موقف الشرع من الشباب..بقلم محمد الدكروري
موقف الشرع من الشباب
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
الشبابُ في الأمة محطُّ الأنظار، ومعقِدُ الآمال ، ومشاعِلُ الحاضر، وبُناةُ المُستقبل ، ومن هنا أحاطَتهم التوجيهاتُ الإسلاميةُ بالعناية التامَّة والرعاية الخاصَّة ، ووقتُ الشباب ثمينٌ لا عِوَضَ له، وزهرةٌ لا مثيلَ لها ، فيجبُ على كل مُوفَّقٍ في هذه الحياة أن يغتنِمَ شبابه في طاعة الله سبحانه وتعالى ، وأن يعمُره بعبادةِ ربِّه والتقرُّب إليه عز وجل ، وأن يكون في جهادٍ لا يفتَر في مُصارعة الهوى والنفس والشيطان .
وإن الإسلام لَم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العالمين دعوته؛ إلاَّ على يد هذه الطائفة المؤمنة التي تَربَّت في مدرسة النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم وتخرَّجت في جامعته الشاملة؛ فالشبابُ مرحلةُ القوة والنشاط والطاقة والطموح الوهاج ، والشباب متعَلَّق آمال الأمة، وأبو المعجزات، هو مرحلةُ العطاء المثمر، وروضُ الإبداع المزهر، وبستانُ النضارة والفتوة، واللياقة والقوّة؛ والشباب هو الذي يتمناه الصغيرُ، ويتحسّر على فراقه الكبيرُ .
وأعظمُ منَّةٍ أن يُوفِّق الله عز وجل ، العبدَ في شبابِه ليغتنِمَه في طاعة مولاه، والمُسارعة إلى رضا ربِّه، والبُعد عن نواهِيه ، وكيف والمُسلمُ مسؤولٌ عن هذه النعمة، مُحاسَبٌ عن هذه المنَّة؟ فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” لا تزولُ قدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمره فيما أفناه، وعن شبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسبَه وفيمَ أنفقَه، وماذا عمِلَ فيما علِم ” .
إن الشبابَ المُسلم اليوم يجبُ عليه أن يكون كما كان في الماضي كيِّسًا فطِنًا، فلا يستجيبُ إلى ما لا يُحقِّقُ للإسلام غايةً ولا يرفعُ للحقِّ راية، فكم يحرِصُ أعداءُ الإسلام بكل السُّبُل أن يُوقِعُوكم في مطايا المهالِك ومسالِك الغواية، والبُعد عن القِيَم الإسلامية السامِية، ومبادِئِه السَّمحة اليسيرة التي تسلُكُ بكم مناهجَ الوسطيَّة والاعتِدال، وتقودُكم إلى رعاية المصالِح وجلبِ المنافِع لأنفُسكم ولأمَّتكم، ولبُلدانكم ولمُجتمعاتكم.
وإن من ينظر إلى حملة الإسلام الأوائل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن أكثرهم كانوا شباباً، قام عليهم الدين، وحملوه على أكتافهم حتى أعزهم الله ونصرهم ، فهذا الصديق رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والثلاثين ، وهذا عمر رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والعشرين ، وهذا عثمان رضي الله عنه لم يتجاوز الرابعة والثلاثين ، وعلي رضي الله عنه لم يكن تجاوز العاشرة ، وكذلك بقية العشرة رضي الله عنهم .
طلحة بن عبيد الله لم يتجاوز الرابعة عشر ، والزبير بن العوام لم يتجاوز السادسة عشرة ، وسعد بن أبي وقاص لم يتجاوز السابعة عشرة ، وسعيد بن زيد لم يتجاوز الخامسة عشرة ، وأبو عبيدة لم يتجاوز سبعاً وعشرين ، وعبد الرحمن بن عوف لم يتجاوز الثلاثين ، وكذلك عبدالله بن مسعود، ومصعب بن عمير، والأرقم بن أبي الأرقم، وخباب، ومعاذ وعشرات غيرهم، بل مئات كانوا شباباً.
