حلم جمیل ستضمحل وتتلاشی عندما أستیقظ من سکرة الکری
تداخلت الصور وإختلطت الأشکال والألوان في مخیلتي وأزدحمت في رأسي الصغیر .
ومن حقها أن تختلط وتتداخل وتتزاحم لأنها لیست صورَ عامٍ أو عشرة ولم تکن صور قرن أو قرنین من الزمان بل صور قرون متطاولة متجذرة في أعماق الدهر إنها صور إبراهیم وإسماعیل وهاجر وبئر زمزم .
إنها صور ملونة بدماء الرعیل الأول من شهداء الإسلام ومرتشة بأدوات التعذیب والقهر في مکة مرونة بصرخات الحق من أفواه یاسر وسمیة وبلال وصهیب … - الله اکبر … الله أکبر .. أحد … أحد
إنها صور مثلی لحیاة محمد صلی الله علیه و
آله وسلم محطم الأوثان وحیاة المستضعفین المعذبین من أصحابه
وهنا کنا وما کان وماجری علی أبي الحنیفة خلیل الله إبراهیم علیه السلام في الماضي السحیق ، حیث لنا نقلة لابد منها الی ذلک المسرح الرسالي الذي تحطمت علی خشبتهِ تماثیل الأصنام بمطرقة النبوة ومن ید ذلک الفتی الذي یسمی إبراهیم ، فإلی هناک لنستلهم من ذلک الثائر دروس الثورة والتوحید.
آزر: لقد کبرت یا ولدي یا إبراهیم وأشتدَّ عودک ولابد من أن تعمل وخیر عمل إخترته لک هو أن تساعدني في بیع الأصنام إن فیها مکاسب کثیرة
نظر إبراهیم علیه السلام الی آزر نظرة کلها إستغراب وقال بلهجة منکرة مستفسرة
إبراهیم : ومن یشتري ما لا یضره ولا ینفعه ..! ؟
آزر : هل تعي ما تقول یا ولدي ؟
إنها آلهتنا .. آلهة أباءنا وأجدادنا ، ونحن نقدسها ونحترمها
إبراهیم : تحترمونها وتقدسونها وهي جماد… تصنعونها بأیدیکم
وهي لا تأکل ولا تشرب ولا تنام ولا تدفع عن نفسها سوءاً
آزر : أنک تکفر بالألهة یا إبراهیم
هل سمعت یا أم إبراهیم ؟ کان الأحری بک أن تترکي
نمرود یقتله وهو في المهد صبیا
إبراهیم : ماذا تقولان ؟
أم إبراهیم : لقد ولدتُ یا بني في العام الذي أعلن المنجمون أن غلاما
سیولد هذا العام ، یفارق دین القوم ویحطم أصنامهم
آزر : فحبس نمرود الحبالی من النساء الا أمک حیث لم یعلم
بسرها فذبح کل غلام ولد في تلک السنة
أم إبراهیم : فولدتک سراً في مغارة وبقی أمرک مکتوماً حتی هذا الوقت
إبتسم إبراهیم علیه السلام في وجه أمه وقال
إبراهیم : حسناً فعلت یا أماه
وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ
ما وقع لي بالحج ، دونته في کتابي… السفینة والمصباح ، الذي طبع بعد سنوات من تألیفه … وهو مجهود قدمته للإذاعة العربیة خلال عامین ، تناولتُ فیه أکثر من مائة قصة من حیاة الأبرار … إنتخبتُ خمسین قصة منها للکتاب ، وهو رحلة إستعراضیة بأدب تمثیلي في تاریخ الأبرار وعاقبة الأشرار. أهدیت الکتابة لروح والدي .. الذي علمني کیف أستعمل القلم.
عليك الرحمة أيها الأب الكريم
عبد الصاحب إبراهيم أميري
،
التعليقات مغلقة.