موقف من ساحة عزاء… بـ قلم أسـمـاء الـبـيـطـار
موقف من ساحة عزاء
بـ قلم أسـمـاء الـبـيـطـار
لما كنت مسافرة بره مصر، و بحكم عمل زوجي كطبيب كنت قعدت فترة طويلة في كمبوند للأطباء بجوار المستشفى ، يعني العالم الخارجي و عادات أهل البلد تقريباً ما عرفش عنها حاجة .
حتى إحتفالات القرنقشوه لو تذكروا ما كنتش أعرف غير إنه إحتفال بليلة النصف من رمضان فقط ، إنما عاداتهم في هذه الليلة لم أكن أعلم عنها شئ .
المهم ..
ذهبنا للإنتقال للعيش خارج كمبوند الأطباء ، في وسط سكني من أهل البلد الطيبين ، و بحكم إنني إلى حد ما لست إجتماعية ، بصورة كبيرة مثلهم فكانت علاقاتي محدودة جداً جداً .
إلا من بعض الأصول و الواجبات .
كالمباركة في الأفراح ، وواجب العزاء .
و كان في البيت المجاور لنا شيخ كبير تخطي الثمانين من عمره .
كنت ألمحه من وقت إلى الآخر يجلس و حوله أبناءه من البنات، و البنين ، و الأحفاد .
كانوا يجلسون حوله بكل حب ، و ود ، و محبة .
ندخل بقى في أصل موضوعنا ..
في يوم إتصل بي زوجي ، و قال لي أن الشيخ الكبير بالمنزل الذي يجاورنا مات و لابد من الذهاب لأداء واجب العزاء .
فذهبت مع جارة لي مصرية ، و كان العزاء في خيمة كبيرة بجوار البيت ، و كان المُعزين من النساء بملابسهم العادية بألوانها الزاهية الجميلة ، و المكان لا يخلو من راحة القهوة العربي ، و الكثير من أطباق التمر !
صحيح كان الوضع غريب عليا شوية ، لكن العادات لابد أن تُحترم .
كما قلت لكم كان الشيخ تخطي الثمانين من عمره .
و كان وسط كل هذا ….
إبنته التي تجاوزت الخمسين من عُمرها و كانت إبنته الكبرى .
كاااانت تبكيه ” كالأطفال ”
و كانت تُتمتم بينها و بين نفسها بكلمات غير مفهومة لبعض من يجلسون بجوارها ، و ينظرون إليها بطريقة غريبة ، إنها تبكي بهذه الحُرقة !!
كنت أجلس أنا بالجهة المقابلة لها ، أراها بوضوح ، أرى حرقة دموعها ووجعها غير المصطنع ..
كان أبويا لسه موجود و بحكم تعلقي بأبويا منذ الصغر فأنا أفهمها جيداً .
و بدأت أنظر للمُعزيات من النساء و كأنني احدثهم ، و بصوت داخلي بشرح لهم ..
لماذا هي تبكي بهذه الحُرقة ؟
هي لا تبكي أبيها الذي تخطي عمره الثمانين ، و لكنها تبكي أبيها الذي كان و سيظل في نظرها بقوته و شبابه منذ أن وعت على الدُنيا
كانت تبكي أبيها .. التي كانت في ظل وجوده رغم إنها تخطت الخمسين
تشعر كأنها طفلته المُدلله .
كانت تبكي أبيها .. و الذي كان مُجرد وجوده أمان ، و سند ، و شعور بالإطمئنان من كل الدُنيا رغم كل ما فيها .
كانت تبكي أبيها و فقط .
كنت ديماً بستغرب من الناس اللي بتروح تاخد واجب العزاء .
و تقول لأهل الميت : إرتاح ، الحمد لله إن محدش ” شال و حط ” يعني ما تعبش اللي حواليه بمرضه بالبلدي زي ما بنقول !
لما نروح ناخد أي واجب و بالذات واجب العزاء .
يجب أن تكون الأصول حااااضره .
و أولها إحترام الشخص الذي غادر الدُنيا و لن يعوض وجوده أحد
و ثانياً و ثالثاً و عاشراً .. إحترام حزن الآخرين مهما كانت درجته .
فالحزن درجات …
نعم درجات فحزنك ليس كحزن غيرك ، صحيح يجب أن لا نُغالي فيه و لكنها طبيعة بشر يجب أن تُحترم .
التعليقات مغلقة.