موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

موسيقية اللغة العربية د.وجيهة السطل

387

موسيقية اللغة العربية د.وجيهة السطل

اللغة في أبسط تعاريفها عند ابن جني(٤٩١للهجرة) :

مجموعة أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم . و يعدّ هذا التعريف للغة من أوائل التعاريف الدقيقة عند علماء اللغة العرب. و يتفق في جوانب كثيرة،من زاوية أخرى،مع مفهوم علم اللغة الحديث ؛لأنه ينطلق من الطبيعة الصوتية للغة ، ويركز على وظيفتها الحيوية، في نقل الأفكار.ويبين علاقتها بالمجتمع ودورها فيه.لأن اللغة إنما بالمجتمع تحيا ، وفي إطاره تتحدد بنيتها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية.
وإذا علمنا أن اللغة مجموعة أصوات تتركب في وحدات صغيرة مكونة الكلمة ، وفي وحدات كبيرة مكونة الجملة، فإنه يغدو من المهم أن نعلم أن هذه الوحدات الصوتية،في اللغة العربية بالذات.. وحدات متجانسة متناغمة.

هذا وقد ذكر العلماء كثيرًا من القوانين الصوتية الثابتة في تجاور الحروف ، وتجانسِها وتنسيقها من ذلك ما ذكره الجاحظ،من أن الجيم لا تقارب الظاء ولا الطاء ولا الغين بتقديم ولا بتأخير . وأن الزاي لا تقارب الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا بتأخير. وكذا ما ذكره السيوطي نقلًا عن الفارابي في ديوان الأدب.وماذكره ابن فارس في مقاييس اللغة، والثعالبي في فقه اللغة.


وقد أصبح من المتعارف عليه اليوم لدى علماء الصوتيات،أن للغة العربية جرسًا خاصًّا لا تخطئُه الأذن الواعية . وقد تبدّى أرقى نموذجٍ لهذا الجرسِ الموسيقي واضحًا في القرآن الكريم المنزّل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بلسانٍ عربي مبين .
وإذا حلّلنا هذه اللغة الجميلة، في محاولة منا متواضعةٍ، لتأكيد هذه الحقيقة،واكتشاف أسرارها، وجدنا أن جمالها يكمن في إيقاع الوحدات الصوتية، فضلًا عن الدلالات المعنوية الغنية التي تعطيها تلك الوحدات في الذهن.


والإيقاع هو تعاقب حركات وسَكَنات، وأصواتٍ مختلفةٍ في صفاتها الفيزيائية؛ من حيث الطولُ والقصرُ، و الشدةُ والضعفُ، والجهرُ والهمسُ،تعاقبًا مدروسًا بحكمة ونظام.وقد يذهب قوم إلى أن هذه الميزة الموسيقية للغة العربية راجعةٌ إلى الإعراب.


لا ننكرُ أن من مميزاتِ العربية إعرابَها. وقد ورثت هذه الميزةَ عن الساميةِ الأم،(وقد تكون العربية الأم) واحتفظت بها مع اللغة الأكَّادية من دون الأخوات الساميات.


والإعراب مصدر من أعرب عن الشيء إذا أوضحه، وأبانَ عنه، والإفصاحُ الذي تتوخاه اللغة العربية بالإعراب هو إيضاحُ الصلاتِ بين ألفاظِ الجملةِ العربيةِ بعضِها ببعض، وبيانُ نظامِ تكوين الجملة في الحالات المختلفة.ولولاه لفقدتِ اللغة وظيفتَها الأساسيةَ ،وهي التعبيرُ عن الأغراض بقصدِ الإفهام .
🌴وهناك صيغٌ في الجملة العربية لا يمكن فهمُها إلا بالإعراب، وذلك لمجيئها في صورة لفظية واحدة، وصور معنوية مختلفة، وتتميّز إحداها عن الأخرى عند النطق ،بنبرة الصوتِ اهتداءً بعلامات الترقيم .فتكون للتعجب أو الاستفهام أو النفي .
نحو : ما أحسنَ الطفلَ ! للتعجب

  • ما أحسنُ الطفلِ؟ للاستفهام
  • ما أحسنَ الطفلُ. للنفي.

