مَا الَّذِي مَنَعَ أَبُو طَالِبٍ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ… بقلم د. أحمد إبراهيم مرعوه
بِقَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ـ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قولًا صريحًا مِثْلَ أَخِيهِ حَمْزَةُ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَالْعَبَّاسِ، أَوْ كُلِّ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي دَيْنِ اللَّهِ. وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ حَمْزَةَ وَأَبِي طَالِبٍ “أَبْنَاءِ عَبْدِ الْمُطّلِب” وَالِاثْنَانِ قَدْ دَعَّمَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺدَعْمًا كَانَ فِيهِ نُصْرَةُ الْإِسْلَامِ.
وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ مَنْ دَعَّمَه وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَاسْتَشْهَدَ فِي سَبِيلِ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَبَيْنَ مَنْ دَعَّمَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بِسَبَبِ حَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ. مَعَ أَنَّ هُنَاكَ مَا هُوَ أَدْهَى وَأَمَرُّ، كَأَبِي لَهَبٍ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، الَّذِي وَقَفَ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ، فَآذَى النَّبِيَّ ﷺ شَرَّ أَذِيَّةٍ، وَكَان يَكِيلُ لَهُ الشَّتَائِمَ وَالْمَكائِدَ حَتَّى نَزَلَ فِيهِ قرآنًا يَنْعَتَهُ وَيَتَوَعَّدُهُ بِالنَّارِ، لِقَولِهِ تَعَالَى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿٢﴾سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿٣﴾وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿٤﴾فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴿٥﴾) [المسد: 5:1].
وَهُنَا وقفةٌ لِلَّذِين يَقُولُون: إنَّ الَّذِينَ مَاتُوا وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دَيْنِ الْإِسْلَامِ، وَلَم يُؤْمِنُوا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ هُم وَكُلُّ الْمُؤْمِنِينَ سَوَاءٌ، وَسَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، بِدَعْوَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ ـ نَقُولُ لَهُمْ: وَلِمَاذَا سَمَّاهُم اللَّهُ بِالْمُشْرِكِينَ، وَمِنْ بَيْنِهِمْ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، وَأَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُمْ.
وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِيهِ، وَهَذَا آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَالْآخَرُ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ تَحَرُّجًا مِن مُعايَرَةِ أَهْلِهِ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِذَا كَانُوا سَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهَا ـ رَغْمَ أَنَّهُم حَادُوا عَنْهَا، وَذَلِكَ بِشِرْكِهِمْ الْبَيِّنِ، وَاَلَّذِي تَمَثَّلَ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَنَّهَا تُقَرِّبُهُم مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِمَاذَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ محمدًا ﷺ، وَهُوَ الَّذِي دَعَا لَهُ أَبُوهُ إبْرَاهِيمُ بِالرِّسَالَةِ، قال تعالى:( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة:129].
وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَلِمَاذَا لَا يُسْلِمُوا بِدِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ عَلَى مِلَّةِ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ، دِينِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [البقرة: 119]. وَقَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران: 85]. وَقَالَ تَعَالَى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
وَمَا رَأَيْنَا فِي وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَقَدْ مَاتَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْيَهُودِيَّةِ والْمَسِيحِيَّةِ، وَقَال: لِنَبِيِّ اللَّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُبعث: “وإنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا” وَلَا أَدْرِي لِمَاذَا تثار القلاقل بَيْن آوِنَةٍ وَأُخْرَى مِنْ الَّذِينَ يُحَاوِلُون تَوْرِيثَ الْجِنَانِ لِكُلٍّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْوَاحِد الدَّيَّان!
التعليقات مغلقة.