مُفارقة بقلم علي جبل
مُفارقة بقلم علي جبل
يقود سيارته الرونج روفر. لَمَحهُ يسير على جانب الطريق بتؤدة واطمئنان، ثيابه بسيطة لكنها نظيفة، تُزين رأسه عِمامة بيضاء، وسطها أحمر، بيده مسبحة طويلة. هدَّأ من سرعته، راقبه من بعيد، وصل أتوبيس النقل العام، هرول مسرعا كي يجد مكانا يقف فيه فقط. فغاية البسطاء ومحدودي الدخل من أمثاله أن يتعلقوا على الباب، أو يقفوا بالداخل، أما الجلوس على مقعد من المقاعد فهو حلم بعيد المنال، قد يحظى به مرة أو مرتين في الشهر. فالمواصلات العامة غالبا مزدحمة، وعددها قليل، وحالتها بالية. فشلت محاولته الأولى في الصعود، سقط على الأرض، نهض سريعا، قام بتنظيف ثيابه من بعض أتربة علقت بها من سطح الرصيف، هيأ نفسه لعمل محاولة أخرى للركوب، فغالبا ما تفشل المحاولة الأولى والثانية، وقد يحالفه الحظ ويجد موطئا لقدمه في المحاولة الثالثة.
لم يُمهله صاحبه لإجراء المحاولة الجديدة.
اقترب منه،نادى عليه: ياشيخ عبدالمؤمن، تفضل بالركوب معي كي أوصلك، ألا تود مجاورة صاحبك القديم؟ألا تتذكرني؟ كنا نقطن في منطقة واحدة، نظر إليه باندهاش!
إنه لوسي، اسمه الحقيقي ساهر، كان يجيد التمثيل، ولا يحب الدراسة، يرسب كثيرا.
التحق عن طريق الواسطة بالمعهد العالي للسينما، بعدها اختفت أخباره، وغاب عن التواجد بالمنطقة. تبدو عليه علامات الغنى الفاحش،والثراء السريع.
سأله عن أعماله وأشغاله.. ألا تعلم أنني أصبحت ممثلا مشهورا يملأ اسمى صفحات السوشيال ميديا والجرائد اليومية، والمواقع الإلكترونية؟! أجابه الشيخ عبدالمؤمن مبتسما اعتذر لك، انقطعت اخبارك عني مدة طويلة بعد هِجرتك من حَيِّنا السكني المتواضع. ثم انشغَلْتُ انا بالخطابة والدعوة، وأقضي معظم أوقاتي في القراءة والاطلاع ومدارسة اهل العلم والعلماء، نحن أصحاب رسالة سامية، نغرس القيم، ونحثُ على الفضيلة، ونبني الإنسان، ونُقيم الحضارات، مهنتنا هي مهنة الأنبياء. قاطعه لوسي وأنا ايضا صاحب رسالة، أدعو للتنوير، وأعمل جاهدا على تغيير عادات وتقاليد المجتمع البالية التي لا تناسب العصر. وتأخذ بنا للخلف. ألم تر آخر أعمالي الفنية الذي يتحدث عنها القاصي والداني.. سأله الشيخ عبدالمؤمن عن دوره في هذا العمل الفني الكبير الذي جعله ملء السمع والبصر.. أجابه:كنت أعالج ظاهرة المثلية الجنسية، وأحببت دوري فأتقنته، وأديت دورَ المِثْلِي كما ينبغي أن يكون. وانا الآن في طريقي لحضور حفل التكريم. استنكر الشيخ فِعله.
وقفت السيارة أمام المسجد ودَّعه لوسي مُتجِها لحفل التكريم. دخل الشيخ عبدالمؤمن مسجده وانتظر إقامة صلاة المغرب، أخَّرَها عن موعدها لتأخر المصلين، طال انتظاره، تجول في المسجد متجها إلى بابه لعل بعضهم يأتي، خاب ظنه ولم يحضر أحد.
قام بتشغيل كاميرا الهاتف ودار دورة كاملة داخل المسجد فظهر بيت الله فارغا من المصلين. وقف على باب المسجد، سأل بعض المارة عن السبب؟ علِم حينها بإقامة مناسبة رياضية كبرى فانشغل الناس بها عن الصلاة. تألَّم الشيخ عبدالمؤمن واستشاط غضبا لضياع فريضة من فرائض الله، أخذته الغيرة على دينه قام بنشر الفيديو على صفحات السوشيال ميديا علَّه يصل لأحد المسئولين، ثم أدى الصلاة وجلس بالمسجد غاضبا من هول الحدث.
وبعد عِدة دقائق، رن جرس هاتفه، انت موقوف ومحال للتحقيق ولتحضر الآن.
اتجه الشيخ عبدالمؤمن على الفور إلى جهة التحقيق المختصة، في نفس الوقت الذي يتجه فيه لوسي لحفل التكريم محمولا على الأعناق.
انتهت.
التعليقات مغلقة.