ونحن نذهب إلى أبعد من
هذا فنقول: إن الأثرَ الموسيقيَّ للغة العربية لا يأتي من الإيقاع الخارجي لأواخرِ الكلمات، بمعنى أن مصدره ليس الإعرابَ فحسب، وإنما تنبعُ هذه الموسيقى من الوحدات الصغرى المكوِّنةِ للكلمات أي الأصوات.وهي المتعارفُ عليها بالحروف. وهذه الميزة التناغمية تكمن في أصول اللغة، وتدلّ على أن العرب الذين وضعوها قوم شعراءُ بالفطرة ، لأنهم تخيّروا أصوات لغتهم تخيُّرًا دقيقًا، وركّبوها متجانسة بشكل رشيق. ووضعوا قوانينها الصوتية ،التي تحكم علاقات الحروف بعضها ببعض، أوعلاقتها مع الحركات التي تسبقها .
وللجاحظ آراؤه الكثيرةُ في تقويم الشعر الجيد ، وردِّ الجودةِ إلى حسن اختيار الألفاظ، وحسنِ تجانسها. (وأجودُ الشعر ما رأيتَهُ متلاحمَ الأجزاءِ ، سهلَ المخارجِ ، تمرُّ حروفُ الكلامِ ، وألفاظُ الأجزاءِ من الشعرِ سهلةً لينةً، ورطبةً مواتيةً ، سلسةَ النظامِ ، خفيفةً على اللسانِ، حتى كأنَّ البيتَ بأسْرِهِ كلمةٌ واحدةٌ، وكأن الكلمةَ بأَسْرِها حرفٌ واحدٌ)


وبدَهيٌّ أن اللغة سابقة وضع قواعدها بآلاف السنين؛ لأن تدوينَ علوم اللغة بفروعها المختلفة لم يبدأ إلا في أواخر القرن الأول للهجرة وأوائل القرن الثاني. وقد وضعَ العلماءُ علوم النحو والصرف والبلاغة، وكانت لهم آراؤهم في الألفاظ والمعاني، والعلاقاتِ المتبادلةِ بينها ، وفي الألفاظ موزعةً على معانٍ شتى.
وقد عملوا على وضع أُسُسٍ منهجيةٍ تحكُم استخداماتِها السليمةَ ، وتوجّهُ المتعلمين من العرب وغيرهم، إلى فلسفةِ اللغة العربيةِ في الصياغةِ والتعبيرِ والأسلوبِ؛ ليتمكنوا من مواصلة الطريق على درب الأسلاف في نطقها لغةً سليمةً نقيةً خاليةً من الشوائب.

وبعودتنا إلى القواعد النحوية ، والتعاريف البلاغية ، والنظام الصرفي للغة العربية ، وغير ذلك من القواعد والضوابط والنظم الصوتية والنحوية والبيانية التي استنتجها العلماء،وسجلوها، وجدناها كلها أمورّا تؤكد الذوق الموسيقي الشاعري للغة العربية.

وسأحاول إثبات هذا بنماذج من علوم اللغة على سبيل التمثيل لا الاستقصاء .

١- تقول القاعدة النحوية : لا يلتقي في اللغة ساكنان صامتان ولا ساكنٌ صامتٌ مع حركة. فإذا التقيا وكانا حرفين صامتين وجب كسر أولهما ، نحو:(لم أردِ السفر)، (قالتِ
البنتُ). وإن التقى صامتٌ ساكنٌ مع صائت ، وهي العلة بمفهوم النحاة حذف حرف العلة نحو : (أتَتْ ، لم يقُلْ ،اشتقْتُ).
وتعليلنا لهذه القاعدة صوتيٌّ
موسيقيٌّ، لأن الأذنَ تَمَجُّ أن تسمعَ لم أردْ الشّر بتسكين الدال والشين.أو قالتْ الْبنت بتسكين التاء واللام، وكم يصعب نطقها. وهذا مطرد مع كل كل علة لقيت ساكنًا.

