من مجموعة قصص تائهة ” حكاية جرح”…
مرفت البربري
حكاية جرح..
في عيد النصر وكمثل كل عام، جلس جدي يسرد لنا حكاياته في البطولة.. أسمعها منذ وعيت.. وفي كل مرة أستمع إلى آخر الحكاية وكأنه يرويها لأول مرة.
- خضت كل الحروب التي واجهتها بلادي منذ أهَل شبابي.. نحن جيل ولدت معه الحروب.. كنا رجالا لا نخشى إلا الله.. ولا نحب سوى تراب الوطن..هُزمنا ودَحرنا أعداءنا.. عشنا فيها الويلات وجنينا فرحة النصر.
رسمت خريطة حب الوطن على جسدي.. بجراح مثخنات، كل ندبة تحكي فصلا من قصة عشقي. أهديت وطني إحدى ساقاي.. وكنت أتمنى لو أنني أهديتها حياتي.
لأول مرة أنتبه لذاك الجرح الذي تحتضنه أصابع جدي..
-الجرح دا من إيه يا جدي.
نظر إليه ففرت دمعة سقطت تقبل الجرح.
-دا هدية من جيش العدو لما كنت أسير.
-إيه دا إزاي هدية يا جدو هو الجرح هدية. - طبعا يا حبيبي كل نقطة دم فدا بلدي وكل جرح شرف. وفخر.
في حرب 56 كنت في الأسر 15 يوم في العريش، وتمكنت من الهرب مع 6 من زمايلي، قبل ترحيلنا. “لتل أبيب”. وكان الإسرائيليين يصرفون رغيفًا لكل 12 أسير، وكوب ماء فقط لكل أسير يومياً، وكان الإسرائيليين ينقلون الأسرى المصريين لتل أبيب ولم يتبق إلا 7 أسرى فقط كنت من بينهم، وطلب منا الإسرائيليون مساعدتهم لتشغيل إحدى السيارات بدفعها فاستجبنا لهم وبمجرد دفعها هربنا لداخل مستشفى العريش، ومنه لأحد الجبال هناك أصبت بهذا الجرح.
استمرت رحلة العودة من العريش لمصر 7 أيام كاملة ننام بالليل، ونغطى أجسامنا بالرمال لشدة البرودة ونغطى وجهنا بسترة، وكنا نسير بالنهار بجوار شريط القطار ولم نذق الطعام لمدة 7 أيام ولا نشرب إلا المياه من الآبار التى كانت تُحفر بجوار السكك الحديدية ونختبئ فى الجبال ليلاً حتى وصلنا إلى القنطرة شرق، وعند نقطة المرور سلمنا أنفسنا للحرس وتوجهنا للقناة ومنها استقلينا القطار وتوجهنا لمستشفى حلوان.
وأقسمنا يومها إننا سنرجع ونأخد ثأر كل نقطة دم نزلت على أرضها من شهيد أو مصاب، ورجعنا في أكتوبر 1973 ليحقق الجيش المصري أروع بطولاته وأخدنا ثأر الشهيد البطل أحمد عبد العزيز الذي استشهد على أرض فلسطين وكل الشهداء الذين صنع أخوتهم ملحمة بطولية رائعة سطرها الجيش والشعب المصري العظيم.
” وأعظم شيء فينا يا مصريين اننا ما بننساش تارنا مهما مر الزمن”.
ذكرى نصر (6 أكتوبر 1973العاشر من رمضان- بدر )
التعليقات مغلقة.