من مكارم الأخلاق و الفضائل..بقلم محمد الدكرورى
من مكارم الأخلاق والفضائل
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
إن طمأنينة النفس وراحة الضمير وسعادة الفرد والمجتمع لا تنبع إلا من خلال قيم وأخلاق حميدة، ينبغي أن تُمَارس سلوكاً في الحياة ، في السراء والضراء وعند اشتداد الفتن وكثرة المشاكل واحتدام الصراعات ، فالأخلاق ثابتة لا تتغير ولا تتبدل لأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها ودين أمر الله بإقامته، وربطها بالأجر والثواب والخيرية والفلاح في الدنيا والآخرة .
والأمانة من هذه الأخلاق، بل هي أعظمها أهميةً وأثراً في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، ويوم أن فقدناها رأينا الخيانة، والتساهل والتقصير والتهرب من المسئولية، والغش والتحايل، والظلم والفساد، والبغي في أخلاق الناس وسلوكياتهم، ففسدت الحياة، وساءت العلاقات بين البشر، وضعف الإنتاج ودُمرت دول ومجتمعات .
إن الأمانة مسؤوليَّة عظيمة، وحمل ثقيل، فعلى الإنسان أن يتحمَّل مسؤوليَّته، وأن يؤدي أمانته فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين العباد ، وأمَّا أداؤها فيما بينه وبين الله بأن يقوم بطاعة الله وعبادته وإخلاص الدين له، والالتزام بشرع الله، والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان، وأن يكون العمل خالصاً لوجه الله الكريم، موافقاً لشرعه حتى يقبله الله .
وقد أمر الإسلام بخُلق الأمانة وبيّن أهميته وفضله وأثره في الحياة الدنيا والآخرة.. قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) .
والأمانة هي القيام بالواجبات، وأداء الحقوق، وإتقان الأعمال، وحفظ الودائع، وهي شاملة لجميع مجالات حياة الفرد تجاه نفسه ودينه، وأسرته ووظيفته، ومجتمعه ووطنه، لا فرق فيها بين حاكم أو محكوم ، أو صانع وتاجر ، أو عامل وزارع ، ولا بين غني وفقير ، أو رجل و امرأة، فهي شرف للجميع، ورأس مال الإنسان، وسر نجاحه، ومفتاح كل تقدم، وسبب لكل سعادة.
وبين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنَّ الخيانة والأمانة لا يجتمعان كما لا يجتمع الكفر والإيمان، فقال: “لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ، ولا يجتمع الصدق والكذب جميعاً، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعاً” رواه أحمد.
وقال الله عز وجل (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) سورة النساء، وسبب النزول هو: “تولية الأمر لمن هو أصلح له، لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة؛ طلبها منه العباس بن عبد المطلب؛ ليجمع له سقاية الحاج وسدنة البيت، فأنزل الله هذه الآية فدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة .
وحذر الله سبحانه وتعالى من خيانة الأمانات فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الأنفال . والأمانة في أداء الأعمال التي أتمن عليها ولي الأمر لبعض الناس للأفراد أو للشركات فعليهم أن يحافظوا عليها، فمن ولي على عمل فإنه أمانة في عنقه، يبادر بأدائها كما أمره الله سبحانه وتعالى وينزه نفسه وكسبه ومأكله ومشربه من الخيانة في الأمانة .
فهي ابتلاء وامتحان، فمن حافظ عليها وأداها نال الجزء من الله عز وحل، ومن خانها فإنما يخون نفسه، وإنما يرجع ضرر الخيانة عليه وسيحاسب عن ذلك يوم القيامة، فيجب على من تولى عملا وظيفيا أن يؤديها بالوفاء والتمام وأن يحافظ على مواعيد العمل ولا يتخلف إلا لعذر شرعي مع طلب الإذن من المسئول حتى تبرأ ذمته ويسلم من اللوم والعتاب، فإن تخلفه عن مواعيد العمل يسجل عليه ويحسب عليه .