٢-لا يجوز البدءُ بساكنٍ ولا الوقوفُ على متحركٍ –إلا في الشعر، للحفاظ على الوزن – وهذا حكمٌ موسيقيٌّ أيضًا.لأن قرارَ النغمةِ – أي نقطةَ انطلاقِها – لا يكون إلا حركةً ، وجوابَها أي نقطةَ انتهائها لا يكون إلا بانقطاع الصوتِ المسموع. وهذا الانقطاعُ لا يكون إلا بالوقف.
وكانت همزة الوصل،جسرًا ابتدعوه ليُتَمَكَّنَ من النطقِ بالساكن، إذا وقع في أول الكلام، وذلك كما في أمر الثلاثي الصحيح، والماضي والأمر والمصدر من بعض أوزان الخماسي والسداسي.فكانوا ينطقون ألف الوصل همزة في بدء الكلام
محرَّكة بالضم مع مضموم العين
نحو :اُكتُب ،وبالكسر مع مفتوحِها ومكسورها نحو: اِفتَح ، اِجلِس. وتسقط نطقًا في درج الكلام، حتى لو سُبقت بحرف واحد نحو قوله تعالى في سورة طه الآية :٢٢
{واضْمُمْ يدَكَ إلى جناحِكَ تخرجْ بيضاءَ من غيرِ سوءٍ آيةً أخرى}
وقد علل علماءُ اللغة قديمًا هذه القاعدة تعليلًا فلسفيًّا ،بقولهم: إنَّ أي قول، لا يكون فيه خفوفٌ أو حركةٌ أو تهيُّؤٌ للفعل؛ هو عبثٌ أو لهو.
وكأن اللغة العربيةَ تُنَزِّهُ الناطقين بها عن لَغوِ الكلام .

ولهذا السبب أيضًا، أوجدوا هاء
للوقف ،في بعض الكلمات،وذلك عندما تنتهي الكلمة بمتحركٍ ونضطر إلى الوقوف عليها. وسموها هاء السكت .وذلك كما في ما الاستفهامية بعد حرف جر نحو :لِمَهْ؟ و الأسماء في قوله تعالى في سورة الحاقة الآيتان ٢٠،١٩ {فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيَهْ، إني ظننتُ أني ملاقٍ حسابيَهْ}
وهذا القانون الموسيقي لا نجده إلا في اللغة العربية،أما اللغات الأجنبية فكثير من الكلمات فيها يبدأ بساكن أو ساكنين مثل : Clôche بالفرنسية و Speech بالإنجليزية و Sprache بالألمانية .
٣- تقدر الحركةُ الإعرابيةُ على معتلَّ الآخرِ بالألف، أما المعتلُّ الآخرِ بالواو والياء، فقدَّروا الضمَّةَ على أواخرهما لغايةٍ موسيقيةٍ، مع إمكانية إظهارها إذ يجوز أن نقول في الأفعال: يعطيُ ، يدنوُ وفي الأسماء القاضيُ . ولكن الثقلَ الواضح في نُطقِ الحركةِ ، وعدمَ ملاءَمَتِها للجَرْسِ الموسيقيِّ المنسابِ دفعاهم إلى تقديرِها. وحين خفّ نطقُها بيسرٍ وسهولةٍ،لم يجدوا حرجًا في إظهارها في حالة النصب للفعل المضارع ،والأسماء المنقوصة .


٤- إذا وقعَ الاسمُ المنقوصُ نكرةً في موضع رفعٍ أو جرٍّ حُذفت ياؤه . وما الحذف هنا إلا لغايةٍ موسيقيةٍ بحتة.إذ من الممكن أن نقول : هذا راعيٌ ، ومررت براعيٍ، ولكن عدمَ التلاؤمِ الموسيقي بين كسرة العين وتنوين الضم في حالة الرفع ، وتوالي الأمثال الصوتية تواليًا غيرَ منسجمٍ في حالة الجر ، جعلهم يؤثرون حذف ياء المنقوص مطلقًا للخروج من هذا النشاز.ثم حمّلوا الكلمة بعد ذلك تعويضًا لها عن هذا النقص الحرفي كسرتين أعطتاها جرسًا موسيقيًّا جميلًا،هما تنوين العوض. فقالوا : هذا راعٍ، ومررت براعٍ .


