موجز الأنباء “قصة قصيرة “
د.نهاد حلاوة
كانت أمسية هادئة لا تشى مقدمتها بتوابعها…فقد كان الطقس رائعا واغراني بالجلوس مع زوجتي في الشرفة المطلة على حديقة المنزل بعد أن نام ابنى زياد مبكرا…بدأت وزوجتى في إستعادة شريط ذكرياتنا وكيف كان اللقاء الأول وما تلاه من لقاءات لكل منها طعما خاصا استرجعناه و كانت تلف مسامعنا موسيقي الفصول الأربعة لتتمم فترات صمتنا و كأن الحديث ينساب بلا إنقطاع منذ أبتدأ … وكان ضوء القمر الشاحب يحتضن الليل بكل رفق وحنان .
أويت كعادتى إلي فراشى قبل منتصف الليل بقليل وأدرت مؤشر المذياع لأستمع إلي موجز أنباء منتصف الليل والذى يغلبنى النعاس دائما أثناءه وها أنا ذا أطوى المسافة بين اليقظة والسبات وأفقد تدريجيا السيطرة علي حواسى لحظة تلو الأخرى بينما يتنامى إلي مسامعى كلمات متناثرة …. مجلس الأمن…لجان التفتيش….اسعار البترول ….العدو الصهيوني…الإرهاب …الربيع العربي…فيروس كورونا .
و فجأة شعرت بوقع أقدام عديدة تقترب حثيثا من غرفة نومي تقتلع الأقدام باب الغرفة المغلق وتطيح به وتنتظم الخطوات مرة أخرى وتقترب من سريري أحسست بأحذيتهم الثقيلة تجثم علي صدرى وتشل حركتي لم يضيع المهاجمون الوقت وقسموا أنفسهم إلي مجموعتين… بعثرت المجموعة الأولى محتويات الغرفة واثاثها وأفرغوا محتويات خزائن الملابس وتفحصوا بعنايه شديدة كل ما طالته أيديهم وكأنهم يبحثون عن شئ ما.
وأما المجموعة الثانية فقد شد أفرادها وثاقي إلي السرير بعد أن جردونى من ثيابى وبسرعة أستخدموا ما معهم من معدات شديدة التعقيد لتعليق زوجتى وأبنى في سقف الغرفة ثم رشوا زيتا علي جسديهما وأشعلوا النار…. كانوا يؤدون عملهم بعدم أكتراث وكأنهم قد مارسوه كثيرا ولم تهتز مشاعر أيا منهم لصرخات طفلي أو توسلات زوجتي.
وعلي ضوء النيران المشتغلة بدأوا يتحسسون جسدى بعناية شديدة وإستعمل بعضهم نظارات مكبرة لفحص أماكن حساسة من جسدى. جمعوا في زجاجات معهم عينات من كل خلايا جسدى …ومن كل سوائلى الحيوية..دمى..لعابي..بولى..حتى من سائل عينى.
وكلما انتفض جسدى محتجا علي انتهاكه عاجلونى بلكمات متتالية من كل صوب تفقدنى الوعي لفترة.
ثم بدأت مرحلة أخري من جمع العينات فقد استخدم بعضهم المشارط الجراحية لإقتطاع أجزاء من جسدى ولفها بعناية شديدة ووضعها في ثلاجات معدة خصيصا إقتطعوا ..من قلبي…من كبدى …وحتى خاتم الزواج انتزع عنوة مع بقايا من اصابعى…
عندما اقتربت مشارطهم من لساني إستجمعت قواى الخائرة لأصرخ فربما أعاننى أحد من الجيران..أو رق المهاجمون لحالي .كانت الصرخة مدوية جذبت الجيران من كل صوب..أطلوا من النوافذ بملابس النوم ألقوا السلام علي المهاجمين…وألقوا نظرة على جسدى الممدد والدماء تقطر من كل شبر فيه..نظرت إلي القوات مستنجدا متشبثا بالحياة…فقال قائدهم بلهجة آمرة: بإمكاننا إنقاذك بشرط أن تصبر وتتماسك بدون صراخ لمدة دقيقة واحدة ثم تثاءب ….وكأن كلمة القائد كانت الإشارة التي تلقفها المهاجمون لينهالوا بالأدوات الحادة على جمجمتى ليستخلصوا عينية من مخى..صرخت بشدة فربما كانت هذه آخر صرخاتى..فقال أحد الجيران المتفرجين ها أنت لم تستطع الصبر وصرخت قبل دقيقة فكيف يمكننا إنقاذك…وولى الجيران الأدبار وأغلقت النوافذ..وجسدى أشلاء متناثرة على الفراش وعلي أرض الغرفة يختلط الدم بالبراز ..البول بالقئ ..المخ بالأحشاء ومن سقف الغرفة يتساقط رماد الجسدين المحترقين
فى أحد أركان الغرفة كان هناك رجلان يحتضن كلاهما الآخر بطريقة مثيرة للإشمئزاز ويرقبان ما يحدث لي وكان أحدهم وهو الأكبر سنا يدخل تعديلات علي أسلوب العمل أحيانا أو يعطي إشارة البدء لمرحلة جديدة .
جمعوا أشلائى في كيس ورقي مع رماد زوجتى وإبنى ونظفوا الفراش وأرض الغرفة ببراعة شديدة وأعيدت والمحتويات المبعثرة إلي مكانها..وحمل البعض ما جمعوا من عينات… وألقى الكيس الورقي والدماء تقطر منه في سلة المهملات….
أضئ ضوء..خافت ..رشت الغرفة بسائل معطر..وإنساب صوت موسيقى الفصول الأربعة..أدى المهاجمون تحية عسكرية للرجلين اللذين كانا يرقبان الأحداث ثم إنصرف الجميع .
أحسست بيد ترتب على كتفي فتيقنت انتى لا أزال علي قيد الحياة ..وإذا بزوجتي تقول أنت نائم أم تخوض معركة حربية..لقد كان جسدك ينتفض وكنت تصرخ وتهذى ببعض الكلمات المتناثرة…زوجى العزيز ما علاقة مجلس الأمن وقراراته بغرفة نومنا ؟ أرجوا أن تغطى مؤخرتك بشكل جيد حتى تنعم بنوم أهدأ .
بدأت دقات قلبي المتسارعة تنتظم وأنفاسى المتلاحقة تعود لإيقاعها الطبيعي..وتمالكت أعصابي وسألت زوجتي بلهفة أين زياد فقالت..في غرفته..يسمع موجز أنباء السابعة.
التعليقات مغلقة.