ولقد أصبحنا اليوم نبحث عن التاجر الأمين، والعامل الأمين، والطبيب صاحب الأمانة، والبائع الذي يتعامل بالأمانة، والموظف والمعلم وغير ذلك فلا نجد إلا القليل؛ فالأمانة أصبحت عملة نادرة بسبب الغفلة عن الآخرة، وحب الدنيا والبعد عن الدين وتعاليمه، وعدم إدراك خطورة ضياع الأمانة في حياة الناس .
وجعل النبى الكريم صلى الله عليه وسلم مضيع الأمانه من المنافقين فقال: “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر” متفق عليهرواه البخارى ومسلم .
وفي رواية أخرى : “آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” لأن النَّاس يخدعون بإنسان من مظهره، أو في حسن كلامه، فيضعون عنده أماناتهم، سواء من مالٍ أو سرٍّ أو حاجةٍ، فإذا به يظهر على حقيقته مخالفاً ما ظنَّه النَّاس عليه، فيضيِّع الأمانات، ويأكل الأموال، ويفشي الأسرار، ويتلف الحاجات، لذلك كان فيه علامة من النِّفاق.
وعن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يحدث القوم في مجلسه جاء إعرابي فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث، فقال بعض القوم: سمع فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: “أين السائل عن الساعة؟”، قال: ها أنا ذا يا رسول الله. قال: “إذا ضيّعت الأمانة فانتظر الساعة”. قال: يا رسول الله، وما إضاعتها؟ قال: “إذا أوسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” رواه أحمد.
ولقد أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن الحفاظ على الأمانة وأدائها بحق من علامة الإيمان؛ فقال: “لا إيمان لمن لا أمانة له”، كما أخبر أن تضييعَ الأمانة والاستهانة بها وخيانتها نِفاقٌ وعصيان، وخيانة الأمانة من صفاتِ المنافقين، ودليلٌ على سوء الطوية وقبح البطانة، ودليلٌ على ضعف الإيمان بالله جل وعلا.
وضياعها وعيد شديد، يوم يُضرب الصراط على متن جهنم، لاجتياز العباد عليه بعد نداء الله تعالى، وعندها تكون دعوةُ الأنبياء: اللهم سلّم سلم ، فإذا ضُرب الصراط على متن جهنم “قامت الأمانة والرحم على جَنبتَي الصراط” فتكون الخيانة سببا في السقوط في نار جهنم.
فعلى الناس أن يتنزهوا عن هذه الخيانات المالية والاختلاسات، وأن ينزهوا إخوانهم بالنصيحة والموعظة أو بالرفع في شأنهم إلى من يأخذ بأيديهم لينجو وينجوا الجميع، فإن الخيانة إذا أهملت استشرت وانتشرت ونشط الخونة أما إذا علموا أن هناك من يرصد أعمالهم فإنهم ينكفون عن هذا إن لم يكن بهم إيمان يردهم فسينكفون خوفا من العقوبة، وينكفون خوفا من الفضيحة؛ ولكن لما سكت الناس وتركوا هؤلاء العابثين في أموال المسلمين وفي المجتمع نشطوا وتخذوا هذه الخيانة مصدرا للكسب يتبارون فيها ويتسابقون فيها خائن من وراء خائن.
والأمانة سبيل لرعاية الحقوق وارتفاع النفوس عن الدنيا، ولا تتحقق إلا إذا استقرت في وجدان المرء وحافظ عليها، وقد روى الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله أنه قال: ” إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة “، بمعنى أنها فطرة وخصلة جبلية في الإنسان منذ أن خلقه الله تعالى.
فهي إذن تحقق وتخلق بمضامين كتاب الله تعالى وسنة رسوله في أعمال أصحاب الضمائر والقلوب المؤمنة الحية، فإذا ذهب الإيمان انتزعت الأمانة، ولا ينفع ساعتها ادعاء بتدين وتمظهر مناقض لعدم الانتفاع بالوحي النازل من عند الحق جل جلاله من قبل أناس يزعمون أنهم أمناء على مصالح الأمة ورعاية حقوقها ، ومن لم يحفظ دينه وخلقه فهيهات أن يحافظ على مصالح غيره حق المحافظة.
التعليقات مغلقة.