من كتابي مذكرات فنان بداياتي الفنيّة الاولى
عبد الصاحب إبراهيم أميري
،،،،،،،،،،،،،،،، ،،
قرّرتْ إدارة المدرسة أقامة حفلٍ خاص للآباء والأمهات ، یتخلّله عرضٌ مسرحيّ، أوكل الحفل إلى أستاذ مادة الرسم (جبار صبري العطیة )
اعلن في لوحة الإعلانات عن الحفل
، بأنّ من یجد في نفسه الرغبة بالتمثیل
إن يعلن ذلك
، فسارعتُ بالتسجیل كنت وقتها في الصف الثاني متوسط
حان موعد الاختبار
، سلّمنا الأستاذ جبار نصًّا مسرحیًّا مكتوبًّا باللغة العربية الفصحی والغرض منه اختبار لغتنا وطریقة القراءة الصحیحة، ما إن استلمت النصّ حتّی أرتبكتُ وتلعثمتُ، وفشلت في الاختبار
، غمرني الحزن والتساؤولات :
– لمَ لمْ أوفّق مع إنني أذوب في هذا الفن الساحر ؟
قررت أن أكون في الاجتماع.. مع أنّني لست من بین المدعویین، ووزعت الأدوار ولم یصیبني منها شیئًا، جلست أراقب من بعید بقلب حزین، إلّا أنّني تقدّمت خطوةً وإنتهزتُ الفرصة وبیّنت لأستاذي شوقي ورغبتي في التمثیل، إلّا أنّه لم یصغ إليّ جیدًا وعرفت أنّ المشكلة كانت تكمن في عدم لفظي حرف (الراء ) بصورةٍ صحیحةٍ. لأنني كنت (ألكن) أي أرتل ولا ألفظ الراء بصورةٍ صحیحةٍ. وكان هذا نصیبي من الحیاة..
لم أستسلم لهذا الواقع وهذا الرفض، ، ل قرّرت الاستمرار في الحضور لأتعلم شیئًا من مدرسة (جبّار).
وفي عصر یومٍ من أیّام التمرین وقد أوشك العمل علی الانتهاء، كان هناك مشهدًا یقدم فیه الحاجب الدواة والقرطاس للملك كي یوقع..
نظر لي الأستاذ كمن یقول لي:
- تعال وقم بهذا الدور
- كدتُ أطیر من شدّة الفرح، شرح لي مفصّلًا الحالة التي یجب أن أقوم بها، لم أستمع إلى أقواله لأنّي كنت أدخل في الشخصیّات كلّها وحفظت النص عن ظهر قلب.. أشار لي الملك
تقدّمت نحوه بحركاتٍ محسوبةٍ حتّی وصلت بالقرب منه
وانحنیت احترامًا
فأشار الملك أن أقترب
اقتربت بحذرٍ وخشوعٍ (لأنّي أمام ملك)
فصدقت الحالة التي كنت فیها
رفع الملك القلم والقرطاس وأبصم
ذبت رهبةً وخوفًا من الملك
وانسحبت بهدوء بعد أن أشار بالانسحاب
اقترب الأستاذ جبار نحوي ثمّ همس بأذني باللهجة العراقیة: - عفیه علیك خوش تمثّل
وفي الیوم التالي حضر الفریق بكاملة لنقدّم عرضًا خاصًا لمدیر المدرسة لیقیّم عرضنًا،
لم يعجب المدیر بالمسرحیة لأنّها جادة كثیرًا وبالفصحی ولا تستطیع أن تصل إلى قلب المشاهد، رفضها بأدبٍ وطلب نصًا كومیدیًّا، یدخل السرور علی قلب الأولیاء، وذهب كلّ منّا إلى منزله وبقیت في ذلك الیوم أفكر بحلّ.. فبدأت بالكتابة! وكتبت نصًا تمثیلیًا حول معاناة شابٍ قروي یأتي للمدینة لیواصل دراسته ویسكن في بیت أحد ذویه المقربین، والمفارقة تكمن بین المدینة والقریة! ومنها ظهرت الكومیدیا
المشكلة كانت كیف أسلم النص
ذهبت إلى المدرسة مع النص، انتظرت جرس الاستراحة حتى التقيته وهو على عجل من أمره
أخبرته أنّ لي قریبًا له محاولات في الكتابة أعطاني هذا النص
قائلًا: لعلّه یفیدكم! ووضعت النص بین یدي أستاذ المادة، أخذها منّي ووضعها بین أوراقه ولم ینظر إلیها إطلاقًا..
عندها بدأتُ أسرد أحداث المسرحیّة وأنا أسیر معه إلى غرفة الإدارة،
تمكّنت من أن أجعله یصغي لي، فابتسم وقال : - إنت حافظهه
- قرأتها مرّات ومرّات،
- سأقرأها..
وفي الاستراحة الثانیة، ناداني الأستاذ وقال لي بالحرف الواحد:
- كدتُ أطیر من شدّة الفرح، شرح لي مفصّلًا الحالة التي یجب أن أقوم بها، لم أستمع إلى أقواله لأنّي كنت أدخل في الشخصیّات كلّها وحفظت النص عن ظهر قلب.. أشار لي الملك
- الیوم العصر راح تكون عدنه گعده وتوزیع أدوار
- یعني ؟
- یعني المسرحیة حلوة وراح نشتغلهه
لم أطق جلدتي، فكدت أطیر بالهواء.. إنّي أصبتُ الهدف.. قلب الهدف وتمكنت من أن أثبت حضوري فأخبرتُ فریق العمل بالاجتماع، ومرّت الساعات عليّ طویلة حتی حان العصر، موعد الاجتماع
كنت أول الحاضرین في القاعة، فدخل الأستاذ وأعلن بأنّه حصل علی نصٍّ كومیدي یحكي معاناة تلمیذٍ یأتي للمدینة كي یواصل دراسته ومنها تحدث المفارقات، ، وزع الأدوار الثانویّة حتی وصل إلى شخصیة الطالب القرويّ ولم یكن لي نصیبٌ منها
، حزنت حزنًا شدیدًا، إلّا أنّ حزني لم یدم طویلًا.
فناداني وتحدّث عني وعن أستعدادي بالتمثیل وأوكل إليّ شخصیة الطالب القروي!
لا أدري هل أصدّق أم لا؟
بین یومٍ وآخر أصبحت كاتبًا وممثلًا!
التعليقات مغلقة.