٥ – إذا اتصلت ياء المتكلم بالكلمة اسمًا أو فعلًا أو حرفًا، وجب كسرُ ما قبلها كسرةَ مناسبةٍ. وتقدر الحركة الإعرابية على ما قبل ياء المتكلم . وهذا استمرار لقانون التلاؤم الموسيقي. وحين اصطدموا مع الأفعال بحقيقة نحوية ثابتة، وهي أن حركة أواخرِها -مبنيةً كانت أم معربةً- لا يجوز تغييرُها مطلقًا ، ولو كان لأمرٍ قاهرٍ مثلِ اتصالها بياء المتكلم ؛أوجدوا مخرجًا
فنيًّا موسيقيًّا من هذا المأزِقِ؛ بأن اجتلبوا نونًا أسمَوْها نون الوقاية، لتقي آخر الفعل من الكسر ، ثم حمّلوها كسرة المناسبةفقالوا :أدَّبَنِي ،يَذْكُرُنِي ، عَلِّمْنِي .
وحين نتأمل هذا الحرف المجتلب (النون) نرى أنهم اختاروا حرفاً من أحرف الغنة ، حرفًا لينًا منغَّمًا بذاته ، يضفي على الكلمة التي أضيف إليها نوعاً من الجمال والنغم ، لا يتحققان مع غيره من أحرف العربية. فالنون حرف أنفيٌّ مجهورٌ يتم نُطْقُه بجعل طرف اللسان متصلًا باللثة مع خفض الطبق ليفتح المجرى الأنفي، ويرافقه حدوث ذبذبةٍ في الأوتار الصوتية. ومعنى الأنفية في هذا الصوت أن الهواء الخارج من الرئتين يمر من التجويف الأنفي محدثًا في مروره نوعًا من الحفيف. وهذا الحرف الأنفي،يترنم به المرء وهو سارح دون كلام،وتستسيغ الأذن سماعه مع أي حرف من حروف الهجاء العربي بتقديم أو بتأخير ،


٦- تقلب الواو ياء إذا تطرفت بعد كسرة نحو : رضِي وقوِي . فأصلهما : رضِوَ وقوِوَ من الرضوان والقوة ولكن الكسرة لا تناسب الواو في نطقها، ولا تحقق معها هذه الانسيابية المتناغمة مثل ما تفعل الياء .لذا قلبوها ياء.


٧ – إذا وقعت تاء افتعال بعد حرف من حروف الإطباق وهي : الصاد والطاء والضاد والظاء وجب إبدالها طاء كقولنا : اصطبر ، اضطجع ، اطّرح ، واظطلم . وقد تجنبوا بهذا الإبدال من التاء إلى الطاء أن ينتقل النطق من صوت مفخم إلى صوت مرقق. فعدلوا عن التاء المرققة إلى نظيرتها في التفخيم، وهي الطاء. 

٨- تقلب التاء في وزن افتعل ، إلى نظيرتها المجهورة الدال بعد كل مافاؤه دال أو ذال أو زاي ؛نحو: ازدهر واذدكر وادّعى ، وما ذلك إلا لأن فاء الفعل من الحروف المجهورة ،وتاء افتعل حرف مهموس، ويصعب الانتقال من مجهور إلى مهموس مباشرة ،لتضاد وضع الحبال الصوتية في الحرفين.

وغير ذلك كثير في لغتنا العربية، اللغة الموسيقية الشاعرة الساحرة. وقد عرف الغرباء فضلها وميزاتها، وما زال أبناؤها ينكرونها، ويزدادون بها جهلًا.
أعتذر لطول المقال،وشكرًا لبلوغكم نهايته ، ولكم تحياتي.

التعليقات مغلقة.