ومما يدل على كون مرحلة الشباب هي أفضل مراحل العمر، هو أن الله سبحانه وتعالى عندما يجازي الناس يوم القيامة، يجعل أهل الجنة شباباً لا يهرمون أبداً؛ وذلك من كمال السعادة؛ كما أن راحة الحياة وبهجتها غالباً ما تكون في مرحلة الشباب، فهي مرحلة يتطلع إليها الصغير، ويتمناها الكبير ، والشبابُ يذكّرنا بفتيةٍ أمنوا بربهم فزادهم هدىً، وبفتىً حطم أصنام الضلال بيده، وبنبيٍّ رأى برهانَ ربه فاعتصم عن الفحشاء، وبإنسانٍ آتاه الله الحكم صبياً ، فأخذ كتاب ربه بقوة الشباب، وحكمة الشيوخ ، وبشابٍ في الثامنة عشرة من عمره ولاه النبيّ صلى الله عليه وسلم أميراً.
ولذا حرِصَ الأعداءُ على أن يتفنَّنوا بكل طُرقِ المكر والخديعة لإفساد شبابِ الإسلام. وهل حصلَ في الأندلُس ما حصلَ إلا بغزو الشبابِ، وأن ينالُوا في عقائِدهم وأفكارِهم؟ فاحرِصوا على تفويت الفُرصة على أعداء الإسلام، ولذلك لا يكونُ إلا بأن تحمِلوا بصدقٍ وإخلاصٍ مِشعلَ الإيمان والعقيدة الصحيحة، والتحلِّي بالعلم النافع والعمل الصالح، الذي تستنيرُ به عقولُكم وتصفُو بصائرُكم، وتُسدَّدُ به أفكارُهم، وتُصوَّبُ به آراؤُكم، فتكونوا حينئذٍ عاملَ إصلاحَ وصلاح، سالِمين من عاديات الأشرار، وعادِيات الفتن، وهائِجات المِحَن .
ومن الاهتمام بعنصر الشباب نجد ما يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم من مكانة الشباب الذي ينشأ على طاعة الله سبحانه وتعالى، فهذا الصنف من الشباب لهم مكانة عالية عند الله سبحانه وتعالى حيث ينجيهم من الضيق والكرب الذي يلحق الناس يوم القيامة ؛ فيظلهم الله سبحانه وتعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ “ وخص النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الشاب لكونه مظنَّة غلبة الشَّهوة لما فيه من قُوَّة الباعث على متابعة الهوى، فإنَّ ملازمة العبادة مع ذلك أشَدُّ وأَدلّ على غلبة التَّقْوَى”.
إن شبابَ الإسلام اليوم تتقاذَفُ بهم أمواجُ الفتن؛ من أفكارٍ مُنحرِفة، ومشارِبَ ضالَّة، وشهواتٍ جامِحة، وغزوٍ فكريٍّ لا ساحلَ له، فهم في ضرورةٍ مُلِحَّةٍ إلى الالتِحام بعُلماء الأمة المشهُود لهم في الأمة بالعلمِ والورَع، والديانة والصلاح، والعقل والثبات، وبحاجةٍ إلى أن يصدُروا عنهم خاصَّةً في قضايا مهمة حصلَ من الخطأ في فهمِها نتائجُ وخيمةٌ عبر تأريخ الأمة المُحمدية .
ونحن إذا ما أردنا للأمة الرقيَّ في كافة مجلات الحياة فلنبدأ من الشباب فإن الشباب همُ عدةُ الأمة، وهم أملُ الحاضر، ورجال المستقبل، وسيكون منهم: القائدُ والحاكم، والوزير والقاضي والمعلم ُوالعامل ، والمربي لمن يأتي من الأجيال، إذاً فتربية الشباب ليست هينةً ولا سهلة، وإنما تحتاج إلى متابعة دقيقة من الآباء والمربين والمسؤولين، ومن الواجب أن يبدأ الآباءُ والمربون في إعداد الشباب منذ الطفولة، ويجب أن يستمر هذا الإعدادُ إلى أن يشتد عودُ الطفل، ويبلغَ مرحلة النضوج الفكري والعملي.
فالشباب في حاجة إلى التنشئة القويمة والتعليم الصحيح ؛ والتوجيه إلى كل نافع ومفيد ؛ وهذا واجب على الأسرة والمجتمع والقائمين على العملية التعليمية ؛ ولنا القدوة في نبينا صلى الله عليه وسلم الذي علم الصحابة في المدرسة المحمدية صحيح الدين وأخلاقه ؛ حتى حملوا مشاعل النور إلى العالم كله ؛ فقد ضرب النبي الكريم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا المثل والقدوة في التربية والتعليم والتوجيه، فعن ابن عباس قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا فقال:
” يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ” أحمد والترمذي .
التعليقات مغلقة.